مقالات

القائد الأصيل والقائد الوكيل (2)

د. طه حامد الدليمي

في المقال السابق ذي الصلة قلنا: أمام القائد الأصيل ثلاث عقبات مطلوب منه اقتحامها وتجاوزها بنجاح: (رؤية العمل، والعائلة، والوظيفة). تكلمنا هناك عن العقبة الأولى، وبقي أن نتكلم هنا عن العقبتين الباقيتين:

2. العائلة

تأتي الزوجة على رأس العائلة في عملية التعويق؛ فكثير من النساء تكون بعيدة عن أجواء العمل القيادي بحكم ظروفها، وتأثير الثقافة الشائعة. وربما كانت الزوجة رقيقة الدين، تغلِّب الدنيا على الآخرة؛ فبدلاً من أن تكون عوناً لزوجها على دينه وقضيته تكون عبئاً عليه وعائقاً في سبيله. وهذا غالباً ما يؤدي إلى ضعف في تقييم الموقف؛ فينتج التذمر من طول غياب الزوج عن البيت. وقد يكون التذمر طبعاً لدى بعض النساء فتكثر منه حتى تسوء العلاقة البيتية فيتأثر الزوج بنسب متفاوتة، إن لم يقتنع تمام الاقتناع بما تقول له وتهجس به إليه، فيتباطأ، وقد يتوقف فينقطع عما كان عليه من قبل من عمل يمثل البطاقة الأرجح في ميزان الحسنات، والخطوة الأفسح في سلّم الدرجات. وفي ذلك يقول سبحانه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن:14-16): قال ابن كثير في تفسيره ما مختصره: بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). وقال مجاهد: يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه. وذكر في سبب نزول الآيات عن ابن عباس قال: هؤلاء رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم. فلما أتوا رسول الله رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الاَية (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)([1]). إ.هـ.

فذكر فتنة العائلة (الزوجة والولد) إلى جانب فتنة الوظيفة (مثلة بالمال) وحذر منهما معاً. ثم وضع العلاج المناسب لها، وهو من مركّب من ثلاثة عناصر:

1. الأمر بحسن التعامل مع العائلة وذلك بالعفو والصفح والمغفرة.

2. حث الزوج أهله على العمل في السبيل نفسه الذي يسير هو فيه. وذلك من مفردات عموم التقوى المنوه عنها في قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). ويؤيد هذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم:6)؛ فوقاية الأهل من التقوى المأمور بها.

2. الإرشاد إلى أن يتقي المرء ربه قدر استطاعته، ولا يحمل نفسه فوق طاقته، فيقصر في حقها وحق عائلته. وليكن نشاط القائد خاضعاً لقاعدة (ساعة وساعة)، التي ذكرناها في فقرة (الإيمان والتنمية الإيمانية).

فإذا فعل الرجل هذا ثم استمرت العائلة على ما هي عليه، فهو على مفترق خيارين: أن يبتغي أي حل آخر ليحافظ على مستواه ويترقى في مسراه. أو أن يستمر في تأثره وتعثره فلا يحسبن نفسه من ذلك الطراز من القادة، الذي تتجدد به الحياة، وتنتصر الدعوات.

3. الوظيفة أو العمل

قد يبدأ الشاب حياته داعياً نشيطاً، يؤمن بأن الحياة الحقيقية هي ما كان صاحبها يعيشها لأداء رسالة. وينتهي قائداً في مؤسسة قبل أن تثقله الوظيفة بأعبائها، أو يكرثه العمل من أجل الكسب بمطالبه. حتى إذا ابتلي ببعض ذلك أو كله بدأ بالتباطؤ شيئاً فشيئاً والتنصل عن مسؤوليات هو تحملها، وهي التي أهلته للقيادة. وربما كان الكسب من أجل كماليات الحياة والتأثل منها، لا من أجل ضرورياتها وحاجياتها. فيؤثر العاجل على الآجل مع رغبته في تصدر العمل القيادي، وينسى أن جدارته التي كان عليها هي التي رشحته للصدارة. وهو اليوم يتطلب صدارة بلا جدارة؛ وهذا لا يكون. وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15). وهي حالة خطيرة تنشأ من الغفلة إذا طال أمدها، حذر الله تعالى منها الصحابة فكيف بغيرهم! فقال: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16).

ما نحتاجه ركناً للمؤسسة وشرطاً لدوام حيويتها وقدرتها على التجدد والإبداع المستمر هو وجود ما يكفي من طراز “القائد الأصيل”، ووضع الضوابط لعدم صعود “القائد الوكيل” إلى رأس المؤسسة. هذا هو الذي يحافظ على قيادية المؤسسة وعدم تحولها إلى مجرد إدارة مهمتها التنفيذ دون القدرة على التوجيه والتعديل.

22/2/2014

_________________________________________________________________________________

  1. – وكذا رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى