مقالات

المغيرة بن سعيد أم عبد الله بن سبأ ؟

د. طه حامد الدليمي

بينتُ في مقالات سابقة أن الفرس هم من صنع اليهودية، وأشرت إلى صناعتهم النصرانية. أما الإسلام فقد حاولوا معه لكنهم فشلوا في تصنيعه، فعملوا على تصنيع شيء من خارجه أسموه التشيع فشلوا في إدخاله فيه. وذكرت أن من مكر الفرس أنهم موهوا صناعتهم وراء اليهود ولم يظهروا بفعلهم إلى العلن. واعتمدوا في ذلك على عنصر (الدعاية) وأساسها: “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”. ومن هذا الباب أشاعوا أن اليهود هم من صنع التشيع وألقوا بالحبل على رقبة عبد الله بن سبأ.

سأقارن بين شخصية واحدة من الفرس ودورها في صناعة التشيع وبين عبد الله بن سبأ الذي اتهم بأنه جَد الشيعة وأنه هو الذي أسس التشيع، بمعنى أن اليهود وراء التأسيس، حتى نسي دور الفرس في كل ذلك، مع أنهم المؤسس والباني والمقاول والمهندس والمستثمر. وما اليهود إلا (طواسة) بأجرة. وابن سبأ ما هو إلا أظفر في إصبع من مئات الأصابع في أيدي الأخطبوط الفارسي!

قبل المقارنة ضعوا في بالكم الحقائق الثلاث التالية:

  1. إن مصادر التأسيس الأربعة كلها فارسية التأليف. وليس فيها مصدر يهود واحد.
  2. رجال التأسيس كذلك فرس، سواء منهم الذين تركوا مؤلفات أم كانوا مجرد دعاة.
  3. عدا أفواجاً من السياسيين والعسكريين وأبناء الأكاسرة والملوك وذوي المناصب العالية الذين كانوا في دولة فارس البائدة، وسلالات الوزراء في العصر العباسي، والمجامع العلمية (إخوان الصفا مثلاً) ودعك من الأدباء والشعراء والقصاصين وأصناف يصعب حصرها كعناوين وأشخاص!

 

بين ابن سبأ وابن سعيد

لندع ذلك كله. ولنأخذ رجلاً واحداً فقط من الفرس هو المغيرة بن سعيد البجلي، ونقارن بينه وبين ابن سبأ، لنرى ما الذي زاد به الثاني عن الأول بحيث استحق هذا الاهتمام الذي بذ به الجميع؟ وما الذي نقص به عنه الأول ليخمل ذكره إلى هذه الدرجة!

1. المغيرة بن سعيد البجلي أو الكوفي

ظهر من بين الفرس – الذين أسكنهم سعد بن أبي وقاص في الكوفة وعرفوا بـ(حمراء الكوفة) – رجل اسمه المغيرة بن سعيد الكوفي. فعاث يميناً وعاث شمالاً ينشر أباطيله. ومن تلك الأباطيل:

1. الأوصياء (أي الأئمة) كالأنبياء؛ فما يجري على الأنبياء يجري على الأوصياء.

2. كان ساحراً وكذاباً.

3. يقول بالرجعة.

4. وأن علياً يحيي الموتى.

5. وكان يدعي حب علي ويغلو فيه. قال له الشعبي: ما فعل حب علي؟ قال: في العظم واللحم والعصب والعروق. فقال له: اجمعه فَبُلْ عليه”.

6. وقال الأعمش: “أول من سمعت يسب أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما المغيرة بن سعيد”. وأنه لعنه الله كان يلعنهما[1].

7. وكان يفضل علياً على الأنبياء[2].

8. وقد ادعى النبوة.

9. وادعى علم الغيب.

10. وشبه الله سبحانه بخلقه، وأنه على صورة رجل على رأسه تاج. وأن له أعضاء على عدد حروف الهجاء. وشبّه تلك الأعضاء بحروف الهجاء فقال: إن “الألف” منها مثال قدميه، و”العين” على صورة عينه، وأقذع في ذلك حتى قال: و”الهاء” على شبه الفرج!

وأفاض ابن حجر العسقلاني الحديث عنه في (لسان الميزان). ومما قاله فيه: “المغيرة بن سعيد البجلي أبو عبد الله الكوفي الرافضي الكذاب. وذكر من تحذير العلماء منه، وطعنهم فيه لكذبه وغلوه، وأنه كان كذاباً ساحراً مموهاً مشعبذاً حتى أجابه خلق. وأنه قتل على إدعاء النبوة. ومن أقواله الباطلة: إن الله يأمر بالعدل: علي. والإحسان: فاطمة. وإيتاء ذي القربى: الحسن والحسين. وينهى عن الفحشاء والمنكر قال: فلان أفحش الناس. والمنكر فلان. أي (الصديق والفاروق رضي الله عنهما). وكان يدعي أن علياً يحيى الموتى. ويقسم على أن لو شاء أحيى عاداً وثمود. ويكذب على رجال أهل بيت علي، ويدعي أنه أتى بعض أهل البيت فسقاه شربة من ماء فما بقي شيء إلا وقد علمه.فليراجع هناك”. وهذه نتفة مما قال فليراجع في موضعه لمن شاء.[3].

قتله لعنه الله خالد بن عبد الله القسري مع أصحابه في حدود العشرين ومائة.

2. عبد الله بن سبأ

ذكر عن ابن سبأ أمران:

الأول: أنه أثار الأمة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان. وهذا ليس له تعلق مباشر بتأسيس التشيع.

الثاني: دوره في تأسيس التشيع. فلنأت على حقيقة هذا الدور مقارنة بالمغيرة بن سعيد. سنجد أن المغيرة فاق ابن سبأ في ذلك. أو – على الأقل – لم ينقص عنه! وإليك البيان:

ذكر ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) من عقائد ابن سبأ ما يلي: زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي. يكذب على الله وعلى رسوله. وكان يقع في أبي بكر وعمر. وكان يفضل علي عليهما. وله أتباع يقال لهم السبئية يعتقدون إلهية علي بن أبي طالب وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته. وقال الذهبي: “عبد الله بن سبا من غلاة الزنادقة ضال مضل أحسب أن عليا حرقه بالنار”. وفي موضع آخر قال: “نفاه علي بعدما هم به”.

وهذه العقائد كلها قالها المغيرة وزاد عليها.

وضعف ابن حجر ما جاء بشأنه من طريق سيف بن عمر التميمي في (تاريخ ابن عساكر) وقال: “أخرج من طريق سيف بن عمر التميمي في الفتوح له قصة طويلة لا يصح إسنادها”([4]).

قارن ما تركه المغيرة بن سعيد الفارسي بما تركه عبد الله بن سبأ اليهودي، واسأل نفسك: لماذا أبرز ذكر اليهودي وأهمل ذكر الفارسي؟

هل ابن سبأ فارسي ؟

أورد محمد بن حبيب البغدادي (ت 245هـ) في (المُحَبَّر) ذكر “عبد الله بن سبأ صاحب السبئية” ضمن (أبناء الحبشيات)([5]). وإذا ذكر الأبناء في اليمن فهم أبناء الفرس، كما قال محمد بن حبيب: “والأبناء هم أبناء الفرس الذين فتحوا اليمن مع وهرز، وقتلوا الحبشة”[6]. وجاء تعريفهم في أكثر من مصدر بما حاصله: الأبناء: هم أبناء فارس الذين أرسلهم كسرى لنجدة سيف بن ذي يزن الحميري، وقد اختلفوا في سبب تسميتهم بالأبناء على أقوال أوجهها أن كسرى لما جهز الجيش المذكور، قال له المزاربة: أمده بمن في سجونك، فإن ضفروا فأبناؤك، وأن قتلوا فأعداؤك. فأمده بهم ووهبهم له[7]. وابن سبأ أمه حبشية لهذا قيل له: ابن السوداء.

وإذا صح هذا فإن أمر تأسيس التشيع محسوم لصالح الفرس. لكن هذا لا يعفينا من السؤال الذي يطرح نفسه في كل مرة: لماذا الإغضاء عن دور الفرس، وتعليق الأمر بسواهم لأدنى سبب؟ لماذا يخفى دور الفرس في المؤامرة، ويبرز دور غيرهم؟

بل لنا أن نسأل: هل ابن سبأ يهودي فعلاً؟ وإن كان سؤالي ليس نفياً وإنما تشكيكاً في أصل القول. إذ لم أجد دليلاً على يهوديته سوى أقوال تاريخية تلقى على عواهنها ليست أسانيدها صحيحة طبقاً لشروط الحديث، وإن كانت ترد ضمن روايات يؤخذ بعمومها لا بتفاصيلها طبقاً لشروط التاريخ. وليست هي فوق النقد والتشكيك عند التحقيق التفصيلي في المسائل الشائكة، ولا يمكن إثباتها لمن شكك فيها بحجة ترقى فوق الظن المتردد. ولا هي أقوى من قول ابن حبيب السابق في الإشارة إلى فارسية ابن سبأ.

3/5/2016

________________________________________________________________________________________

  1. – الفقرة (2-6): الضعفاء الكبير، 4/177-179، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي المكي (ت 322هـ)، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ – 1984م.
  2. – الكامل في ضعفاء الرجال، 8/72، أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت 365هـ)، الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1418ه – 1997م.
  3. – لسان الميزان، 6/75-78، أبو الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، دائرة المعرف النظامية – الهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1390هـ – 1971م.
  4. – لسان الميزان، 3/289، ابن حجر العسقلاني. مصدر سابق.
  5. – المحبر، ص306، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي، تحقيق إيلزة ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
  6. – المصدر السابق، ص266.
  7. – مجلة دراسات تاريخية، جامعة دمشق، عبد المحسن المدعج، 1990م. انظر موقع صيد الفوائد:http://www.saaid.net/bahoth/43.htm
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى