مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الاقتصاد والقومية وأثرهما في السياسة الأمريكية تجاه إيران

د. طه حامد الدليمي

ستيييف

قبل أيام حضرت مجلساً فيه بعض النخب السياسية. سألني أحدهم عن رأيي فيما يجري بين أمريكا وإيران: هل ترامب جاد في موقفه من تغيير سلوك النظام أو إزالته؟ قلت: دعونا ننظر أولاً في مسارات ما يجري ثم ننتقل إلى الاستنتاجات. فلكل حدث سياقه، ولكل حركة مسارها؛ فمن أصاب المسار يسر عليه جمع أطراف الأحداث المتشعبة، وإرجاعها إلى نقطة واحدة أو نقاط قليلة محددة، وتمكن من إيجاد تفسير مقارب لها، واستطاع أن يرسم رؤية ما لمآلاتها. ويبقى الأمر كله قيد الاحتمال حتى يثبت أو يزال (قُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (يونس:20).

سأقتصر في هذا المقال على المسارين الاقتصادي والقومي، دون سواهما مما ذكرت.

الولايات الأمريكية المتحدة .. ما الذي يجري هناك ؟

ثمت تحولات في الداخل الأمريكي بعضها في غير صالحها. حين يقول الرئيس ترامب: ليس لدينا مطار مثل مطار دبي، فهذا يعني أن خللاً ما ليس بالقليل أصاب البنية التحتية للدولة، وأن الاقتصاد في حاجة إلى إصلاح كبير. وحين يقول: كل شيء موجود في نيويورك لكن الأمريكي لا يملك شيئاً فيها، فلذلك أكثر من دلالة:

1. استيقاظ العصب القومي تجاه الشعوب الوافدة. وهذا الأمر عميق في نفس ترامب. فهو يتبنى مبدأ “أمريكا أولاً”، ويغلب على خطابه الروح القومية. وقد يكون هذا التوجه شائعاً بين الحزب الجمهوري أكثر من الحزب الديمقراطي؛ ربما بسبب غلبة الأقليات الدينية والعرقية على التكوين الذاتي للأخير. وللمفكر القومي ستيف بانون تأثير كبير من هذه الناحية على الرئيس ترامب. وهو الذي ترأس الحملة الانتخابية التي جاءت به رئيساً للبلاد، وكان لخطابه القومي أثره في نجاح الحملة. وقد عينه ارئيس مستشاراً أعلى له في بداية فترة حكمه.

2. إحساس إيجابي مستند إلى الدين والأخلاق تجاه الفقراء، عبر عنه ستيف بانون حين قال بأن ضعف الاهتمام بالفقراء مخالف لتعاليم الإنجيل. وذلك راجع – في رأيي – إلى الصبغة المحافظة للحزب في الجوانب الاجتماعية. فهو يرفض زيادة الضرائب على المواطنين وذوي الدخل المحدود، ويدعو للحفاظ على تماسك الأسرة، ويقف ضد تشريع قوانين تقوض المجتمع مثل زواج المثليين.

لا بد من التهدئة

الهجرة تهدد أوربا وتقض مضاجع أمريكا. وما دامت الحروب والتوترات تسود المنطقة فالهجرة مستمرة؛ فما العمل؟

وأمريكا في حاجة إلى تدعيم اقتصادها، وهذا في حاجة إلى مشاريع استثمارية ضخمة داخل وخارج أمريكا، ومنها الدول العربية كالعراق والسعودية وباقي دول الخليج. ولا يتم ذلك ما دامت المنطقة مشتعلة بالحروب؛ فما العمل؟

ليس سوى التهدئة مساراً لوقف الهجرة وتحريك الاقتصاد. وكل من يتابع الأحداث في منطقتنا يجدها تنخرط تباعاً في مسار التهدئة: سوريا، لبنان، اليمن، العراق.

إيران ترفض

إيران تقف حجر عثرة في هذا المسار. وفي الوقت نفسه تريد أمريكا من إيران أن توقف الحرب وتتخلى عن جميع تدخلاتها في المنطقة. وهذا مطلب عسير بالنسبة لإيران ليس من السهل أن تنصاع له، لا سيما إذا ربطنا الأمر بالعقلية الفارسية التي تكونت وترسخت عبر التاريخ. فقد اتبع الفرس منذ أن ظهروا على مسرح الأحداث قبل أكثر من ألفين وخمسمئة سنة استراتيجية إشغال الشعب عن مطالبه ومشاكله الداخلية بإثارة الحروب الخارجية. وما زال الأمر على ما هو عليه لم يتغير – ولن يتغير – حتى اليوم. والحكومة الحالية تعلم جيداً أنها إذا انتهت عن تدخلاتها في دول الجوار وسحبت مليشياتها وانكفأت على داخلها، فإن في ذلك حتفها!

إذن إما أن تسكت أمريكا على الوضع الراهن الذي لا تريده، وهذا غير ممكن. وإما أن تنصاع إيران للإرادة الأمريكية، وهذا صعب للغاية. في النهاية لا بد من أن تنتصر إحدى الإرادتين وتنكسر الأخرى.

العداء حقيقي

وختمت كلامي بأن قلت للحاضرين: من هذا نستنتج أن ما نراه من توتر شديد في العلاقة بين الطرفين هو شيء حقيقي. لا كما يتصور البعض أن القوم يلعبون أو يمارسون التمثيل على مسرح العالم. ونعلم أن لجوء أمريكا إلى وسيلة فرض العقوبات على إيران والحصار الاقتصادي الخانق لها إنما هو خطوة أولى غايتها تعديل سلوك النظام، قد تؤدي إلى ثورة داخلية تطيح به فنتجاوز الأزمة من الأساس. وإلا فالحرب قادمة كما يبدو. والكرة في ملعب إيران، وعليها أن تختار.

وأضفت: ولا أدري هل عند إيران المعروفة بمكرها ودهائها ورقة أو أوراق تخبئها ستظهرها لاحقاً؟ أم ستدير مؤخرتها لركلات ترامب وتصبر حتى تنتهي فترة رئاسته بعد أكثر من سنتين، كما نصحها صهرها وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري؟ والسؤال: هل هي قادرة على المطاولة والصمود حتى ذلك الحين؟ وهل الرئيس ترامب سيتركهم على حالهم ويمضي إلى حال سبيله؟

الدلائل تشير إلى غير ذلك.

 

اظهر المزيد

‫8 تعليقات

  1. النظر الى مسار الحركة والى سياق الحدث، يعطي تصور شمولي ودقيق لما يجري من أحداث متسارعة ومطّردة.
    ولا ننسى شيخي الكريم ..
    لم يعد الصراع اليوم صراع أقطاب وإنما تحوّل الى صراع محاور أو تحالفات، فلم تعد امريكا وحدها في قطب وروسيا في القطب الضديد
    وإنما صارت امريكا في تحالف دولي رأس حربته دول الخليج عدا قطر ومصر والأردن، يقابله التحالف الروسي ورأس حربته ايران وتركيا وقطر وسوريا والعراق.
    وأمريكا تريد قيادة المنطقة العربية دون غيرها وهذا ما يجعل شراسة صراعها منصبّاً على ايران اذ هي القوة الأكبر في معادلة الصراع

  2. السلام عليكم ورحمة الله …
    حيا الله الدكتور طه وحيا الله الطلة الجديدة لموقعنا بحلته الجديدة…
    أنا أوافقك الرأي تماما يا دكتور… ولكن هناك أمر مهم يجب أن نضعه بالحسبان كما أسلفت حضرتك الكريم أن إيران تراهن على الصبر وعلى زوال اترامب وهذا مهم جدا في قلب المعادلة لصالح اللعينة إيران علما أن قاسم سليماني يجلس في بغداد وخزينة الدولة بيده وإلا ماذا تفسرون بلد من 2014 إلى الآن لم ينجز أي مشروع لا على سبيل البنى التحتية ولا على سبيل البنى الاقتصادية كل هذا يجعلنا نعيد النظر في موضوع الفساد إلى هذا الحد الكبير أمام ميزانية انفجارية ما هو إلا أمر واحد وبعلم السفارة الأمريكية أن خزينة العراق تحت تصرف إيران ، لذلك إيران سوف يطول أمرها والله أعلم وذلك بغياب الأمة السنية عن دورها لردع إيران وأيضا وجود الإخوان المساند للشيعة وإيران …. والله تعالى أعلم

    1. تحية للشيخ العبيدي
      امريكا فرضت عقوبات قاسية على النظام المصرفي الإيراني وجعلت واردات النفط الإيراني تذهب الى بنك وسيط مقابل الغذاء أي أن ايران لا يمكنها التصرف المباشر بعائداتها النفطية، لذلك لا أظن ان امريكا على علم بأن سليماني يجلس على خزينة العراق ولا سليماني نفسه بهذه السذاجة اخي الكريم
      الاحتيال انما يكون من السرقة من الموازنة العامة ومن المشاريع الوهمية اضافة الى مخصصات العقود المليارية، خذ مثالاً على ذلك؛ ميزانية الحشد بلغت مليار و٧٠٠ مليون، ميزانية مؤسسة الشهداء، وتهريب النفط الذي لا يدخل في عائدات الدولة العراقية أصلاً ..

  3. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    تحية طيبة لكم شيخنا الجليل
    هذا التحولات في المنطقة دليل ع أن أمريكا جادة بعدما تمددت إيران أفقيا وسنرى قريبا بأذن الله سقوطها مدوي عموديا
    لو نظرنا إلى الواقع سنرى أمريكا تريد امركة المنطقة وإعادة ترتيبها من جديد وفق ما تقتضيه المصلحة والسياسة الأمريكية الجديدة

  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرحنا بطلة الموقع الذي نجد فيه الربانية فكرة ومسار وحركة والذي كان ولا زال الرائد الأول في المنهج الأمثل في فهم علل المشرق العربي وأسس الحركة العالمية إن كانت له ام عليه.
    أمريكا دفعت دمها في العراق ثم افاقت بعد خسارة أن إيران جعلت منها حمارا تركبه لمشاريعها التوسعية، الدولة العراقية اسستها أمريكا وقلبها لإيران سوريا تابعة لإيران الحوثيين في اليمن لإيران قطر عمان لإيران ايران تنافس أمريكا أن يدها العاملة في كل بلد أكثر وأنفع فبعد خراب الأنبار والموصل اشتغلت ماكنة الفكر والسياسية لصالح إيران وان كانت تلك المناطق سنية فالناس أصبحت لا تأمن أمريكا لأنها سلطت إيران عليها وتتبع إيران عسى أن تتخلص من شرها فكيف لأمريكا في مثل هذه العقد أن تعيد هيبتها في العراق والشام لا يوجد إلا حرق مستودع البارود ولكن هذا له مشروعه الطويل والروم عرفوا بطول النفس والتاني في خطواتهم وإيران شرك معقد تحتاج إلى حلم وضبط نفس لحله ومن استعجل خسر وان انتصر عليها في ميدان المعركة العسكرية وما صدام حسين عنا ببعيد

  5. السلام عليكم ورحمة وبركاتة شيخنا الفاضل أمريكا هي القوة العظمى في المنطة وإيران تريد أن تتصدر في المرتبة العليا بعد ماشتاحت ستة دول عربية الإرجاع الأمبرطورية الفارسية وهذه الخطوات الإيرانية تعلمها أمريكا والأن أمريكا تبحث عن تحالف عربي ضد إيران حتى توازن الكفة وتستعيدالسيطرةعلى المد الإيران في الدول العربية وهذه فرصة العرب بقيادة السعودية لتتمكن من إيران على حساب أمريكةوأن بعض الشر اهون

  6. ليس لدي الا الشكر والتقدير لما تبذله من جهاد في سبيل بث الوعي في الأمة الإسلامية العربية

  7. اعتاد العرب والسنة على ترديد: أن ما بين أمريكا وإيران لعبة !
    انتهى
    وكأن عالم السياسة يجري بين أطفال، وليس للمصالح فيه أي مكان.
    أي دولتين لابد أن تحكم مصالحها بواحدة من ثلاث: إما الصداقة أو العداء أو المصالح المشتركة مهما كانت العلاقة (صداقة أو عداء) وبالتالي فإن الاختلاف حول حقيقة العلاقة بين أمريكا وإيران.
    وبغض النظر عما كانت عليه العلاقة زمن الشاه أو بعد مجيء الخميني الدجال، فإن العلاقة بين أمريكا وإيران وصلت إلى مفترق طرق وأمريكا جادة بتحجيم دور إيران في المنطقة – إن لم يكن تغيير نظامها- فأمريكا لم تأت للعراق ولم تتواجد في المنطقة منذ عشرات السنين إلا لتحمي مصالحها وتدافع عنها حتى لو وصل للتصادم مع إيران مع أن إيران أذل وأحقر من تصدم بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى