مقالات

في الذكرى الرابعة عشرة لاحتلال بغداد مقتطفات من أحاديث سبقت

د. طه حامد الدليمي

عندما يتقادم الزمن وتبدأ الجروح بالالتئام يمكن للمجروح أن يتحسس مواضعها دون أن يدفع الكثير من فاتورة الألم.

عشر سنين مرت على احتلال بغداد، تكفي لأن نفيق من غمرة ألم الذكرى، ونتجاوزها إلى شاطى الفكرة. أما أنا فقد بدأت بالإفاقة منذ سنتين، فهذه هي الذكرى الثالثة التي أستقبلها دون أن أكون أسيراً لأداء مراسيم الحزن وطقوس الأسى.

عزيزة هي بغداد.. وعزيز على عاصمة الرشيد أن يدنسها الأنذال من الشرق والغرب. ولا أدري هل يمكن لأحد منا أن يستعيد الحدث دون أن يَلجمه الغصص! كيف وهي بغداد؟ بالله عليكم ألستم حين تنفثون اسمها فكأنما يُستل من القلب استلالاً، ويستحيل أمام الناظر وروداً وظلالاً؟

بلى..؛ إنها بغداد…………………….

بوارقُها هذي وهذي رعودُها
وتلك سرايا عزِّها وبنودُهاوتلك مضاميرٌ إلى المجدِ عُبِّدتْ
دماً ، كلما آلتْ لجدبٍ نزيدُها

وما بينَنا الا مسافةُ نبضةٍ
من القلبِ ممدودٍ اليكَ وريدُها

نعم انها بغدادُ من ألفِ حجةٍ
توالى عليها مجدُها وسعودُهانعم انها ظلت مدى الدهر لبوةً
إذا زأرت تنفكُّ عنها قيودُها

نعم انها بغداد .. للأرضِ محورٌ
ومرتكزٌ لو مال يوما عمودُها

نعم انها بغدادُ ، تاريخُها الهدى
وأقصى مجراتِ الشموسِ حدودُهانعم انها نبضُ الحضاراتِ ، دونَها
لما أثمرت يوماً وأخصبَ عودُها([1])

ليس من السهل على عشاق بغداد تجنب هذا الدفق المتلاطم من الألم، حتى بعد هذه السنين! ولكن.. إذا كان البكاء على الأطلال لا يجدي باكياً، ولا يرجع ماضياً، فلنا الحق في أن نتكئ على القلب رغم جراحه، وندوس على جثث الأحبة المتناثرة على الطريق كي نواصل المسير، لنقول:

دعونا من المشاعر إذن، واتركونا من تفاصيل الحوادث والخسائر، وخلونا مع بعض الدروس التي يمكننا تأسيس مشروع عليها يصلح للإنقاذ. وأول المشروع الفكرة، التي تنتهي بهدف واضح محدد. وبين هذا وذاك تأتي الخطة والآليات والوسائل. ويقوم على مهمة التنفيذ – وهذا جزء أساسي من المشروع – قيادة جديدة غير القيادات التي كانت جزءاً من المشكلة والسبب في وقوع الكارثة. و(أعلى ما بِخَيلها) ليست أكثر من قيادات لحظة ونحن نريد قيادة نهضة، وقيادات أزمة ونحن نريد قيادة أمة.

وهذا ما لم يحصل للسنة العرب حتى اللحظة!

9/4/2013

في الذكرى العاشرة للاحتلال

بكائيات نيسان .. ولى زمانها

ما مرت بي ذكرى 9/4 في عام إلا واستقبلتها بالحزن بما فيه من تقاليد ومراسيم أؤديها على استحياء.. وأنا أردد بلسان الحال أو المقال:

في فؤادي قُرحةٌ لم تندملْ
منذُ ( نَيسانَ ) الذي أورى عذابيوبعيني عَبرةٌ لم تنفجرْ
أثقلتْ كالمزنِ في سودِ السحابِ
لمْ أَجدْ في الإنسِ من يبكي معي
مثلَما أبكي ويَرثي لِمُصابيربما في الطيرِ ألقى شَبَهاً
ربما .. من قالَ أَضغاثُ حسابِ ؟!
يا حمامَ الأيكِ حقِّقْ رغبتي
واجمعِ الطيرَ ونُحْ واندُبْ بِبابيمثلَما تندُبُ ثكلى أُفردَتْ :
« لستُ في أرضي ولا بينَ صِحابي »

هذه إحدى بكائيات نيسان، قلتها قبل أربع سنين!

إلا هذا العام.. فقد استقبلت الذكرى بغير ما كنت أستقبلها به!

في الأعوام الماضية كنا نستبشر ونبشر، ونتوقع ونستشرف. أما هذا العام فهو عام ولادة البشائر، وبداية تحقق التوقعات. بل هو عام التحولات الكبرى في مسار (القضية)!

9/4/2011

الذكرى الثامنة لاحتلال العراق

موانع مشروع الإنقاذ

عند النظر في واقع العراق عموماً وواقع السنة العرب خصوصاً، نجد أن السبب في فقدان ذلك المشروع، واستمرار الكارثة التي حلت بهم، يرجع في أصله إلى علتين اثنتين:

  1. فقدان الهوية السنية
  2. وضعف القيادات التي تصدرت المشهد السني

هذه هي الفكرة التي ينبغي أن تؤسس للمشروع.

إلا أن السنة بقوا – طيلة الفترة الماضية – في معزل عن الفكرة، وأصابعهم تطيش عن تشخيص العلة. فقد خاضت المقاومة معركتها باسم الوطن، ومارس السياسيون منهم دورهم باسم الوطن أيضاً، وكتب الكتاب وخطبت المنابر وصدر الفكر باسم وهم اسمه العراق. وهذا مكمن العلة. أي فقدان الهوية التي لا يمكن أن يبنى بيت من دونها، ولا يؤسس لمشروع خارج نطاقها. وهو ما يكشف بوضوح عن ضعف القيادات جميعها. وأول دلائل ضعفها عدم قدرتهم على اكتشاف الفكرة المؤسسة، فضلاً عن رسم الهدف المنشود. مجمل القول لقد عجز الجميع عن وضع مشروع للإنقاذ.

كانت العقبة الكأداء أمام ولادة المشروع هو الفكر الوطني. إنه العلة الكبرى والمادة المتفجرة الأقوى أمام سكان العراق. وهو المانع الأساسي من وجود حالة الاستقرار والسلم الاجتماعي. والفكر الوطني – ما لم يتمَّ اجتثاثه عاجلاً – سيؤدي إلى تشظي الوطن، ولا بد. والسبب هو أن أحد المكونات المتواجدة في هذا الوطن طائفة يستحيل عليها التعايش مع الآخرين لأن عقيدتها تفرض لزوماً عليها قتل المخالف واستباحة ماله وعرضه. يغذي هذه العقيدة نسيج متشابك من العقد الجمعية، ويدفع باتجاهها المرجع الديني، وترعاها إيران. وهي اليوم تعتاش على هذا الفكر المتفسخ كما تعيش الديدان على الجثث.

بداية الحل

إن الفكر الوطني في العراق اليوم يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهذا مؤشر رائع، يبشر بخير وافر قادم، وبداية واعدة لانفراج الأزمة ليس للسنة العرب فقط، وإنما لجميع المكونات في العراق.

وإذا كان سقوط بغداد في حينه مدوياً.. فسيكتشف الجميع مستقبلاً أن السقوط المدوي الحقيقي هو سقوط الفكر الوطني. وإذا كان السقوط الأول هو بداية الكارثة، فإن السقوط الثاني هو بداية زوالها بإذن الله جل في علاه.

وتلك بداية الحل.

9/4/2011

الذكرى الثامنة لاحتلال العراق

سنين التيه

إذا كان سيدنا موسى عليه السلام قد احتاج إلى عشر سنين للإعداد والاستعداد لحمل رسالة التغيير والإنقاذ، فإن قومه احتاجوا إلى أربعين سنة يتيهون في الأرض كي يتهيأوا لذلك عدا مدة ما قبل الخروج من مصر. لقد كانت تلك المدة المتطاولة ضرورية لتحليلهم وإعادة تركيبهم.. لهدم بنيان ما عاد صالحاً للاستظلال بفيئه، وإعادة تركيب الصالح من لبناته وإضافة لبنات جديدة إليه من أجل بناء نافع جديد. أرأيت الخبزة التي تقضمها؟ لن تتمكن من استعمالها في بناء وتجديد خلايا جسمك ما لم يتم تحليلها إلى عناصرها الأولية، وطرح ما لا يصلح منها فضلات إلى الخلاء، ثم إعادة تركيبها بما يتناسب والبرنامج الحيوي لجسدك. ودون هذا التحليل والطرح ثم تركيب الصالح طبقاً للبرنامج يموت الجسد.

هذا ما حصل لبني إسرائيل في تلك المدة المتطاولة. هدم جيل فاسد غير صالح لأي بناء، وطرحه فضلات في الصحراء، ثم تصنيع جيل جديد مستعد لحمل تكاليف الرسالة وبذل مستحقات القيادة. فكان طالوت وكان داود على رأس ذلك الجيل. ودون ذلك الهدم والطرح ثم إعادة التصنيع لم تكن تقوم لبني إسرائيل قائمة. بذلك صدق فيهم قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:6،5)!

سنة العراق ومطارق الإعداد

ما يجري على أهل السنة في العراق منذ اثنتي عشرة سنة، حين ننظر إليه بعين القدر، نجده يحكي قصة التكوين وقانون الكون في الطبيعة وفي البشر.. تحليل وطرح وتركيب. جيل فاسد قضى تحت تأثير (الفكر الوطني) المتفسخ ثمانين سنة. لو بعث فيه موسى لما سمع له فتخلى عن (الوطنية) الجاهلية وتبنى (السنية) الربانية. بل لحاربه حتى أخرجه أو قتله. جيل فيه مثل ذلك الرجل الذي استصرخ موسى، حتى إذا توهم الخطر لجأ إلى التجمل بالمواعظ. يجيد الصخب والضوضاء ولا يريد تحمل المسؤولية، ما أكثر خطباءه وأقل حكماءه! وفيه مثل قارون يرفل بالنعيم وأهله في بؤس الجحيم! ألا ما أشبه سياسيي السنة به!

جيل قاتل الأمريكان عشر سنين وهو لا يدري أنه يخوض المعركة الخطأ، بالفكر الخطأ، بالمشروع الخطأ، بالهدف الخطأ. بل الخطيئة.. والخطيئة المغلظة! فأزاح الله عن عينه غشاوة الأمريكان وسلط عليه الشيعة وإيران؛ لعله يثوب إلى رشده فيتمكن من رؤية العدو الحقيقي بلا مواربة. فاحتل الشيعة دياره وسبوا نساءه وشردوا أبناءه يقدمهم الفارسي قاسم سليماني جهاراً نهاراً، وكتبوا على جدرانه شعارات الفرس المجوس والشيعة النجوس، وفي تكريت “ما غيرها” عقر دار قائد الفكر الوطني، ونبشوا قبره! فماذا بقي؟

وإني لأنظر إلى الأحداث الجارية فقلت لمن حولي منذ ما يقرب من عام: إنها (حرب بعاث) التي وقعت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بخمس سنين، فحصدت معظم رؤوس الكفر والنفاق ليمهد القدر الساحة لاستقبال الجيل الجديد. وقد فهمت الإشارة أمنا عائشة رضي الله عنها فقالت: “كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله ، فقدم رسول الله وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم وجرحوا، فقدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام”. رواه مسلم.

لا بد لقارون أن يخسف به وبداره الأرض..

ولا بد أن يموت في التيه جيل الصراخ والضوضاء والتواعظ الفارغ..

ولا بد أن يسحق جيل الحماس الفاقد للبصيرة.

ويظهر جيل داود وطالوت..

جيل (الهوية السنية) و(القضية السنية) و(المشروع السني).

ولا بد من (بعاث) تأتي على من يقف في وجه سنة التكوين من ملأ وسروات لا تقبل التغيير.

ونحن في زمن (بعاث).

فعلى جيل الانبعاث الرباني أن يتقدم بمشروعه السني كي يرث الأرض بعد التيه ويصدق فيه قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:6،5)!

9/4/2015

الذكرى الثانية عشرة للاحتلال

وفي الذكرى الرابعة عشرة أبشركم بإرهاصات تغيير كبير قادم بإذن الله جل في علاه، ليس في صالح أفعى الشيعة، ولا صالح رأسها إيران.

ليس هذا هو الأهم، إنما هل سينصر السنة مشروعهم السني فيختصروا سنينَ التيه؟ ولن أطرح السؤال الآخر؛ فنحن ماضون في طريقنا كما مضى الأنبياء عليهم السلام من قبلنا على هدى خطاب الله تعالى الخالد لكل نبي منهم قائلاً له: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) (النساء:84).

9/4/2017

___________________________________________________________________________________________

الذكرى الرابعة عشرة للاحتلال

  1. – الشاعر حاتم عبد الواحد.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى