كونك ضد الشيعة لا يعني أنك مع السنة
د. طه حامد الدليمي
سيول من المقاطع الفيديوية، والكتابات، والصور والتعليقات تصلني يومياً عن طريق (الواتس) وبقية برامج التواصل، معظمها يدور حول أمرين: فضح الشيعة، ومآسي السنة. ولا شيء ثالثاً! لكن بين مكثر حد القرف، ومقل نوعاً، وبين هذا وذاك جِبِلٌّ كثير من الناس.
اضطررت أخيراً إلى حجب حسابات عديدة لأرتاح من هذه الحالة المقرفة، التي أعلم دون شك أنها لا تعبر عن أكثر من حالة هروب وعجز وقعود!
هؤلاء قوم يشعرون بالذنب تجاه تقصيرهم نحو مآسي السنة، ويريدون أن يعملوا، لكنهم أحد صنفين:
1. صنف – وهم الأغلبية – لا يريد أن يعمل فينصرف إلى أوهام يمليها عليه العقل الباطن، تبدو في ظاهرها عملاً مجدياً، بينما هي في حقيقتها لا شيء! فإنك لو بقيت عمرك كله تشتم الشيطان، ما لم يترافق ذلك مع عبادة الرحمن، لن يضره ذلك بل سينفعه، ويجعله يدلع لسانه إليك ضاحكاً عليك بملء فيه، قائلاً: “أنا صرعته”!
عن أبي تميمة الهجيمي عمن كان رديف النبي قال: كنت رديفه على حمار فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان. فقال لي النبي : (لا تقل تعس الشيطان؛ فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال: صرعته بقوتي. فإذا قلت: بسم الله تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب)([1]).
2. وصنف يريد أن يعمل لكنه لا يندل الطريق.
كنا فيما مضى نحاول تحريك الجمهور نحو مواجهة الشيعة وفضحهم وبالاسم الصريح، لكننا كنا نحاول عبثاً. وكنا نقول: سيأتي يوم ويتقيأونها؛ الأحداث ستلجئهم، ولكن بعد فوات أوان كثير مع دفع مستحقات التأخير. وها هم يقولونها، ولكن بصيغة هدم لجدار دون مشروع لبناء. وسيأتون للمشروع بإذن الله. الا أنهم كالعادة بعد فوات أوان كثير مع دفع مستحقات التأخير.
دعونا نقف قليلاً أمام هذه الظاهرة الخطيرة: ملايين كانت جامدة، ثم تحركت فإذا هي حركة في فراغ، وقفز عمودي جامد على مربع ثابت.
قانون الزوجية الكوني
بنى الله تعالى الكون على قانون (الزوجية): (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات:49).
من مظاهر هذا القانون زوجية قوتَي الهدم والبناء وارتباطهما ببعضهما ارتباطاً عضوياً تخادمياً، بحيث لا يصلح أحدهما دون ارتباطه بالآخر. يتجلى ذلك في كل شيء من حولك، وأوله بناء التوحيد وارتباطه شرطاً بهدم الشرك، ودليله شعار الإسلام أوله هدم: (لا إله) وآخره بناء (إلا الله)، قال سبحانه: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)، وفي (صحيح مسلم) عن طارق بن أشيم عَنْ النبي أنه قال: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ. وَحِسَابُهُ عَلَى الله ).
عند تنزيل هذا القانون الكوني والشرعي العام على واقعنا نكتشف الخدعة التي يقع فيها معظم الجمهور السني حين تجده ينفق سحابة جهده أو كله على ذم الشيعة والتحذير منهم، وتبادل الموضوعات واليوتيوبات الفاضحة لهم، ونشر جرائمهم وكشف مخططاتهم. ثم يكتفي بهذا، ويجلس على التل يتفرج والأحداث تأخذ بياخته شرقاً وغرباً. وكأنه لا يشعر بأن الجلوس على التل يعني أنه اختار مكان الصفر إلى الشمال.
هذا الهدم فأين البناء ؟
هذا الهدم أيها السني، فأين البناء الذي يتحرك به قانون الزوجية في معادلة مواجهة الشيعة؟ الهدم زوج خامل لن يتحرك تحركاً منتجاً ما لم يلتحم بزوجه الآخر. وكذلك البناء. مثله كمثل البويضة تبقى خاملة حتى يلتحم بها زوجها وتتكامل مادتها في زوجين من الشريط الوراثي. وإلا سيجرفها تيار الحركة ليلفظها رحم الحياة إلى العدم.
فما هو عامل البناء الذي يتكامل مع عامل الهدم في معادلة مواجهة الشيعة؟
إنه العمل للسنة طبقاً لمشروع سني: محدد الهوية، واضح الهدف، مرسوم الخطة. تنطلق منه برامج تنموية: فردية ومجتمعية في طريقه لبناء القوة السياسية والعسكرية.
فإذا جمعت هذا إلى ذاك فأنت السني الحقيقي. وإلا فلن تكون أكثر من زوبعة صيف ترعد وتبرق في طريقها إلى الاضمحلال فالزوال.
10/1/2017
___________________________________________________________________________________________
- – رواه أحمد وغيره. وصححه الألباني في (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية (ت 728هـ)، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الثالثة – 1977.