مقالات

آية غيرت مسار حياة لص .. كيف ؟!

د. طه حامد الدليمي

يروى في كتب (الرقائق) أن الفضيل بن عياض كان شاطراً يقطع الطريق بين أبِيوَرْد وسَرَخْس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً للقرآن يتلو من سورة (الحديد) قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16). فلما سمعها قال: بلى يا رب، قد آن. فرجع، فآواه الليل إلى خَرِبة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. قال ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع. اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مُجاورة البيت الحرام([1]).

آية غيرت مسار حياة لص!

فكيف يمكن تغيير مسار حياتنا من خلال آيات القرآن الكريم؟

 

ثلاث خطوات فقط

ثمت خطوات متسلسلة في مدارج الوصول إلى الشعور والتأثر بتلاوة القرآن الكريم. وعلى قدر توفر هذه القوى في القلب يكون تحصيل الشعور كماً ونوعاً. وهي:

1. توجه الإرادة إلى الخشوع والانتفاع.

2. ثم تخلية القلب والسعي في علاجه.

3. ثم توفير بيئة الإيمان لزرع القرآن.

أخيراً يأتي دور التدبر والقراءة المتأنية.

وذلك من معنى قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق:37): فالقلب قلبان: قلب جاهز، وقلب يتجهز: بالإنصات وتفريغ القابل من الشاغل.

1. إرادة الانتفاع

يقول تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:86). لكنه مع هذا الحكم، الذي يبدو في ظاهره تيئيساً من هداية أمثال هؤلاء، يستثني سبحانه فيقول: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:89). فمهما بلغ الإنسان من تردٍّ في مهاوي الظلم، يمكنه الخلاص بالإقلاع عنه والتوبة منه متى ما أراد ذلك. ودون الإرادة لا يكون شيء. ولكن الإرادة بداية، تحتاج إلى خطوات تكملها. وهي:

 

2. تخلية القلْب من القَـبْل

دون التخلية لا تكون التحلية. ولم أجد كقوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2) مرشداً لكيفية القراءة النافعة! فالقرآن بذاته هدى، ولكن لصنف خاص من القراء فقط، أولئك هم (المتقون). وهم الذين يقرأون القرآن بنية الانتفاع. وبقلب قابل للانصياع، وهو الخالي مما يفسد أثر التلاوة في محلها القابل لها. فالتقوى لا تكون قبل أن يفرغ العبد قلبَه مما قبلَه. وهو سوابق الأمراض: شكاً وشبهة، وهوى وشهوة؛ فالعطر لا يزيد الجسم المحمل بالدرن إلا عفونة. وكما قال اللطيف الخبير: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) (فصلت:44).

 

3. توفير بيئة الإيمان لزرع القرآن ( تعلمنا الإيمان قبل القرآن )

فإذا أخليت قلبك من دغل الشبهات ودغش الشهوات، فقد هيأت البيئة الحاضنة للقرآن، ألا وهي الإيمان. فالقرآن نزل للفهم والتأثر والعمل. وما لم تقرأه بهذه النية، وتدعمه بتلك الإرادة لن تنتفع كثيراً به. وقد علم الصحابة هذه التِّقنية العظيمة الباهرة فعملوا بها وعلموها للأجيال اللاحقة. يقول سيدنا عبد الله بن عمر : (تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً، وأنتم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان). وعنه أيضاً: (لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد فيتعلمَ حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآنَ. ثم لقد رأيتُ اليوم رجالاً يؤتي أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثره نثر الدقل)([2]).

أما ما نراه في المساجد ومعاهد العلم الشرعي وجامعاته من الدأب على حفظ رسوم الكتاب وحشو رؤوس الطلاب بالنصوص دون تغذية قلوبهم بالفصوص هو أحد أسباب الضعف في أوساط المتدينين قبل غيرهم. وبروز ظاهرة الشيوخ الذين يغلب عليهم القول دون الفعل، حتى قال أحد الشيوخ الربانيين: إن فقهاء الشريعة أحق الناس بقوله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف:2)! والتعميم ليس لنا بخُلُق.

إذا فعلت ذلك فأنا ضامن لك أن القرآن الكريم سيغير مسار حياتك بإذن الله تعالى. و….. إلى الأبد.

17/5/2016

________________________________________________________________________________________

  1. – سير أعلام النبلاء (8/423)، للذهبي.
  2. – أخرجه الحاكم والبيهقي بسند صحيح.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى