مقالات

متى يحتسي خامنئي كأس السم ؟ الذكرى الثلاثون ليوم النصر العظيم

د. طه حامد الدليمي

في مثل هذا اليوم (8 آب) قبل ثلاثة عقود اضطُر الخميني إلى الموافقة على وقف رحى الحرب التي استمرت تطحن الفريقين ثماني سنين. يومها قال: أشعر أنني أحتسي كأس السم.

وإذا كان الخميني (لع) بفكره العبثي العنصري احتسى الكأس، فإن صدام حسين (رح) بفكره البعثي الوطني، الذي هو خارج المكان.. والقومي، الذي هو خارج الزمان.. وضع الحبل في رقبته يوم 31/12/2006، فكان كبش الأضحية في أول أيام عيد أضحى سنة 1427!

وبلمحة أربع عشرة سنة وضعت الحبال في رقاب أهل السنة على طول سكة القهر الممتدة من العراق حتى اليمن مروراً بالشام.

في العراق أتم الاحتلال الشيعي مهمته على عربة داعش. اللافت في الأمر أن الشيعي يقتل ويحرق ويعلق ويمثل و… يصور!

نعم.. مقتل الشيعي في حماقته.

كانت الجرائم المرتكبة من العيار الذي تجاوز الفرد إلى المؤسسة، والمؤسسة إلى الدولة. وكان الرقيب الدولي والداخلي يقيد كل شيء وبالصوت والصورة: المتحركة والثابتة؛ تحسباً ليوم قد يجيء قريباً.

في مطلع 2006 زارني صديق من بغداد في سكني بدمشق، وشكا إلي كيف أن لديه معلومات أمنية خطيرة تتعلق بخلايا نائمة وأسلحة أدخلت إلى دولة عربية مجاورة، ذهب إلى سفارتها في دمشق وطلب مواجهة السفير ليدلي إليه بهذه المعلومات. لكنه ظل مشبوحاً على خشبة الانتظار ولم يتمكن من مواجهة السفير ولا حتى القنصل. وطال الانتظار، وكرر المحاولة، على ما أذكر، فلم يجد أمامه سوى الانصراف تتقاذفه رياح اليأس والإحباط.

قلت له: خلايا نائمة وأسلحة مستيقظة فقط أم تفجير وعمليات؟ قال: حتماً هذه في الطريق إليهم. قلت: لن يتحرك القوم حتى تصل هذه التيفي الطريق.. والتي… هذا ما عودونا عليه. ولن يحسوا بمصابك حتى يصيبهم ما أصابك. دعهم حتى يكون ذلك. واستغرب الصديق كلامي. قلت له: يستحيل أن أتمنى ذلك لبلد عربي أو مسلم، لا والله! ولكن هكذا هم.. يفَرطون في الأسباب حتى تنتقم لها سياط الأقدار. وسترى.

في 2010 كنت عند أحد المسؤولين، قلت له: الملاحظ عليكم أنكم بطيئو الاستجابة، والأحداث من حولكم سريعة، وإيران على الأبواب. فكان جوابه: أبشرك – وأنا مسؤول عن كلامي – الوضع تغير الآن؛ وابتسم ليضيف: “النار وصلت…”. بعد عدة أشهر، وتحديداً في 15 آذار 2011 فوجئنا بدرع الجزيرة يقوم بمهمته في البحرين. قلت: صدق صاحبي.. وصدقت.

 

بانتظار الكأس مرة أخرى

حبل الأمن السُّري للمنطقة مشترك. والبداية بغداد والهدف الرياض والغاية مكة. أما دمشق وبيروت وصنعاء فعلى قول المتنبي: “ومَنْ قصدَ البحرَ استقلَّ السواقيا”. وما لم تستقر بغداد فالحركة باتجاه الهدف وصولاً إلى الغاية تبقى مستمرة. ولن تستقر بغداد ما لم تعد – كما كانت – ليد السنة. لا شيعة عرب ولا هلوسة ولا مطر صيف عندنا في عز الظهيرة.

لكن – إذا كان المسار صحيحاً – لن يكون الحال مقلقاً إلى درجة كبيرة. سوى أن الأمر كما قال الفيلسوف الألماني هيجل: ” الشيء الوحيد الذي استفدته من التاريخ هو أنه لا أحد يستفيد منه”. قلت: ولهذا يعيد التاريخ نفسه. دفع شوية ثمن من الجهد والزمن.. عثرة ثم يستأنف العاثر مسيره.

الذي يستقرئ الأحداث منذ مطلع العام الحالي، ثم المؤتمر العالمي في المملكة العربية السعودية في يوم 20/5/2017.. يجد أن المنطقة تمر في حالة صحوة ضد الخطر الإيراني، وأن أهل السنة أخذوا بالانتباه إلى كينونتهم السنية، في وسط توجه عالمي لإدانة إيران بالإرهاب، وهو سيف المرحلة القاطع، وأمريكا ومن معها عازمون على إزاحة إيران من الدول الأربع التي احتلتها. هذا المسار – ودعك من عثرات فيه ولا بد – في صالحنا نحن سنةَ المنطقة. وأقل ما فيه أن الوضع سيكون أهون شراً بكثير مما نحن عليه الآن مع تغول إيران وأحزابها ومليشياتها التي اكتسحت العراق من جنوب كردستان حتى حدود الكويت والسعودية والأردن. وليس في الأفق من قوة للسنة يمكن أن تردعها، بل التشيع والتشيع السياسي قائم على قدم وساق، وهو مقدمة للتشيع الديني، الذي هو مقدمة لخراب العالم العربي والإسلامي والعالم.

وإذا استمر المسار في اتجاهه الصحيح نحو هدفه، فالأمر يبشر بالكثير.

مؤكد أن في أهل السنة كثيرين من الصنف الذي يمكن وصفه بأنه “لا يعجبه العجب”، ويريد الأمور تأتيه كما يقول العراقيون “مُلَبْلَبة”، أي لبّاً مقطعاً بلا قشور. وإذا رأى خطوة للأمام رجع يقلّب صفحات التاريخ ليضع عصيه في دواليب من يخطوها يصيح به: ألم تفعل، في يوم كذا، وكذا، كذا وكذا؟ ارجع موزوراً غير مأجور. وكأنه لا يد له في كل ما جرى. ولا أن عقله ما زالت تعشعش فيه خفافيش الوطنية.. ولم يكن ممن وقف في ساحات الاعتصام اثني عشر شهراً يستنكر “الإقليم والتقسيم” مسبحاً باسم صنم اسمه العراق حتى لو كان شيعياً، حتى لو حكمته الشياطين!… وأنه لم يصفق للسعدي يوم قال في ساحة اعتصام الرمادي: “السنة شيعة والشيعة سنة”… ولم يكن شيوخ الدين في أول قائمة الذين قالوا: لا يهمنا من يحكمنا ما دام يحقق العدالة… وكأنه وكأنه…! وكان الزمان لحظتها يضحك من عقولهم ويقول: هل في الكون شيعي واحد عادل!

لا أريد أن أعكر صفو هذا اليوم الجميل.. الذي نسترجع فيه ذكرى (يوم النصر العظيم) في 8/8/1988.. ذلك اليوم الذي احتسى فيه الخميني كأس السم. ولكن بقي أن أسأل: متى سيحتسي خامنئي (لع) كأس السم؟

 

8/8/2017

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى