مقالات

القرآن .. الكتاب الوحيد الخالي من التشيع ثالثاً .. حديث ( رأى النبي امرأة فأتى امرأته زينب … ) في صحيح ( مسلم )

د. طه حامد الدليمي

روى مسلم في (الصحيح) بسنده عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله رأى امرأة، فأتى امرأته زينب، وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان. فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه).

متن الحديث

إن متن الحديث فيه إساءة بالغة، لا تخفى، إلى النبي :

– فالنبي لا ينظر إلى وجه امرأة أجنبية، وإذا وقع بصره عليها فجأة يصرف عينه عنها ولا يديم النظر إليها حتى تتحرك شهوته ليحتاج معها إلى مواقعة زوجته، وهو القائل كما في (صحيح مسلم) عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري. وفي رواية لأبي داود حسنها الشيخ الألباني: (يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة). فكيف تبلغ به نظرة خاطفة – وهو النبي! – بحيث تبعث في داخله هذا التفاعل الشديد الذي أحوجه إلى اللجوء إلى زوجته ليقضي حاجته منها؟!

إن هذا لا يكون إلا في حالتين، وقد لا يكون:

1. إدامة النظر.

2. وأن يكون الناظر رجلاً شديد الشبق إلى تلك الدرجة الغريبة.

وكلا الأمرين ممتنع في حق النبي ، وإلا كان تهمة في حقه لا تصدر من مسلم قط؛ فهو لا يتبع النظرة النظرة، وكان رجلاً هادئ المزاج من الناحية الجنسية؛ لم يتزوج إلا في الخامسة والعشرين من عمره المبارك، على غير المعتاد في بيئته. وتزوج من امرأة تكبره بخمسة عشر عاماً.

– إن التعقيب بالقول: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان؛ فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه).. يشي بأن ما انتاب النبي ، على فرض صحته وهو لا يصح، من (شعور) جارف، إنما هو من عمل الشيطان! كيف وهو نبي؟ ثم إن قرينه أسلم فلا يحدثه إلا بخير. كما ثبت ذلك من رواية مسلم في (صحيحه).

إن تضعيف مثل هذه الأحاديث صيانة للنبي وللصحابة، وللكتب التي تروى فيها، ولأصحابها. وإلا تعدى الطعن إلى كل ذلك.

سند الحديث

أما سند الحديث فلا يصح. وعلته أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، وهو مدلس كثير التدليس ومشهور به. وقد نصص العلماء على أن رواية أبي الزبير عن جابر لا تصح ما لم يصرح بالسماع عنه. والحديث رواه أبو الزبير بالعنعنة ولم يصرح فيه بالسماع عن جابر؛ فهو ضعيف.

قال الذهبي: وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر، وهى من غير طريق الليث عنه، ففى القلب منها شي. من ذلك حديث: (رأى عليه الصلاة والسلام امرأة فأعجبته، فأتى أهله زينب).

على أن أبا الزبير اختلف في توثيقه فوثقه البعض وضعفه آخرون.

قال الذهبي: وهو من أئمة العلم، اعتمده مسلم، وروى له البخاري متابعة، وقد تكلم فيه شعبة لكونه استرجح في الميزان. وجاء عن شعبة أنه تركه لكونه يسيء صلاته، وقيل: لأنه رآه مرة يخاصم ففجر. وقيل: كان يرى الشرط. وأما ابن المديني فسأل عنه محمد بن عثمان العبسي، فقال: ثقة ثبت.

وأما أبو محمد بن حزم فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه: “عن” جابر ونحوه، لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: “سمعت، وأخبرنا” احتج به. ويحتج به ابن حزم إذا قال: “عن” مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة؛ وذلك لأن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث، قال: جئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين، فانقلبت بهما. ثم قلت في نفسي: لو أنني عاودته، فسألته: أسمع هذا كله من جابر؟ فسألته، فقال: منه ما سمعت ومنه ما حُدِّثت عنه. فقلت له: أعلِمْ لي على ما سمعت منه، فأعلمَ لي على هذا الذي عندي.

وقال الذهبي: وكان أيوب (السختياني) يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير وأبو الزبير. فقال أحمد بن حنبل يضعفه بذلك.

وقال: وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لا يحتج به.

وقال ابن عدي: هو في نفسه ثقة، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء فيكون الضعف من جهتهم. وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي واحتج عليه رجل بحديث عن أبي الزبير، فغضب، وقال: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة.

أحمد بن سعيد الرباطي، سمعت أبا داود الطيالسي يقول: قال شعبة: لم يكن في الدنيا شيء أحب إلي من رجل يقدم من مكة فأسأله عن أبي الزبير. فقدمت مكة فسمعت منه، فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل يوماً فسأله عن مسألة فرد عليه فافترى عليه، فقلت له: يا أبا الزبير، تفتري على رجل مسلم! قال: إنه أغضبني. قلت: من يغضبك تفتري عليه! لا رويت عنك حديثاً أبداً. قال: وكان يقول: في صدري أربعمئة حديث لأبي الزبير عن جابر. قلت: قلما روى شعبة عنه([1]).

وعده أبو جعفر العقيلي في الضعفاء ونقل فيه عن علماء كثيرين جرحوه. ومما ذكره عنه، إضافة إلى ما ذكره الذهبي مما جاء في كتاب العقيلي:

حدثنا سفيان قال: ما نازع أبو الزبير عمرو بن دينار في حديث قط عن جابر، إلا زاد عليه أبو الزبير.

حدثني آدم قال: سمعت البخاري يقول: حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا أيوب، حدثنا أبو الزبير، وهو أبو الزبير فغمزه([2]).

حدثنا أبو عوانة قال: كنا عند عمرو بن دينار جلوساً ومعنا أيوب, فحدثنا أبو الزبير بحديث, فقلت لأيوب: أتدري ما هذا؟ فقال: هو لا يدري ما حدث, أدري أنا؟

حدثنا محمد بن موسى، حدثنا حماد بن الحسن، حدثنا أبو داود، أخبرنا رجل من أهل مكة, قال: قال ابن جريج: ما كنت أراني أعيش حتى أرى حديث أبي الزبير يروى.

حدثنا نعيم بن حماد قال: سمعت سفيان، يقول: حدثني أبو الزبير، وهو أبو الزبير، كأنه يضعفه([3]).

على أن أبا الزبير من الموالي؛ قال العقيلي في أول ترجمته: “أبو الزبير مولى حكيم بن حزام”. وهذا يكشف لنا عن سر ولعه بالتدليس! فمثل هذا لا يمكن أن يصحح حديثه لا سيما إذا دلس ولم يصرح بالسماع. وردُّ حديث أبي الزبير بالتدليس مما هو متفق عليه بين العلماء. فكيف والحديث شنيع المتن بالغ الشناعة!

ولا شك في أن هذا الحديث وأمثاله مما ينصر التشيع ويفتح له ثغرة إلى ثقافتنا السنية.

هل علمتم الآن كيف غزيت ثقافتنا؟ ودور الحديث الضعيف في ضعضعة هذه الثقافة وتوهينها لصالح الشيعة؟ وأن بعض هذا الحديث في (الصحيحين)؟ ومدى عمق ودلالة القول: “الكتاب الوحيد الذي ليس فيه تشيع هو القرآن الكريم”؟ وأنه لم يصدر عن فراغ؟! بل إنه نابع من معاناة حقيقية يستشعرها كل من عانى التشيع وخبر طرائقه واندل مساربه الخفية التي يُتدسس منها إلى حصون السنة.

ألا وإننا لهم بالمرصاد. لقد ذهب زمان المنهج الجامد والفاسد، وآن أوان المنهج الرائد الراشد. ويا رب اهد قومنا واغفر لهم فإنهم لا يعلمون!

لم مثل هذا يوثق؟

15/4/2017

_________________________________________________________________________________________

  1. – ميزان الاعتدال في نقد الرجال، 4/37-40، الذهبي.
  2. – لعل هذا هو الذيجعل الإمام البخاري لا يروي عنه إلا متابعة.
  3. – الضعفاء الكبير، 4/130، محمد بن عمرو العقيلي.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى