مقالات

الطبال والعروس التي ماتت قبل أسبوع

د. طه حامد الدليمي

طبال، يعتاش على طبله، سمع ذات يوم بحفل عرس سيقام في القرية بعد أيام. اجتاحته موجة من الفرح؛ إنها فرصة يعيد فيها لطبله الجامد روحه الهامدة، ولجيبه الصامت ضوضاء سعيدة افتقدها منذ زمن ليس بالقريب. لكنه تثاقل حتى مر أسبوع على انعقاد الحفل، ثم اصطحب طبله وقصد الدار السعيدة فلعله يظفر بذيل للفرح. وقبيل أن يصل إليها شاهد خيمة طويلة عريضة منصوبة عند الدار فأخذته نشوة الأمل فهيأ طبله وطفق يوقع عليه، حتى إذا غشي الخيمة أو كاد كان الحماس قد استبد به فاقتحمها وسط صياح الحاضرين ومسارعتهم إلى إسكاته!

ما الذي دهاكم؟!

وتبين أن العروس ماتت قبل أسبوع، بطلق ناري من أحد المحتفلين، وهذا مجلس عزائها!

خجل الطبال وانكفأ على نفسه وعاد أدراجه يلعن الطبل والطبالين، ويسب الحمقى والمغفلين. وعمد إلى طبله فمزقه، وإلى عوده فكسره، وقعد يندب حظه وهو لا يدري ما عساه أن يصنع بعد يومه في غده؟

أتذكر هذا المشهد كثيراً.. في كل مرة تسنح الفرصة لأهل السنة فلا يبادرون إلى اقتناصها، رغم أن الفرص لا تسنح إلا قليلاً، ورغم أن بعض هذه الفرص تطرق عليهم أبوابهم وتظل تنتظر على أعتابهم، لكنهم يتجاهلونها بين زاهد ومتثاقل ومتملق لآخرين أو خائف منهم. حتى إذا فاتت مللاً من الانتظار إذا هم يشحذون أصابعهم ويحدون أعوادهم ويقبلون تدوي طبولهم، لكن دون حياء ذلك الطبال ولا خجل كخجله. ولا ينتهون كما انتهى فيمزقوا طبولهم ويكسروا أعوادهم. بل هم دوماً يحضرون، ولكن بعد موت العروس بأسبوع!

آخر الفرص

فرص كثيرة تجيء مع القدر وتذهب مع الريح.

آخرها (الحراك) الذي اجتاح ست محافظات. قلنا لهم: هذه فرصتكم.. ارفعوا هويته الحقيقية فاجعلوها (سنية)، ودولوا قضيتكم باسم (القضية السنية)، ووحدوا مطاليبكم فلتكن (الإقليم)، وأعدوا العدة لكل احتمال، تتحقق كل المطاليب وتنالوا جميع الحقوق. وإلا فأنتم ذاهبون إلى إحدى اثنتين: سحق وتسليم أو حرب وتقسيم.

رفضوا هذا المنطق وظلوا سنة كاملة على الطرقات مكتفين بالهتاف ثم الانصراف إلى البيوت. لم يتشرفوا بتسمية حراكهم (الحراك السني) بل أسموه (الحراك الشعبي)، ولم يتطرقوا ولو إلى صدى (قضية سنية)، أما (الإقليم) ففروا منه فرار الرعديد من الأسد! فماذا كانت النتيجة؟ ها هم في أرض التيه على وجوههم يهيمون! وهيهات هيهات لزمن الإقليم! كانت فرصة وذهبت، ولا أظنها تعود إلا بعد تضحيات ما كان أغنانا عنها لو كانوا يدركون!

آخر الطبول

Untitled Untitled حين بدأت برنامجي على قناة (وصال) قبل ثلاث سنين ونيف جعلت شعاره (سنة العراق.. القضية والهوية)، وكنت أطرق في الآذان وأكرر الطرق: “قضية سنية هوية سنية، قضية سنية هوية سنية. لا قضية بلا هوية ولا هوية لنا غير السنية”.. لكن (الإخوان المسلمين) رفعوا آنذاك شعار (مسلم هويتي عراقية) من خلال قناتهم (بغداد). أما (هيئة علماء المسلمين) فكان مقدمو برامج قناتها (الرافدين) يقطعون اتصال كل من يجري على لسانه كلمة (سنة أو شيعة)! وتحديناهم أن يثبتوا على ما هم عليه. وقلنا لهم: ستقولونها.. ستتقيأونها غصباً عنكم، ولكن حين لا ينفع قول أو يشفي قُياء! ثم بعد أن مزقت الخيام وخربت الديار وقُتّلت الرجال والنساء والأطفال، وشردت العوائل، وطاف بخرائب تكريت غراب إيران إذا بهؤلاء يكررون قصة (الطبال والعروس التي ماتت قبل أسبوع)! وتذكرت القصة للمرة الخمسين وأنا أرى على قناة (بغداد) برنامجاً مسلسلاً يعرض هذه الأيام تحت شعار مخطوط بالقلم العريض (القضية السنية)! فقلت: طبالون ورب الكعبة!

أيها القوم!

متى تمزقون طبلكم، وتكسرون عودكم؟! فوالله ما دخلتم بذلك الطبل يوماً خيمة عرس، إنما كلها خيام عزاء لعروس ماتت قبل أسبوع!

25/4/2015

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى