مقالات

القمة السعودية .. نظرة سياسية واقعية

د. طه حامد الدليمي

إن لم تعرف ما ينفعك

قبل كل شيء أقول: كلامي موجه إلى مؤسسة (التيار السني في العراق) أولاً، ومن تأثر بالتيار وتعاطف معه، ثم أولئك الذين ينشدون الحقيقة. إن توجيه الكلام إلى غير مؤسسة تهضمه وتتمثله على الواقع حركة منظمة باتجاه هدف محدد.. قليل الجدوى لا يصيد طيراً ولا ينكأ عدواً. نحن نبحث عن دلالة الحدث فكرةً، لكن في سبيل توظيفها عملياً على السكة الصائبة لمشروع متحرك. وهذا لا يكون دونما مؤسسة.

ثم أقول: “إن لم تعرف ما ينفعك، فاعرف ما يضر عدوك”.

إذا اتفقنا ابتداءً على هذا القول يحق لي أن أعجب من أي سني في العراق خصوصاً، يقف موقفاً سلبياً أو هجومياً من (قمة الرياض) التي اندمجت فيها ثلاث أو أربع قمم.

والعجب سببه واضح؛ فإيران وشيعتها – دع عنك الآن أشياعها – هم أكثر الأطراف تغيظاً وزفيراً، وأشدهم حزناً وغماً من الحدث. وهذا يعني باللزوم أن هؤلاء المجرمين أكثر الناس خسارة وتضرراً. وهو الواقع.

على أن نفع أهل السنة لا يخفى لمن توقف بنظره لحظة! أي نفع وأي نعمة أعظم من اجتماع العالم على عزل إيران واعتبارها مصدر (الإرهاب) في الأرض؟

هذا وإرهاصات انزياح كابوس إيران وشيعتها ومليشياتها بدت بالبزوغ منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وقد أفصح الواقع منذ ذلك الحين عن أحداث تصدق تلك الإرهاصات، آخرها (قمة الرياض).

 

الجهات الناعبة

وتحمل الريح كلاماً بالأطنان تفكرت في سيئه فوجدت مصدره الرئيس من:

– إيران وشيعتها وأشياعها (أزلامها).

– بعض الأحزاب الإسلامية والقومية والليبرالية، التي باتت تشكل عبئاً على كاهل السنة، تمحوراً حول حزبيتها، أو انسياقاً وراء إيرانيتها.

– ذوي الخطاب التعبوي الحماسي المثالي. يحاكمون الناس إلى مثاليات معلقة في الهواء. يعانون من شخصية (فصمندية) منفصلة عن الشرع والواقع.

– إضافة إلى المتأثرين بهم من عامة الناس.

 

الخطاب الفصمندي

كم عانينا من الخطاب التعبوي الفصمندي قبل الاحتلال!

خطاب مثالي منفصم عن الواقع من جهة، ومن جهة يريد منا أن نفعل فوق ما كان يفعله الصحابة، وأحياناً الأنبياء! وأن نتجنب ما لم يقوَوا على تجنبه!

لا أبالغ إن قلت: إن أكثر من ثمانين بالمئة من سكان العراق كانوا يتمنون زوال صدام حسين رحمه الله. وحين تقول لهم: هل تعلمون البديل؟! يجيبونك: ليكن الشيطان، المهم أن يتغير النظام ويزول صدام. وتسألهم: لماذا؟ فيذكرون لك أموراً كثير منها صحيح، بل وجوهري، ولكن يتغافلون عن أن كل ما ذكر لا يساوي ما سيحل بهم لو احتل العراق. و(العاقل من عرف خير الخيرين وشر الشرين، وليس العاقل من عرف الخير من الشر).

الشيء نفسه يتكرر اليوم مع قمة الرياض. هؤلاء الأناسي يتناسون المحصلة النهائية ويجرجروننا إلى جزئيات مهما اجتمعت لا تساوي شر البديل المثالي الذي يذهبون إليه.

 

( 500 ) مليار دولار .. يا لَلهول ..!

ما قيل كثير، لكن دعونا نقف عند واحدة فقط مما قيل، ونرى.

يقولون: السعودية أعطت (كذا) ترامب (450) مليار دولار. ويتم وصف هذا التصرف بطريقة توحي أن هذا المبلغ أعطي هبة، بل سماها البعض (جزية)!

شيء مقرف أن ينزل الإنسان إلى هذا المستوى من التلبيس. أما الحقيقة فإن هذا المبلغ يمثل استثماراتٍ متبادلةً في شتى الشؤون، وأثمان صفقات تجارية: عسكرية ومدنية. وليس بالضرورة أن يدفع على شكل نقد (كاش)، إنما على شكل بضائع وصفقات نفط.

ولو أردنا أن ننظر في قيمته هذا المبلغ نسبة إلى ثراء المملكة فيمكن حسابه سريعاً بالشكل التالي: يبلغ وارد السعودية السنوي من النفط فقط (400) مليار دولار، هذا عدا بقية الواردات. ثم لو قسمنا المبلغ (450 مليار دولار) على بضع سنوات هي السنوات التي يتم استيفاؤه خلالها لتوضح أنه مبلغ بسيط. ثم لو نظرت إلى مردوداته لتبين أن المملكة رابحة لا خاسرة. هل تدري أن من مردودات الاستثمار السعودي الأمريكي أن المملكة ستكون سنة 2030 ضمن أفضل 25 دولة في العالم في مجال تصنيع السلاح بما فيها الطائرات! وعندها تنخفض كلفة الصرف العسكري إلى النصف.

لكن لنفترض أن هذا المبلغ سُلم هبة لاستمالة القوة الكبرى في العالم ضد (إدارة الشر) في المنطقة، وأن ذلك فرض على السعودية فرضاً، وإلا كانت الحرب أو بقيت إيران وشيعتها يفتكون بالمنطقة شراً.. ما الخطأ في ذلك؟ هل ثمت مانع من عقل أو معارض من شرع؟

أما العقل فليس فيه ما ينكر ذلك على طول الخط، وتقدير الأمر متروك لصاحب المال. وأما الشرع فقواعده الأصولية تجيز ذلك. مثل قاعدة (احتمال أدنى الضررين) عند تضيق الخيار. وهي قاعدة متفق عليها، تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً، وطبق إليها كثيراً من أحكام السياسة الشرعية، حتى قال (الاستقامة:1/439): “وعلى هذا استقرت الشريعة بترجيح خير الخيرين ودفع شر الشرين، وترجيح الراجِح من الخير والشر المجتمعين”.

وورد في السيرة في حديث مرسل أن النبي همّ بإعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة في غزوة (الأحزاب) مقابل مغادرتهم ميدان المعركة. وعلق السهيلي في (الروض الأُنُف:6/208) على ذلك فقال: “وفيه من الفقه جواز إعطاء المال للعدو إذا كان فيه نظر للمسلمين وحياطة لهم. وقد ذكر أبو عبيد هذا الخبر، وأنه أمر معمول به، وذكر أن معاوية صالح ملك الروم على الكف عن ثغور الشام بمال دفعه إليه، قيل: كان مئة ألف دينار”.

يقول الشيخ إدريس الرفاعي: “إن مما دها أهل السنة والجماعةِ والعربَ أمر لا عزاء له؛ فإن لم يكن المال يحمي البيضة ويصون العرض ويحقن الدماء ويرد الأعداء، فلا بارك الله – بعد العرض والمال والدين والنفس والعقل؛ وهنَّ الضروريات في مقاصد الشرع – بالمال”.

ثم أقول كلمة إلى السنة المنزعجين في العراق وغيره: نعمة تأتيكم هينة لينة وبالمجان.. علام أنتم منها منزعجون؟ أشفقةً على المملكة أم على أنفسكم تشفقون؟ ما لكم؟ ما طبكم؟ ما داؤكم؟

حتى متى وإلى متى في كل موقف لا تعقلون؟

غرة رمضان 1438

27/5/2017

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى