مقالات

التحشيد الأمريكي .. هل ستبيع روسيا إيران ؟

د. طه حامد الدليمي

خا ترا

الذي يستقرئ الأحداث منذ تسلم دونالد ترامب رئاسة الإدارة الأمريكية مطلع 2017، ثم مؤتمر الرياض العالمي في 20/5/2017.. يجد أن المنطقة تمر في حالة صحوة ضد الخطر الإيراني، وأن أهل السنة أخذوا بالانتباه إلى كينونتهم السنية، في وسط توجه عالمي لإدانة إيران بالإرهاب، وهو سيف المرحلة القاطع، وأمريكا ومن معها عازمون على إزاحة إيران من الدول الأربع التي احتلتها. هذا المسار – ودعك من عثرات فيه ولا بد – في صالحنا نحن سنةَ المنطقة. وإذا استمر المسار في اتجاهه الصحيح نحو هدفه، فالأمر يبشر بالكثير.

هذا ما كتبته قبل ثمانية أشهر بمناسبة ذكرى انتصار اليوم العظيم على إيران، ذلك اليوم الذي احتسى فيه الخميني كأس السم. وتساءلت: متى سيحتسي خامنئي كأس السم؟

ولا أرى تغيراً في المسار العام للأحداث حتى الساعة.

هل ما نرى تمثيلية ؟

كثيرون يرون أن ترامب غير جاد فيما يبديه من رغبة في تحجيم نفوذ إيران وأن ما يجري ليس أكثر من تمثيلية. وأن مؤتمر الرياض ما هو إلا وسيلة لابتزاز أموال السعودية تلويحاً لها ببعبع إيران. لكن البحث في الجذور والمسارات، ثم النظر في الأحداث والتصريحات يرسخ الرأي القائل بأن الخصومة حقيقية، ويزداد الرأي رسوخاً مع الزمن.

تعيين بومبيو وزيراً للخارجية بدلاً من تليرسون، وجون بولتون بديلاً لماك ماستر في منصب مستشار الأن القومي، وتسريح رؤوس للوبي الإيراني يعملون في البيت الأبيض. تصريح جون بولتن في احتفالية المعارضة الإيرانية: لن يحتفل النظام الإيراني بعيده الأربعين. وقوله: سنحقق السلام بالقوة. واليوم صرح بومبيو قائلاً: عهد السياسات الناعمة تجاه روسيا انتهى، وسنجعل الرئيس الروسي يدفع الثمن غالياً. كما صرح أمين عام حلف الأطلسي: يجب محاسبة المسؤولين عن الهجوم الكيمياوي بسوريا. وقبلها وصف الرئيس الأمريكي، بشار بـ(الحيوان) وتوعده بأنه سيدفع ثمناً باهضاً. وها هو بشار يخلي قواعده ومطاراته ويغير مواقعه العسكرية، وأخبار عن هروبه إلى لبنان بحماية روسية مشددة.

أما حشود أمريكا وحلفائها شرقي المتوسط وغيره من البحار، من حاملات الطائرات والمدمرات والبوارج والسفن والغواصات وما لا يعلمه إلا الله تعالى فشيء مهول. وإلغاء ترامب أول زيارة له إلى أمريكا اللاتينية من أجل متابعة الحدث. كل ذلك وغيره يعيد إلى الأذهان (ذكريات) الأيام الصعبة التي سبقت الحرب على العراق سنة 2003، لكن بطعم (صلصة شواء البربيكيو) الأمريكية. ويجعلنا نتشوف إلى تحقيق قوله تعالى في إيران وشيعتها: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر:43).

أظن آن الأوان للتأكد من جدية الأمريكان في العمل على تقليص نفوذ إيران.

هل ستغامر روسيا لخوض حرب ضد الحلف الأمريكي ؟

كل الدلائل والتحليلات تشير إلى استبعاد تورط روسيا بخوض حرب ضد الحلفاء. فهناك فرق شاسع بين الجهتين في موازين القوى. انظروا.. تغريدة واحدة من ترامب يوم أمس: “استعدوا؛ الصواريخ الذكية قادمة إليكم”، قلبت العالم، بما فيه روسيا، رأساً على عقب. وبلغت خسائر روسيا جراء العقوبات الأخيرة لحد الآن (16) مليار دولار. وقبل شهرين وجهت أمريكا في (دير الزور) ضربة قتلت فيها (300) من الروس بلعتها روسيا قائلة: إن هؤلاء مرتزقة وليسوا من الجيش الروسي!

إسرائيل .. هل هي جادة في خصومتها لإيران ؟

نعم، ليس بين اليهود/إسرائيل والفرس/إيران عداء أصيل، بل العلاقة بينهما، بالإضافة إلى الغرب، تخادمية. لكن كثيراً ما يعتري تيار العلاقة بين الشركاء دوامات حد الاشتباك، لكن تبقى داخل التيار، ويبقى التيار محافظاً على اتجاهه. والعلاقة في أصلها مع إيران، وليس شرطاً أن تكون مع النظام الحاكم؛ فقد يتمرد النظام أثناء المسير فيقتضي الأمر تعديله أو تبديله، والعلاقة مستمرة مع خلفه. هذا ما حصل لنظام ولاية الفقيه الإيراني حين طغت عليه حماقته في إعادة أمجاد الأكاسرة فتجاوز كل الخطوط؛ فاستوجب على شركائه أن يعيدوه إلى صوابه.

إيران اليوم تشعر أنه لم يعد بينها وبين تحقيق حلمها في استعادة إمبراطوريتها القديمة الشيء الكثير؛ فليس من السهل أن تتراجع وتفرط بكل ما حققته من إنجازات. وقد تتحامق في العناد ضد أمريكا إذا لجت أمريكا في الضغط عليها ووصلت هي إلى وضع ليس لديها فيه ما تخسره فتهددها بضرب إسرائيل، وقد تنفذ تهديدها! من يضمن لإسرائيل أنها لن تفعل ذلك؟ لا سيما وحجم إسرائيل لا يحتمل كثيراً من الضربات؛ فاللجوء من قبلها إلى الحرب الاستباقية هي الخيار الأمثل لها. لا بد إذن من لجم إيران وإبعاد خطرها المحتمل.. (صديقي.. بس خليك بعيد).

من المقصود بالضربة المرتقبة ؟

لا أظن الحرب المتوقعة في غايتها مقترنة بإسقاط بشار؛ بل إن معظم الأطراف ربما لا يريدون زواله إلا إذا كان هناك بديل أعدوه ليحل محله. المقصود بالحرب إيران أولاً لتقزيمها وإخراجها من المنطقة إلى داخل حدودها. وهذا سيؤدي تبعاً وتداعياً إلى إنهاء نفوذ حلفائها حسب التوقيتات التي يراها الحلفاء (النظام السوري، الرئيس اللبناني، حزب الله، الحوثيون، العبادي، المليشيات جميعاً). وقد يتطور الأمر – وهذا وارد جداً – إلى ثورة داخلية في إيران تقلب النظام، وتتحقق نبوءة جون بولتون في عدم بلوغه العيد الأربعين؛ فالوضع الداخلي متأزم؛ صراع أقطاب وفقر وتذمر ومظاهرات وانهيار عملة.

هه لقد توسعت إيران أفقياً وهذا أوان العد التنازلي لسقوطها عمودياً قد بدأ.

ما زالت الخيارات حتى الآن مفتوحة على أكثر من احتمال. قد تحصل الضربة، لكنها ستكون كبيرة تنهك نظام بشار وتعيده إلى حظيرة الغرب بعيداً عن إيران. والراجح جداً أن تطال المعركة وجود إيران العسكري في سوريا. وهذا ما أرجحه طبقاً لاستقراء الأحداث الجارية ومسارها الذي أراها تجري فيه. وقد تتوسع لتطاردها إلى ما بعدها، من يدري؟

الاحتمال الآخر أن تصل التهديدات إلى شفير الهاوية لتتحول إلى عملية تفاوض مع روسيا لا وجود لإيران على طاولتها، تقتسم فيها المصالح فيعطى لروسيا فتات ترضى به للحفاظ على شيء من ماء وجهها؛ فالضغوطات عليها كثيرة. يعني ستبيع روسيا إيران بالثمن الممكن. وهي مشهورة بعدم الوقوف مع حلفائها من جمال عبد الناصر إلى صدام حسين مروراً بعلي سالم البيض.

أمريكا لم تجئ لسواد عيون سوريا ولا سنة العراق ولا أطفال دوما. هناك صراع كسر إرادات بين الكبار في هذه المنطقة. أمريكا مصرة فيه على استعادة هيبتها التي فرط بها أوباما، واستعادة أموالها التي أنفقتها في المنطقة وزيادة. وروسيا تراوغ كالثعلب لتحوز ما يمكنها حيازته من فتات. لقد تورطت فلتدفع الثمن: حرباً أو سلماً؛ فهي تلهث لتقليل ما يمكن تقليله من خسارة قادمة على كل الاحتمالات. وإسرائيل لا بد أن تتخلص من قلقها.

لا بد لإيران أن تزاح وتدفع ثمناً طال أجل تسديده. وتركيا تجاوزت الحدود أيضاً وصارت تتحرش كلامياً بأمريكا في منبج؛ فلا بد لها من قرصة أذن. الجميع في نظر أمريكا ينبغي أن يلزم حده، ويدفع الثمن الذي عليه.

أظن هذه السنة 2018 حافلة بالتغيرات، كثير منها لصالحنا نحن أهل السنة. والخاسر الأكبر إيران وحلفاءها وأعوانها.

12/4/2018

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى