نعم أستطيع أن أفرح
د. طه حامد الدليمي
معايدتي..
لكل ( سُنِّـــيٍّ ) يحمل همَّ قضيته ويتبنـى مشروعها الرباني: رجلاً كان أم امرأة؛ هذا هو الذي يليق بالعيد ويليق العيد به، وهذا هو الذي يستحق المعايدة. ومن كان كذلك فهو في عيد دائم: أيامه مديدة وفصوله سعيدة. فعيده مبارك وتقبل الله منا ومنه صالح الأعمال.
وبعد.. فبرغم كل شيء أقول: نعم أستطيع أن أفرح؛ فكل شيء له زوايا متعددة للنظر. وطبقاً للنظر تكون نظرة المرء للأشياء وتفاعلاته الداخلية نحوها. مثلاً: أنا في غربة ما كنت أحسبها تطول عشر سنين يوم خرجت من بلدي في حزيران 2005، وخلفت ورائي النخلة وشجيرة الرمان في حديقة بيتنا، دون وداع.
ولي وطنٌ إذا رنَّقَ الشوقُ دونَهُ وتخنقُني عند الترائبِ عبرةٌ على أنني يومَ الرحيلِ تكشَّفتْ أيا ( أُمَّ عبد اللهِ ) عذراً فإنني وعندَ يسارِ البابِ خلّفتُ نخلةً وكانتْ ( سميراميسُ ) تحملُ دُميةً |
يحنُّ حنينَ ( الجذعِ ) قلبي ويزفرُ فأجهشُ لكنْ أستعينُ وأصبرُ عن العينِ سوءاتٌ وكفايَ تسترُ تركتُ سواري الدارِ تشكو وتجأرُ تقولُ : أرجعى ؟ أم فراقٌ ومَهجَرُ ؟ وفي الخدِّ دمعاتٌ .. ومثلُكِ يعذرُ |
لكنها طالت.. ومع ذلك يمكنني أن أنظر إلى غربتي لا عَبر الحنين والأنين، وجحود الناس، وضيق فرص العمل، ومعاملات الإقامة، وتجديد الوثائق، وصعوبة التنقل والسفر والتأشيرات، وأشياء كثيرة منغصة. إنما عبر حنو الأقدار وأجر الرحيم الغفار الذي كتبه الله تعالى للمهاجر في سبيله، بل للمتغرب قسراً عن أرضه وأهله وجيله.
روى مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة). لم أنتبه إلى ما في هذا الحديث من لفتة مفرحة حتى قال لي صديقي د. سلمان في يوم ما زلت أذكره 13/12/2006، وقد جمعتنا الأقدار بعد طول فراق ولكن في بلد غريب: التغرب حد من الحدود يغفر به الذنب؛ فكيف إذا كان المرء قد تغرب لا لكونه زنى أو اقترف ذنباً، وإنما في سبيل دينه!
لقد تغربت قسراً لا سنة وإنما سنين نافت على العشر، وأحتسبها في سبيل الله، وقد حصل فيها من الخير ما لا يعلمه إلا الله، ووجدنا فيها مصداق قوله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) (النساء:100). وللآية تتمة واعدة مبشرة جميلة: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)!
هذا مثال واحد، يمكن أن تقاس عليه أمثلة لا تحصى في حياة المهاجر أو المتغرب.
والآن.. أليس من حقي أن أقول:
“نعم.. أستطيع أن أفرح”؟
تحياتي.. وعيدكم مبارك.
أول أيام عيد الأضحى 1436
24 أيلول 2015