مقالات

فاعرف ما يضر عدوك

د. طه حامد الدليمي

69206_220559284756999_1265440444_n-350x272 قبل سنتين وبينما كنت في الخَيف من مِنى كتبت مقالاً بعنوان (إن لم تعرف ما ينفعك…)، وأرى أن العنوان في حاجة إلى شقه الآخر (… فاعرف ما يضر عدوك). وكنت قبلها بأيام في (جدة) فقرأت في صحيفة (الحياة) السعودية لأحد رموز المرحلة الماضية([1]) هذه العبارة، وكانت سبباً في كتابة المقال يومها: “إن المؤشرات كلها تشير إلى أن الشعب العراقي الصبور لم يبق له من محنته سوى الشوط الأخير، وأنه أوشك على قطف ثمرة صبره ومعاناته، والانتهاء من بقايا محتليه والمتآمرين عليه”! مشيراً إلى قرب جلاء قوات الاحتلال.

دار المقال حول الدوافع النفسية وراء هذه الأحلام المجنحة، وقد قدمت لها بأربعة أمور هي:

1. أنه ليس هناك في الواقع من شعب (عراقي) واحد يمكن توجيه الخطاب إليه.

2. أن محنتنا الحقيقية، ومعركة الحقيقية، كسنة عرب إنما الآن ابتدأت؛ بعد أن صرنا في مواجهة المحتل الحقيقي، وهو (الشيعة العرب).

3. أن السنة أضعف من أن يقطفوا ثمرة الجلاء؛ لسبب بسيط هو أنهم بلا عنوان ولا كيان، ورموزهم بلا مشروع؛ وإذن هم الخاسر الأكبر، وليس أمامهم غير السحق والذوبان سوى إقامة إقليم لهم، وإلا فرفع السلاح هو المصير الذي لا مفر منه.

4. أن (بقايا المحتلين والمتآمرين) هم سادة العراق اليوم رضي من رضي وأبى من أبى. وهم يستعجلون انسحاب المحتل للانتهاء من بقايا أهل العراق الأصلاء الشرفاء، وليس العكس كما يتوهم الواهمون ويتمنى الحالمون. وأردفت قائلاً: “لن تذهب هذه البقايا مع من جاء بهم. والزمن القريب أمامنا. ويومها ماذا سيقول الحالمون؟!”.

وختمت المقال بنداء إلى رافضي مشروع الفدرالية أو الإقليم قائلاً: “يا أهلنا! إن لم تعرفوا ما ينفعكم، فلا أقل من أن تعرفوا ما يضر عدوكم. وإلا فأنتم مقبلون على حرب لن يترككم الشيعة بحماقاتهم حتى تخوضوها، أو ترضوا بحال الأذلَّين: الجحشِ والوتدِ”.

الاتجاه المعاكس

في الحلقة الأخيرة من برنامج (الاتجاه المعاكس) كان المساجل الشيعي (عباس الموسوي) يتمظهر بحرصه على وحدة العراق، متهماً دعاة الأقاليم بالسعي إلى تقسيم البلد. ويهرب من الجواب عن محاصرة المساجل السني عبد الرحمن الجنابي له بسؤاله: ألستم أنتم من شرع الفدرالية في الدستور؟

ولمن يخفى عليه سر هذا التظاهر بحب العراق والتباكي خوفاً عليه أقول: من الحقائق التي صارت واضحة للكثيرين أن (وطن الشيعي طائفته)؛ فالشيعي في أي بلد لا يرتبط بوطنه قدر ارتباطه بطائفته، والشيعة – لهذا الشعور الجمعي – يشكلون في أي دولة (دولة داخل دولة). وهم دعاة التقسيم والانفصال والعمل على ذلك، كما في السعودية واليمن، وفي العراق دعوا في بداية الاحتلال الأمريكي إلى تقسيم البلد وإقامة دولة شيعية تمتد من شمال سامراء في الوسط حتى الجنوب، وهم من أطلق مصطلح (الاحتلال الداخلي) على من أسموه (حكم السنة) للعراق بين سنة (1921) و(2003). أما الفدرالية فقد حرصوا على تضمينها مواد الدستور الذي أقروه سنة (2005)، ودعوا إليه بصراحة في مؤتمر لندن سنة (2002)، ونصصوا عليه في البيان الذي صدر عن المؤتمر. فما عدا مما بدا؟!

عندما اتصل بي مقدم برنامج (الاتجاه المعاكس) الأستاذ فيصل القاسم يوم الخميس الماضي عارضاً عليّ المشاركة في البرنامج، تطرق إلى مسألة تقسيم العراق وناقشني في حرص إيران على هذا الهدف، قلت له: إيران لا تريد تقسيم العراق. فتفاجأ بردي وقال: ماذا تريد إذن؟ فأجبته: لقد أصبح ذلك من أفكار الماضي. إيران تجاوزت هذا الهدف (الصغير)؛ إنها اليوم تهدف إلى بلع العراق كله لا إلى تجزئته.

هل أدركت الآن سر تباكي أذناب إيران على وحدة العراق؟ علماً أن قسماً منهم ليس بقليل إيرانيون أصالة لا نيابة، وإن تستروا بألقاب توهم السامع أنهم عرب مثل الموسوي وما شابه. على أنه ليس هناك من فرق بين شيعي عربي وشيعي إيراني، كما أنه لا فرق بين الكاشاني والكشواني.

في خدمة المشروع الإيراني

هل لفت أنظاركم ثناء عباس (الموسوي) على الشيخ محمد بشار الفيضي الناطق باسم (هيئة علماء المسلمين) ذاكراً كيف تحدث عن الأضرار المترتبة على إنشاء الأقاليم! وثناءه على الشيخ عبد الملك السعدي وكيف وقف ضد الفدرالية!

وإذا كانت المعركة تدور اليوم بين السنة والشيعة في العراق وسوريا ولبنان والخليج، على اختلاف درجاتها في الوضوح والشدة بين قطر وآخر، ولها امتداداتها الإقليمية وانعكاساتها على الأمة العربية والإسلامية: فإن الرافضين للفدرالية في العراق يضعون أنفسهم – شاءوا أم أبوا – في خدمة المشروع الشيعي والإيراني. هذا إذا تجاوزنا الحديث في النوايا والمؤامرات والخفايا التي لا يعلمها إلا الله تعالى، علم من علم منهم، وجهل من جهل. ولا نجد بعدُ لهؤلاء الشيوخ إلا أن نقول:

“إن لم تعرفوا ما ينفعكم، فلا أقل من أن تعرفوا ما يضر عدوكم”.

الخميس

______________________________________________________________________________

  1. – هو الشيخ حارث سليمان الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى