مقالات

معادلة توحيد القوى من دروس العمل القيادي

د. طه حامد الدليمي 

لا شك أنك تعرف معادلة آينشتاين في العلاقة بين الطاقة والكتلة: (ط = ك × س2). هذا ما قلته قبل خمسة أشهر لرجل أتعبني!

كان يتباحث معي في شأن الإنقاذ والخلاص السني ويطرح أفكاراً تقليدية تقوم على ضرورة البدء بجمع القوى السنية، ويدعوني لحضور مؤتمر ينوي عقده بين هذه القوى. وأردفت قائلاً وبيدي ورقة رسمت عليها ثلاث دوائر بينها أسهم تمثل (معادلة توحيد القوى المتكافئة): هل تعلم أن هذه المعادلة أكبر وأهم من معادلة آينشتاين؟! وهي نتاج سنين من التفكير والتجارب والنظر في الواقع! لكنكم لَلأسف لا تأبهون لما يعرض عليكم من كنوز لا تقدر بثمن؛ لأنها تأتيكم من داخلكم لا من خارجكم، ومن طه لا من آينشتاين!

نحن أمة تعاني من هزيمة نفسية تجعلها لا تثق بما لديها من عناصر القوة وأسباب الخلاص والنهوض. تمارس عملية إسقاط على كل شيء يصدر من داخلها، وتنظر بعين الإعجاب إلى كل شيء يأتيها من خارجها.

 

مراحل مشروع الإنقاذ

حين ينفرط عقد الدولة وتتحول قواها إلى مجاميع متفرقة متعددة، تكون خطة الإنقاذ الحقيقي الحضاري ذات مراحل ثلاث، تقوم على عاتق إحدى هذه القوى؛ إذ ليس من إمكان في البدء لجمع أكثر من قوة جمعاً حقيقياً يمكن الاعتماد عليه:

 

  1. مرحلة التحصين

أي تحصين الصف من داخله. وهي أول خطوة باتجاه توحيد القوى المتكافئة، ودفعها لمواجهة عدوها أولاً، والتمسك بحقوقها ثانياً. وهي المرحلة التي يتم فيها نشر الفكرة، وترسيخ الهوية، وتأهيل القادة. وهي مرحلة بناء (النواة الصلبة).

  1. مرحلة التكوين

وهي المرحلة التي ينتقل المشروع فيها من (الفكرة) إلى (العمل الاجتماعي) الذي يلتحم به الجمهور بالقيادة من خلال التفاعل الإيجابي مع حاجاته وهمومه وقضاياه. وهي مرحلة بناء (البؤرة الجاذبة). وفيها يكون السعي إلى تحقيق شيئين:

أ. القاعدة القائدة

ب. الحاضنة الجماهيرية الساندة

وهي المرحلة التي يكتمل فيها بناء (الجسم المدني)، الذي منه – لا من سواه ولا قبله – ينبثق الجناحان: السياسي والعسكري. وتكون تلك القوة هي القوة الأكبر في الميدان، المؤهلة لجمع وضم بقية القوى.

 

  1. مرحلة التمكين

وهي المرحلة التي يتم الانتقال فيها من (العمل الاجتماعي) إلى (العمل السياسي) المحمي بالقوة. أي مرحلة انبثاق الجناحين: السياسي والعسكري من الجسم المدني. وهذا هو الذي يؤهل القوة الجامعة عملياً لقيادة بقية القوى باتجاه الهدف. وهي مرحلة بناء (الكتلة الغالبة).

 

معادلة توحيد القوى

المتبادر إلى ذهن معظم الناس أن العمل لتحقيق الهدف يبدأ من وحدة القوى العاملة على الساحة. وهو ليس أكثر من تصور ذهني سطحي جميل. أما على صعيد الواقع فإن هذا التصور خطأ ستراتيجي خطير يجعل من يؤمن به يراوح في مكانه، وتكون نهايته الإحباط فاليأس فالقعود.

“القوى المتكافئة مثصارعة”..

قانون من قوانين الاجتماع تدل عليه كل التجارب التاريخية والراهنة؛ فما اجتمعت القوى المتقاربة في حجمها إلا بقوة جامعة من خارجها. فإن ما بين القوى المتكافئة من أسباب الخلاف والاختلاف ما يكفي لمنع التوحد والائتلاف. وهذه القوة الجامعة ينبغي أن تكون من الفاعلية والتأثير بحيث تتمكن من ضم شتات تلك القوى تحت جناحها: رغبة ورهبة.

إذن.. العمل على توحيد القوى المتكافئة دون وجود تلك القوة الجامعة سعي وراء هدف مستحيل التحقق. والهدف المستحيل ليس بهدف.

بهذا يتبين أن..

“توحيد القوى نتيجة وليست مقدمة”.

فما العمل؟ أو ما الحل؟

الحل يكمن في أن تنمو إحدى القوى ذاتياً حتى تتحول إلى ما نسميه (الكتلة الغالبة). وذلك وفق الخطوات التالية التي تمثلها المراحل الثلاثة للمشروع المذكورة آنفاً:

أ. النواة الصُّلْبة : المتمثلة في مرحلة (التحصين)، والقائمة على: شيئين: إبراز الهوية، وإعداد القادة.

ب. البؤرة الجاذبة : المتمثلة في مرحلة (التكوين)، والقائمة على العمل المجتمعي. وصولاً إلى شيئين: تكوين القاعدة القائدة.. والحاضنة الجماهيرية الساندة.

جـ. الكتلة الغالبة : وفيها يبرز (التيار المدني) على الساحة بجناحه السياسي المحمي بجناحه العسكري. لقيادة القوى نحو أهدافهم.

معادلة توحيد القوى إذن تسير وفق المعادلة التالية:

النواة الصلبة  البؤرة الجاذبة   الكتلة الغالبة

 

النمو الذاتي الداخلي لا الاصطناع الخارجي

ينبغي أن تنمو القوة الجامعة نمواً ذاتياً طبيعياً، بحيث تنطلق – بعد التوكل على الله – من نفسها، لا من الاعتماد أساساً على جهة من خارجها؛ لأن الاعتماد في أساس القوة على الخارج يجعل القوة الجامعة تابعة لتلك الجهة، منفذة لرؤيتها وإيحاءاتها وأوامرها ومشروعها. فتكون (عميلة) لها، حسب المصطلح السياسي الحديث؛ عن وعي وقصد مسبق، أو عن غير وعي، فالنتيجة واحدة.

لا بأس بالتعاطي مع القوى الخارجية واستثمار العلاقة معها للبناء والتكوين الداخلي، والنمو الطبيعي حسب المكنة الذاتية، لا النمو السريع القائم أساساً على دعم القوى الخارجية. والحذر الحذر من (المال السياسي) فإنه الخطر عينه!

 

الخميس

3/9/2015

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى