مقالات

سر الحقد .. الشيعي على الفلوجة

د. طه حامد الدليمي

للفلوجة ميزة خاصة في بركان الحقد الشيعي ضد السنة ومدنهم في العراق.

برز أخيراً من خلال تصريحات قادتهم، وهم يتلمظون شوقاً لدخولها، والوعيد بالويل والثبور لأهلها إن هم دخلوها. وكأن قوله تعالى نزل فيهم دون سواهم: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118)!

في مشهد عبر شاشة التلفاز تنبض عيونه بالحقد وتدور كأنها تريد أن تخرج من محاجرها، ويتقبض وجهه كأنه أفعى تكشر عن أنيابها وتفح في الفضاء سمومها، أعطى المجرم قيس الخزعلي شيعته في حفل كبير أسموه “مهرجان الانتصار”، وعداً بدخول الفلوجة كما دخلوا تكريت والقصاص من “المجرمين هناك الذين تجاوزوا كل حدود الإنسانية” – على حد وصفه – مضيفاً: “وسنصل إلى الفلوجة، سجلوها عليّ، وسنقتص لكل من قتل ظلماً”، متوعداً بالثأر من أهلها قائلاً: “وليقولوا ما يقولوا، وليتهموا كما يشاءون”! وقوبل كلامه هذا بالتصفيق من المحتفلين والتأييد والهتاف.

أما المجرم الدولي أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، فقد وصف مدينة الفلوجة برأس الافعى، متوعداً بقطعها قريباً.

لا شك أن عصافير الوطنية السنة أصيبوا بالصدمة لما سمعوا ورأوا!

هذا عدا الكم الهائل من الهتافات والأغاني الحماسية الشعبية التي تتقيأ حقداً وتتميز غيظاً من الأنبار والفلوجة، وتتوعد أهل السنة هناك بالثأر والفناء، وتصمهم بالكفر، وتصور المعركة على أنها معركة بين علي ومعاوية، أو يزيد والحسين. حتى إن الحكومة أطلقت رسمياً اسم (لبيك يا حسين) على المعركة التي يحاولون بها استرجاع الأنبار بعد أن فقدوها في مشهد مخز آخر يضاف إلى مشهد فقدان نينوى أو الموصل!

جذور الحقد

شيعة

عاش الشارع الشيعي عند بداية الاحتلال الأمريكي للعراق سنوات ملأى بالشعور بالخزي والانكسار، والشعور بالضآلة أمام السنة الذين خاضوا المعركة وحدهم، وسجلوا فيها أروع الانتصارات التي يتباهى بها سِفر التاريخ! كان الشيعي يرى طائفته قد تواطأت جميعاً بدءاً من كبيرهم السيستاني إلى أصغر فرد فيهم على الترحيب بالغزاة والانبطاح لهم. ثم ينظر من طرف خفي إلى السنة فيراهم قد تمالأوا على مقاومة المحتل، وقد اشتعلت مدنهم ناراً تلتهم جنوده. كانت (الفلوجة) هي البيرق الأعلى من بين البيارق التي مثلت المقاومة العراقية في المستطيل السني من (جرف الصخر) و(جبلة) و(اللطيفية) جنوباً إلى تلعفر والحويجة وكركوك شمالاً.

الفلوجة إذن أشد المدن نخساً وإيلاماً للذاكرة الشيعية بأنهم أذلاء أخساء خونة.

وكما يتمنى الناقص الحقير غياب وجه الكامل الكريم من أمام ناظريه، والجبان المهزوم زوال البطل المنتصر من مجال عينيه، والرذيل الدنيء اختفاء الشريف العفيف من الوجود، لئلا يعيد مشهد هؤلاء إلى ذاكرة أولئك الشعور الممض بالنقص والحقارة، حتى قيل: “ودت الزانية لو زنت النساء كلهن”.. كما يتمنى أولئك ذلك يتمنى الشيعة زوال الفلوجة من فوق سطح الأرض؛ حتى لا يظل بيرقها يرفرف مذكراً إياهم بكل وصف دنيء نبت فيهم.

وكأن الشيعي برغبته الجارفة في إلحاق الهزيمة النكراء بالفلوجة يريد أن يثبت لنفسه بأنه لم يكن جباناً ولا ذليلاً يوم كان يضع رأسه بين طبييه ويدس أنفه بين رجليه تاركاً تلك المدينة تسطر الملاحم تلو الملاحم في صراعها مع الغزاة. ها هو اليوم يهزم أعظم مدينة سنية، ويكسر أعلى بيرق سني؛ فماذا يفعل أكثر من هذا ليتخلص من ذلك العبء النفسي الثقيل الذي ينوء به صدره على طول الخط، وينشحن به داخله على الدوام كلما تذكر الفلوجة أو رآها قائمة على أركانها؟ وماذا يصنع أكثر ليتخلص من عاره الذي يلتصق به منذ اثنتي عشرة سنة، في ذيل طويل ناقع في العار ممتد بالتوازي مع قرون من الملاحم العربية والإسلامية، يقف هو منها موقف الخائن الذليل في كل مرة بلا استثناء.

وفي موقف إبليس اللعين صاحب عقدة النقص تجاه الملئكة ثم تجاه آدم عليه السلام وسيلة إيضاح جيدة تبين كيف يحسد الناقصون الكاملين فيحقدون عليهم، ويسعون بكل سبيل للثأر منهم وإزاحتهم من مواقعهم التي يستحقونها.

هذا سر حقد الشيعي على الفلوجة، وهذا سر بغضه للسنة، وسعيه الحثيث للانتقام منهم وتهجيرهم وإخراجهم من ديارهم. حتى لا يظلوا على الدوام أمام عينيه يذكرونه بالمذلة والدخالة والعمالة. وهذا شأن كل ناقص لئيم تجاه من يحسن إليه.

إنها حلقة من حلقات سلسلة القصة الأزلية لورثة إبليس مع ورثة آدم في كل زمان ومكان.

9/7/2015

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى