مقالات

السَّيدز السني

د. طه حامد الدليمي

(Sunny Acquired Immune Deficiency Syndrome )

معظم الأمة سنة عقيدة أو انتماءً، شيعة ثقافة وولاء.

تأمل كيف يحرص الجمهور الأعظم على استمالة الشيعة.. أعداء الأمة لاعني الصحابة المزورين المبدلين.. بأساليب ضعيفة بائسة، مخالفة للدين ولما أجمع عليه أئمة المذاهب الأربعة. ولا ينتبهون إلى ما يحدثون بذلك من شرخ وتدمير في المناعة الذاتية داخل الجسد السني، بما يشبه أن نسميه (السيدز) أو (متلازمة نقص المناعة الفكرية السنية المكتسب Sunny Acquired Immune Deficiency Syndrome) تشبيهاً له بـ(الأيدز) وهو (متلازمة نقص المناعة المكتسب Acquired Immune Deficiency Syndrome) سوى أن هذا يصيب الجسم وهذا يصيب الفهم.

إليكم بعض الأمثلة.

توثيق الصحابة عن طريق المتأخرين أهل البيت

“ولدني أبو بكر مرتين”!

“لولا علي لهلك عمر”.

انظر – مثلاً – كيف يتبعون أسلوب توثيق الصحابة عن طريق المتأخرين من رجال أهل البيت العلوي. والعكس هو الصحيح. إن التابعي فمن دونه هو في حاجة إلى توثيق الصحابي، وليس الصحابي في حاجة إلى توثيق غيره.

إن هذا الأسلوب قد ينفع في الوسط الشيعي، بشروط معينة يجهلونها أو لا يراعونها. لكن لنعلم أن هذا الأسلوب ينتقل تلقائياً إلى الوسط السني فتنعكس الأصول وتضعف الثقة بالنفس، والمناعة الذاتية تبعاً لذلك.

فتراهم يلهجون بكلمة منسوبة إلى جعفر الصادق لا أدري ما سندها وإن كانت صحيحة المتن: “ولدني أبو بكر الصدّيق مرتين”؛ فكأنهم يستجدون شهادة الصادق من أجل توثيق الصديق. على الأقل هذا هو الناتج الخفي في العقل الجمعي السني.

ويلصقون مقولة لا تصح لعمر أنه قال: “لولا علي لهلك عمر”. وهي لا تثبت سنداً[1]، ولا تصح متناً، والواقع التاريخي يكذبها. وتؤدي إلى النتيجة نفسها. والأصوب أن هذه الكلمة قالها عمر في حق أبي بكر. فقد روى ان عساكر بسنده عن أبي رجاء العطاردي قال: أتيت المدينة فإذا الناس مجتمعون وإذا في وسطهم رجل يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك (لولا أنت هلكنا). فقلت: من المقبل ومن المقبل؟ قال: ذاك عمر بن الخطاب يقبل رأس أبي بكر في قتال أهل الردة الذين منعوا الزكاة[2].

أهل البيت مفهوم اجتماعي لا ديني .. عكس الصحابة

وهذا أدخل علينا بدعتين خطيرتين، وإن كان مفعولهما قد لا يظهر على المدى القريب، لكنه مؤكد على المدى البعيد، ويسبب نقصاً في المناعة السنية تجاه الشيعة:

الأولى: قلب الأصول إلى ضدها؛ فالأصل في الإسلام هم الصحابة، وليس أهل البيت. فأهل البيت في العهد النبوي إن لم يكونوا صحابة فهم كفار، بينما الصحابة ليسوا في حاجة للعكس فهم مستقلون بذاتهم.

الثانية: استحداث مرجعية شرعية اسمها (أهل البيت). بينما هذا المصطلح إنما هو مفهوم اجتماعي لا مفهوم ديني على العكس من الصحابة. فأهل البيت هم أقارب النبي ، وهم كأي مجموعة اجتماعية يجمع بينها النسب لم يلزمنا الله تعالى باتباعهم دينياً بخصوصهم، وإن كنا ملزمين باحترامهم وحبهم بعمومهم، سوى أن لفقرائهم حقوقاً مالية تختلف بعض الشيء عن غيرهم، فقد حرموا الصدقة فعوضوا الخمس من الغنيمة. ولهم مزيد احترام لتعلقهم بالنبي . وهو احترام اعتباري لا يتعدى إلى اختصاصهم باتباع ديني. بينما مفهوم (الصحابة) مفهوم ديني يشكل للأمة جميعاً مرجعية دينية يكفر من خرج عنها، كما قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)، وهؤلاء هم الصحابة.

ومعلوم أن المهاجرين قبائل، وكذلك الأنصار، لكن لم يأت التنصيص على اتباعهم بالمفهوم القبلي إنما بمفهوم الصحبة؛ فقريش والأوس والخزرج لا نتبعهم لقريشيتهم أو أوسيتهم أو خزرجيتهم، وإنما لصحبتهم. وكذلك أهل البيت. وهؤلاء وأولئك ما لم يدخلوا في عنوان (الصحابة) فهم كفار. لهذا لم يأت نص في القرآن على اتباعهم بعناوينهم الاجتماعية. فأحدث الترضويون مفهوماً جديداً غريباً على الإسلام ألا وهو (اتباع أهل البيت)، وقرنوه بـ(اتباع الصحابة)، فصارون يرددون ويكثرون من قولهم: (اتباع الصحابة وأهل البيت)، حتى بات عامة الناس يتصورون أن الله أمرنا باتباع أهل البيت. وهو كما لو قيل (اتباع الصحابة وقريش) أو (اتباع الصحابة والأوس)… وأمثاله. نعم نحن نتبعهم، لكن تحت مفهوم وعنوان (الصحابة) لا غير.

7/9/2016

___________________________________________________________________________________________

  1. – رواها ابن عبد البر وفي سندها مؤمل بن إسماعيل مولى ضعيف. قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال غيره: كثير الخطأ له أوهام يطول عدها. يروي المناكير عن الثقات. وغير ذلك. انظر (تهذيب التهذيب:10/381) لابن حجر.
  2. – تاريخ دمشق، 43/502، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571هـ)، تحقيق عمرو بن غرامة العمروي،، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ – 1995م.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى