مقالات

لقد ضاعت الهوية السنية فأين القضية ؟ نقاط مفصلية في موقفنا من ائتلاف القوى السنية العراقية (3)

د. طه حامد الدليمي

لا قضية بلا هوية..

ولا هوية بلا مضمون فكري تستند إليه وتتكون منه. وهنا ينتصب أمامنا معلمان بارزان في تكوين الهوية أولاً، وفي تفعيلها ثانياً.

  1. الهوية السنية هوية دينية ربانية قبل أن تكون هوية وطنية سياسية. فإذا كان الخطاب السياسي فارغاً من أساس التكوين – وهو المضمون الرباني – كان فارغاً بحق، ولم يعد منتجاً على الصعيد السياسي.
  2. في حال وجود صراع هويات من أي نوع أو درحة: فكري أو سياسي أو دموي، يصبح ذكر النظير النوعي المقابل للهوية الذاتية ضرورة لكي تعطي هذه الهوية مفعولها، وتنتزع الحقوق على أساسها. إن أصل منشأ (الهوية) هو وجود نظير منافس بهوية أو اسم مقابل يميزه. وهذا يعني أن الهوية النظيرة لها ملحظان: فهي علة منشئة، وهي حاجة مميِّـزة. لا بد إذن من ذكر العدو بهويته النظيرة المميزة له، ويصرح بأن الشيعة هم خصومنا، وهم أعداؤنا، وهم آكلو حقوقنا وظالمونا، بلا مواربة. وإلا أفلت الجاني من العقاب؛ لأنه أمسى بلا علامة تميزه ولا اسم يحدده، وضاعت حقوق السنة.

 

لا هوية للسنة ولا تجريم للشيعة

عند قراءة البيان الختامي لـ(مؤتمر ائتلاف القوى السنية العراقية)، تجد ما يلي:

  1. تفريغ الهوية السنية من محتواها الرباني إلى محتوى وطني علماني، وتحويلها من هوية دينية ربانية، يمكن أن تبنى عليها الهوية السياسية فتكون هذه الهوية ذات معنى ومضمون وأساس تبنى عليه، إلى هوية سياسية بحت لا معنى لها ولا مضمون ولا أساس.
  2. لا ذكر في فقرات البيان الختامي للشيعة قط. فضلاً عن تحميلهم مسؤولية الجريمة المنظمة ضد السنة. بل برأ الأمين العام للائتلاف وضاح صديد الشيعة من هذه المسؤولية في حديث له عبر مكالمة هاتفية مع صحيفة “القدس العربي” نشرت في عددها الصادر يوم 13/7/2015)([1]) إذ قالت الصحيفة: وشدد الصديد على “أن الائتلاف ليس لديه مشكلة مع طوائف العراق، ويطمح للعمل مع الجميع، ولكن مشكلته مع النهج الايراني الاستعماري الذي استخدم أبشع الاساليب من حرق، وقتل، وتهجير وأنواع اخرى من التنكيل بأبناء المكون السني في العراق”. والمشكلة – فوق ذلك – ليست مع إيران، إنما (مع النهج الإيراني)! ولو دلنا الصديد على عنوان (النهج) لهان الخطب، ولكن أين سنجد (ملعون الوالدين) هذا لنقتص منه ونحن لا نعرف له مكاناً؟!

إنما حمّل البيان مسؤولية الجريمة على عاتق المليشيات، ولم يصفها بما يحدد هويتها الحقيقية. فزوّر هوية الصراع، وهي دينية طائفية بامتياز وحوله إلى جريمة عادية، (يشترك العراقيون جميعاً في التعاون على معاقبة فاعلها، وتنتهي المشكلة). إن هذا تزوير للحقيقة وتفريط بدماء أهل السنة من ناحية، ومن ناحية هروب من ذكر العدو باسمه الحقيقي وهو (الشيعة) والشيعة لا غير؛ وذلك خوفاً من تداعيات مواجهته، وتناغماً مع رأي الخارج؛ خوفاً من أن يؤدي الذكر الصريح للهوية السنية الحقيقية بشطريها: الديني والسياسي، والهوية الشيعية للمجرم، إلى امتناع الخارج عن تقديم الدعم للداخل.

لقد حدد البيان خطراً واحداً مبهماً أسماه (خطر المد الصفوي الإيراني). ولم يسمه عدواً، ولم يصل إلى مستوى تجريم إيران وتسميتها عدواً! وهذا مناقض لما ورد في القرآن الكريم من تحديد الأعداء بأسمائهم من لدن إبليس حتى المشركين واليهود والنصارى. وإن وضع الضوابط اللازمة للتعامل معهم. فتحديد العدو باسمه لازم لكي نحذره، والضوابط مطلوبة كآلية لدرء خطره. ودون ذلك نمسي عرضة لاختراقه وسيطرته لأن حصوننا باتت مهددة من داخلها.

تأمل هذه الفقرة الضعيفة المخجلة، التي لا ترتقي إلى إصبع قدم المأساة السنية، فضلاً عن أن تطال ذؤابتها، وتتجاوز الأرض إلى عنان السماء تنديداً بما يجري من ظلم للسنة: “المحافظة على مناطق العرب السنة من خطر المد الصفوي الإيراني، والتنسيق مع الدول العربية كافة لبلورة مشروع موحد ضد المشروع الصفوي الإيراني”!

وفات المؤتمرين أن هذا الخطاب الباهت الضعيف المرتعش، فقد صلاحيته وبريقه لاجتذاب السنة العرب في الداخل العراقي. لقد صار السنة يشعرون بالقرف منه وممن يرفعه، وبات معظمهم يدركون أنه موجه لاستدرار عطف الخارج العربي والأجنبي أكثر من علاج جرح الداخل السني. فهو خطاب طارد لا جاذب لهم. أضف إلى أن الخطاب الضعيف ينم عن قائل ضعيف، والضعيف طارد – أيضاً – لا جاذب.

إن غياب الاسم السني العربي عن خطاب المؤتمر، وعدم تحديد الجاني بالاسم الذي يشخصه، والنوح باللائمة على جهة هلامية لا يمكن تحديدها على الواقع “خطر المد الصفوي الإيراني”.. إعدام للهوية السنية وتضييع للقضية السنية، وتفريط بحقوق السنة.

ليس هذا فحسب، وإنما هو إعطاء صك البراءة للشيعة من الجريمة الكبرى التي يشتركون في تنفيذها جميعاً: كل حسب دوره المناسب له، على امتداد المناطق السنية. فإن أي شيعي – عند الحاجة – يمكنه أن يقول: أنا لست صفوياً تابعاً لإيران؛ فدعني وشأني. وهو – أيضاً – ترسيخ لأسطورة (الشيعة العرب) الكاذبة.

 

متى سينضم ( الإخوة الشيعة العرب ) للائتلاف السني ؟

إضافة إلى ما سبق فإن هذا معناه ترك الباب مفتوحاً لانضمام أمثال هؤلاء (الشيعة): أفراداً وجماعات للانضمام إلى (الائتلاف السني). الذين يتظاهرون بعدائهم لإيران بدءاً من محمد الصرخي إلى جواد الخالصي إلى عدي الزيدي وأمثالهم ممن خدعوا جبلاً كثيراً من السنة في العراق وخارجه، وأولهم هيئة علماء المسلمين والإخوان وحزب البعث وبقية الوطنيين. وهنا تصبح الهيئة أكثر منطقية وانسجاماً في عنوانها مع هذه المفارقة إذ اختارت لها اسماً فضفاضاً (المسلمين) بدل (السنة)، الذي جعله المؤتلفون – ومعظمهم سلفيون – عنواناً لهم.

إن ما أقوله ليس استنتاجاً من النص بتحميله ما لا يحتمل، إنما هذا ما صرح به أيضاً الأمين العام لصحيفة “القدس العربي” فقال: إن “البراءة من المشروع الإيراني هي أبرز شروطهم لقبول أي شخصية أو جهة راغبة في الانضمام إليهم”. وأيد إياد العطية في اتصال هاتفي مع الصحيفة شرط البراءة من المشروع الايراني لقبول أي منتم جديد إلى ائتلاف القوى السنية. وإياد العطية من الشخصيات السلفية، وأظنه من (أنصار السنة) المشاركين في الائتلاف.

إن هذا كله يصب في اتجاه تفريغ الهوية (السنية) التي وسم الائتلاف عنوانه بها من محتواها الرباني، وقصرها على المحتوى السياسي؛ فهي هوية وطنية خارجة عن إطار الدين الذي ينبغي على كل مسلم – فضلاً عن سلفي – أن يكون هو القيد الذي يحكم كل المعاني والمبادئ والسياسات التي يقررها. وإذا علمنا أن معظم المؤتلفين سلفيو الاتجاه فلنا أن نسأل: ما الذي جاءوا به من جديد خارج نطاق الفكر البعثي الذي يستند إلى العروبة في البناء على الوطنية الشيعية الموهومة، ثم الفكر الإخواني الذي يستند إلى وثن المصلحة المنفلتة عن قيد (الشرعية) في تأسيس البناء المنخور من أسه؟

ولي أن أسأل هؤلاء الإخوة السلفية: هل الدعاء الذي ختموا به البيان دعاء ربوبية أم دعاء ألوهية؟

ويا أيها الإخوة! لقد ضاعت الهوية؛ فاين القضية؟

 

7/8/2015

______________________________________________________________________________________

[1]– يمكن الوصول الى المنشور على الرابط التالي:

الاعلان عن ائتلاف لقوى سنية عراقية يشترط على أعضائه البراءة من المشروع الايراني

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى