اقتحام البرلمان العراقي من وراءه .. وما وراءه ؟
د. طه حامد الدليمي
بينما القلوب معلقة بما يجري في حلب من إبادة على يد الطيران الروسي والحكومي، والأرواح تطوف حول المحاصَرين في الفلوجة، تتابعت الأخبار قبل قليل عن اقتحام مجاميع كبيرة من أتباع مقتدى الصدر مبنى مجلس النواب العراقي في (المنطقة الخضراء) وهي تهتف “شلع قلع كلهم حرامية”! يفتشون عن النواب لا يجدون سوى واحد لا أدري إلى أين استقر مصيره بعد أن تناوله البعض بالأيدي والأرجل. بقية النواب كانوا قد استقلوا الزوارق وأُفلتوا عبر نهر دجلة من الجهة الخلفية لبناية المجلس!
تم الاقتحام بسهولة.. يظهر على الشاشة جنود يتبادلون القبل والعناق مع المقتحمين. الحكومة تعلن حالة الطوارئ. الأمريكان يغلقون أبواب سفارتهم وانتشار عسكري مكثف في محيطها، وكذلك فعل المسؤولون عن حماية مقرات الأمم المتحدة.
ماذا فعل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي كان في زيارة للعراق يوم أمس إذن؟ وماذا يعني التأييد المتزامن من قبل الرئيس الأمريكي المتشيع باراك حسين أوباما للتيار الصدري؟
ضحكت وأنا أنظر إلى الشاشة وقلت: “الآن حقق الشيعة مطلبهم في (شلع وقلع) آخر صورة هزيلة للمشاركة السنية في البرلمان والحكومة”. وصلتني رسالة من أحد الخليجيين: “هل تتوقع أن اختيار التوقيت جاء متزامناً مع مجازر حلب لصرف الأنظار عنها”؟ كتبت على الفور: “كلا”، ثم محوتها؛ قلت في نفسي: ولم لا؟ إن الربح الزائد لا يتعارض مع أصل الربح.
من وراء ؟ وما وراء ؟
تفاصيل الحدث لا تهم بقدر الدلالة التي تعبر عنها تلك التفاصيل. أما استثماره وهو الأهم فليس وارداً في الحساب بعد أن أصبح السنة خارج نطاق الجغرافيا، وهم يتهيأون اليوم للدخول إلى مجاهل التاريخ من بوابته الخلفية.
تفاصيل حركة الحدث ليست هي الأساس كي أجيب عن السؤال. إنما أعتمد على معرفة المسار العام للحدث برمته وأين هو متجه، المبنية على دراسة الشخصية الشيعية وعقيدتها وتاريخها وعلاقاتها وامتداداتها، بما في ذلك الامتداد الإيراني الفارسي. وباقي شخصيات الخلطة على ضعف أثرها.
نعم قد تكون هناك أقطاب للشيعة مختلفة أو متصارعة.. هذا شيء طبيعي لا بد أن يحدث كدوامات، ما دام التيار العام يأخذ مساره، داخل ضفتي النهر الذي تتحكم به المرجعية الدينية (ظاهرها ديني وباطنها سياسي). وإذن معرفة مسار التيار تجيب لنا عن كثير من الأسئلة الجوهرية.
مراسل (قناة الشرقية) نقل عن رئيس الوزراء أنه قال له: “أنا من فتحت بوابات البرلمان للمقتحمين”! في الوقت الذي ثار مقتدى على الحكومة، والحكومة يأتي رئيس الوزراء في رأس قائمة من يمثلها. فمن يثور على من؟ بعد ساعة نفى مكتب رئيس الوزراء ما صرح به المراسل.
سريعاً جاء المؤتمر الصحفي لمقتدى الصدر! وكان محوره يدور بوضوح حول نقطتين، مع إعلانه عن اعتكافه في بيته لمدة شهرين:
1. إلغاء المحاصصة العنصرية والطائفية من العملية السياسية.
2. المجيء ببرلمان وحكومة تكنوقراط.
إلغاء المحاصصة العنصرية يعني محاولة إلغاء الوجود الكردي، وإلغاء المحاصصة الطائفية تعني محاولة إلغاء الوجود السني. نعم قد لا يتحقق الهدف كلياً هذه المرة، لكن المسيرة في طريقها إليه ما لم يطرأ على المعادلة شيء أكبر من المسار يغيره أو يحرفه ولو مؤقتاً.. أمريكا مثلاً، وإن كان هذا احتمالاً ضعيفاً، لكنه يبقى وارداً.
هذا – في رأيي – المقصود من كل ما يجري، بعد أن جرى استحمار الجماهير الشيعية التي ظلت قرابة عام تتظاهر في ساحة (التحرير)، ولكل دوره في إطار قاعدة (تعدد الأدوار ووحدة الهدف).
السنة الطيبون حد السذاجة
صدر الدستور في بداية 2006 بموافقة الشيعة والأكراد، ومعارضة جمهور السنة. المشكلة أن السنة – مدفوعين بفكر وطني متهرئ – عارضوا أفضل ما في الدستور، وهو:
1. تشريع الفدرالية.
2. المحاصصة الطائفية.
وهاتان النقطتان في صالح أي مكون ضعيف أمام قوي يشعر ذلك الضعيف – ولو وهمياً – أنه يريد أن يستحوذ على كل شيء. لا يحتاج الشعور الكردي بالضعف إلى تفسير. أما الشيعة فكتبوا الدستور وصوتوا له بأثر نفسجمعي رجعي؛ فإنهم مازالوا تحت تأثير الخوف من الحكومة السابقة. وأما السنة فعارضوا الدستور بشعور نفسجمعي رجعي أيضاً لكن بالقوة الوهمية لا بالضعف، وهو شعور لا يقل أثره عن أثر المخدر الذي يفصل متناوله كلياً عن الواقع، سيما وأن المقاومة التي هي سنية بحتة كانت سيدة الميدان.
أما الفدرالية فقد تمكنت حماقة الوطنية السنية من تبخيرها من أيديهم. فما بقي في يدهم اليوم سوى قطرة المحاصصة الطائفية، وها هي في طريقها إلى التبخر. وقد بدأ ذلك منذ هروب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي نهاية 2011 ، ثم تبعه أقوى وزير سني (أقوى نسبياً لا مطلقاً) وهو د. رافع العيساوي نهاية 2012، واعتقال أقوى نائب برلماني وهو د. أحمد العلواني نهاية 2013.
لن يجد الأغبياء في نهاية المطاف سوى دس أيديهم في أفواههم، أو في أي فتحة أَخرى مناسبة، إن أرادوا أن تنجو أصابعهم من أسنانهم.
ولا محيص لهم عن أحد السبيلين.
30/4/2016