تصحيح مفاهيم خاطئة لحديث( لو كان الإيمان عند الثريا… ) (2)
د. طه حامد الدليمي
فارس تغلب عليها الفتن نقلاً وعقلاً
على أن للصورة صفحة أخرى غطت على ذلك وزادت عليه. هي صفحة الفتن والخرافة، التي لم نر مثلها من غير الفرس من الأمم، خصوصاً نحن أهل العراق، في تاريخنا أبداً! ولا يبعد أن يكون الفرس هم المقصودون بقول النبي e فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله يشير إلى المشرق فقال: (ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان). وفي رواية لأحمد بلفظ (ها هنا أرض الفتن) وأشار إلى المشرق. جاء في بعض الروايات تفسيرها بأهل نجد وأهل الإبل وربيعة ومضر. لكن لا يمنع هذا أن يكون المقصود أبعد من ذلك. سيما وقد جاء عن الفاروق رضي الله عنه قوله: (يا ليت بيننا وبين فارس جبلاً من نار). وهو والد عبد الله بن عمر راوي حديث الفتن السابق.
ومن أرض فارس تخرج أعظم فتنة وهي فتنة الدجال كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه/صحيح الجامع/ عن النبي e: (يا أيها الناس ، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض، منذ ذرأ الله ذرية آدمَ ، أعظمَ فتنة من الدجال، وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذر أمَّـته من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا مَحَالة). ورى أحمد /وصححه ابن حجر/ عن أنس بن مالك، قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان يتبعه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان). وفي رواية حسنها الألباني: (الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ). ففارس هي أرض الفتن قديماً وحديثاً ومستقبلاً، صغيرها وكبيرها.
الشعوبيون يستغلون الحديث ويضيفون إليه
أما الرواية التي جاء فيها: عن أبي هريرة تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً هذه الآية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) قالوا: ومن يُستبدَل بنا؟ قال: فضرب رسول الله على منكب سلمان ثم قال: (هذا وقومه، هذا وقومه). فهي رواية ضعيفة وإن حسنها البعض. تفوح منها رائحة الشعوبية. رواها الترمذي وضعفها هو نفسه بعد أن رواها فقال: هذا حديث غريب، في إسناده مقال. والغريب في اصطلاح الترمذي هو الضعيف. وسبب ضعفها من جهة إسنادها أن فيها راوياً مجهولاً. قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا شيخ من أهل المدينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله e يوماً هذه الآية… الحديث. فالحديث منقطع بين عبد الرزاق والعلاء بن عبد الرحمن. هذا ولم يسلم بعض الرواة الآخرين من مقال؛ فالحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج. فكيف والواقع التاريخي يشهد بعكسه تماماً؟!
نقول هذا الكلام لأننا لم نرتض لأنفسنا أن نجلس وراء المكاتب، أو خلف الجدران الصماء، لا ندري بما يدور وراءها. نتطلع إلى الناس من فوق بروجنا العاجية؛ فنفسر النصوص بما يمكن أن تحتمله من معانٍ، دون النظر إلى الواقع، أو مصداقها منه. ولا ندرك كيف يتصيد الخصوم كلماتنا وينفذوا من ثغراتها؛ ليستثمروها في صالح معتقداتهم، وتحقيق أهدافهم، وخدمة أغراضهم. هذا واحد من دجاجلة الشيعة هو علي الكوراني. انظر إليه كيف يتعامل مع هذه النصوص! فيقول:
(الآيات والأحاديث في مدح الإيرانيين: وردت الأحاديث حول الإيرانيين وحول الآيات المفسرة بهم بتسعة عناوين : ” قوم سلمان. أهل المشرق. أهل خراسان. أصحاب الرايات السود. الفرس. بني الحمراء أو الحمراء. أهل قم. أهل الطالقان ” وسترى أن المقصود فيها غالبا واحد. وقد تكون أحاديث أخر عبرت عنهم بعناوين أخرى أيضا. في تفسير قوله تعالى: “وان تتولوا يستبدل قوما غيركم” قال عز وجل: “ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء. وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم ” (محمد:38) . قال صاحب الكشاف (ج 4 ص 331) ” وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال: “هذا وقومه. والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس”. وقال صاحب مجمع البيان: “روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: “إن تتولوا يا معشر العرب، يستبدل قوما غيركم، يعني الموالي”… وفي الحديث الشريف معنيان متفق عليهما، وهما: أن الفرس هم الخط الثاني عند الله تعالى لحمل الإسلام بعد العرب، والسبب في ذلك أنهم يصلون إلى الإيمان مهما كان بعيدا عنهم، وكان طريقه صعبا. كما أن فيه ثلاثة أمور محل بحث: أولها: هل أن هذا التهديد للعرب باستبدال الفرس بهم خاص بوقت نزول الآية في عصر النبي صلى الله عليه وآله أو مستمر في كل جيل، بحيث يكون معناه: إن توليتم في أي جيل يستبدل بكم الفرس؟ والظاهر أنه مستمر، بحكم قاعدة أن خصوص المورد لا يخصص الوارد، وأن آيات القرآن تجري في كل جيل مجرى الشمس والقمر، كما ورد في الحديث واتفق عليه المفسرون. وثانيها: أن الحديث الشريف يخبر أن رجالا من فارس ينالون الإيمان أو العلم، ولا يخبر أنهم كلهم ينالونه. فهو مدح لأفراد نابغين منهم وليس لهم جميعا. ولكن الظاهر من الآية والحديث أنهما مدح للفرس بشكل عام لأنه يوجد فيهم رجال ينالون الإيمان والعلم. خاصة إذا لاحظنا أن الحديث عن قوم يخلفون العرب في حمل الإسلام. فالمدح للقوم بسبب أنهم أرضية للنابغين، وأهل لاطاعتهم والاقتداء بهم. وثالثها : هل وقع إعراض العرب عن الإسلام واستبدال الفرس بهم ، أم لا ؟ والجواب: أنه لا إشكال عند أحد من أهل العلم أن العرب وغيرهم من المسلمين في عصرنا قد أعرضوا وتولوا عن الإسلام. وبذلك يكون وقع فعل الشرط ” إن تتولوا ” ويبقى جوابه وهو الوعد الإلهي باستبدال الفرس بهم. كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعد الإلهي بدأ يتحق…
في تفسير قوله تعالى: “بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد” في (البحار: ج60 ص216) عن الإمام الصادق عليه السلام ، ” أنه قرأ هذه الآية. فقلنا جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاثا : هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم ، هم والله أهل قم “…
أما الأحاديث الواردة من طرق الفريقين في مدح الإيرانيين ومستقبل دورهم في حمل الإسلام، فهي كثيرة… وهو يدل على أن الوعد الإلهي سيتحقق في العرب فيتولوا عن الدين ، ويستبدل الله تعالى بهم الفرس، ولا يكونوا أمثالهم. ويدل على أن الفتح الإسلامي في هذه المرة سيكون ابتداء من إيران في طريق القدس والتمهيد للمهدي عليه السلام)([1]).
قل : عقائدي وعقيدي ، ولا تقل : عقَدي
شاع في العقود الأخيـرة لفظ “عقَدي” نسبة إلى “العقيدة”. والصواب – والله أعلم – أن تقول: “عقيدي” أو عقائدي”؛ لأن “العقيدة” من أسماء الجنس لا أسماء العلم. فيكون كلمة “عقَدي” من الأخطاء التي شاعت بالقياس الموهوم لا السماع المنقول. (النسبة إلى الجمع جائزة لغة كما في “أنصاري” نسبة إلى “الأنصار”).
قال العالم اللغوي الخبير مصطفى جواد في كتابه الشهير (قل ولا تقل) ص133: (قل الحقوق القبيلية، والرسوم الكنيسية. ولا تقل: الحقوق القبلية، والرسوم الكنسية. وذلك أن القبيلة والكنيسة اسمان من أسماء الجنس. أعني أن القبائل كثيـرة، والكنائس كثيرة؛ فلا يجوز حذف الياء منهما عند النسبة اليهما. أما حذف الياء فيكون مقصوراً على الأعلام كقبيلة بجيلة وجزيرة ابن عمر وقبيلة ثقيف وعتيك… فيقال: بجلي، وجزري وثقفي وعتكي. ومع وجود هذه القاعدة الخاصة بالأعلام شذ منها “تميمي” لأنه مضعف فلم يقولوا “تمَمي”. وشذ منها من النسب الى البلدان والمواضع نوادرُ كالحديثي نسبة الى الحديثة، والحظيري نسبة الى الحظيرة. والقطيعي نسبة الى محلة القطيعة ببغداد. فان كانت هذه القاعدة لا يبنى عليها الا في الأعلام وكثر الشذوذ منها في الأعلام بأعيانها، فكيف يبنى عليها في أسماء الجنس كالبديهة والقبيلة والكنيسة؟ فان جاز حذف الياء في العَلَم فذلك لأن العلم له من الشهرة والاستفاضة ما يحفظه عند الحذف، وله من قوة المنسوب ما يميزه عن غيره ويبعده عن اللبس. ومن الخطأ القديم الذي رتكب في هذه النسبة، قولهم “فلان الفرَضي” نسبة الى علم الفرائض بدلاً من الفرائضي… وهذا يدل على أن الخطأ حدث في القرن الرابع للهجرة.إ.هـ.
أقول: وعلى هذا الأساس لا يصح أن تقول:”العقَدي” نسبة الى “العقيدة”؛ لأنها من أسماء الجنس لا أسماء العلم. وقد ذكر العلامة بكر أبو زيد، رحمه الله، أن النسبة إلى “العقيدة”: “عقَدي”، مخطئاً من قال: “عقيدي وعقائدي”؛ وأظنه لم ينتبه إلى هذا التفريق بين النسبة إلى اسم الجنس واسم العلَم، والله أعلم.
11/12/2014
_________________________________________________________________________________