مقتل سعيد بن جبير .. هذه المسرحية الشعوبية
د. طه حامد الدليمي
اختلق الشعوبيون لسعيد بن جبير بين السنة مقتلاً كمقتل الحسين بين الشيعة.
عقل سني لماح، كل ما يحتاجه المتأمل ليدرك أن (مقتل سعيد بن جبير) هو (المقتل السني) للحسين، صنّعه الفرس على أعينهم وتلقاه المغفلون على آذانهم!
إن إحدى أشهر مسرحيات التاريخ الشعوبي التي تشكلت عليها الثقافة الإسلامية السائدة، مسرحية (مقتل سعيد). ولقد كانت العاطفة – وليس قاعدة (فتبينوا)، ولا (المسؤولية العقلية) القائمة على الأركان الثلاثة (السمع والبصر والفؤاد) – هي الحاكم الحاضر أمام النص المسرحي المحبوك المسبوك. هذا النص الذي ما ترك منبراً للخطابة ولا كتاباً في التاريخ أو الوعظ أو الأدب أو الطرائف إلا ودخله. اليوم وأنا أتصفح بعض مواقع الشبكة لأتزود ببعض المعلومات برز أمامي مقال في صحيفة (الخليج) الإماراتية بعنوان (سعيد بن جبير .. قتيل الحجاج وقاتله)! والمقال مليء بالمغالطات من عنوانه حتى أخر كلمة في مضمونه. سعيد بن جبير – بغض النظر عن شخصيته، وسواء كان قتله على يد الحجاج أم غيره – هو قتيل الشرع والقانون أولاً. والحجاج لم يكن قتيل سعيد، بل توفاه الله تعالى ومات ميتة طبيعية، لا كما جاء في هذيان تلك المسرحية التي لولا (بلدوزر) الإعلام الشعوبي ما علمها من أحد.
مسرحية عالم وطاغية
دخل سعيد عالم المسرح حقيقة وواقعاً؛ فألف د. يوسف القرضاوي سنة 1949 مسرحية (عالم وطاغية) من ثلاثة فصول، طالما مثلت على خشب مسارح الإسلاميين ومساجدهم.
قبل أن أعرف شيئاً عن الخلفية التاريخية والظروف الخاصة التي أحاطت تأليفها، عرضتها للتحليل النفسي فاستنتجت أن وراءها سبباً نفسياً عاطفياً؛ فالاضطهاد والتعذيب الذي طال الإخوان يجعلهم يبحثون عن شخصية تاريخية يتماهون بها؛ فكأن سعيد بن جبير هو الإخواني المضطهد، وكأن الحجاج بن يوسف هو جمال عبد الناصر.
وحين بحثت عنها بعد حين في شبكة المعلومات وجدت هذه النتيجة التي خرجت بها من خلال التحليل معلومة جاهزة صرح بها مؤلفها د. القرضاوي نفسه فقال في تقديمه لها: (فى معتقل “هاكستيب” فى الصحراء كنت أقرأ فى كتب الأدب والتاريخ، فكان مما راقنى وأثر فى نفسي موقف سعيد بن جبير العالم الفقيه الشجاع من الطاغية المتجبر الحجاج بن يوسف. لهذا رأيت قصة سعيد مع الحجاج صالحة لأن تكون مسرحية ذات هدف ورسالة. وخاصة أننا كنا نصارع طغيان الحجاج، فما أحوجنا الى مواقف كموقف سعيد! وكتبت المسرحية، ومثلت فى معتقل الطور. واليوم يعيد التاريخ نفسه، وتتكرر المأساة، ويتجدد الطغيان والاضطهاد لحملة الدعوة الاسلامية، ولكن بصورة أعنف وأقسى، وأشد ضراوة ووحشية. وتبرز مواقف كمواقف سعيد فى مواجهة طغيان أخبث وأعتى وأشد كفراً من طغيان الحجاج. ومن هنا وجدت الدافع الذى دفعنى الى كتابتها بالأمس، لا يزال قائماً اليوم. بل هو أقوى. وبدأت أكتبها من جديد، مستلهما تاريخ تلك الحقبة الغنية بالبطولات والمواقف الرائعة الى جوار ما حفلت به من مظالم، وما طفحت به من تجبر وطغيان، ومستهدياً بشخصية سعيد بن جبير، وما عرف به من علم وايمان وشجاعة وثبات، سجلتها لنا كتب الأدب والتاريخ والرجال).
هذا هو السر الكامن خلف تفاعل الإخوان المسلمين وأمثالهم، ممن اضطهدوا حقاً، أو يعانون من عقدة الاضطهاد وهماً، مع تلك المسرحية بشغف، وحرصوا على نشرها في كل صقع سواء بالتمثيل أو الخطابة أو الكتابة.
لقطة من مسرحية مقتل سعيد
وإليكم أحد نصوص الحوار الذي دار فيها بين الحجاج وسعيد:
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير
الحجاج: بل شقي بن كسير
سعيد: أبي كان أعلم باسمي منك
الحجاج: لقد شقيت وشقي أبوك
سعيد: الغيب إنما يعلمه غيرك
الحجاج: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى
سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك ما اتخذت إلهاً غيرك
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل
الحجاج: فاختر أي قتلة تريد أن أقتلك
سعيد: بل اختر يا شقي لنفسك، فواللّه ما تقتلني اليوم بقتلة إلا قتلتك في الآخرة بمثلها. وإنني أعوذ منك بما عاذت مريم بنت عمران بالرحمن إن كنت تقياً
الحجاج : لأقتلنك
فأمر به الحجاج فأخرج ليقتل. فلما ولى ضحك، فأمر الحجاج برده، وسأله عن ضحكه، فقال: عجبت من جراءتك على اللّه وحلم الله عنك. فلما ذهب به للقتل قال دعوني أصلي ركعتين.
قال الحجاج : وجهوا به القبلة واقتلوه.
فلما فعلوا به ذلك قال سعيد: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)
قال الحجاج: حولوا وجهه عن القبلة
فحولوا وجهه لقبلة النصارى. فلما وجه قال سعيد بن جبير: (فأينما تولوا فثم وجه الله). فلما كبَّ لوجهه قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الحجاج غير مؤمن بالله. ثم قال: اللهم لا تسلط الحجاج على أحد يقتله من بعدي.
قال رجل من حرس الحجاج أن سعيد بن جبير لما سقط رأسه إلى الأرض قال: لا إله إلا الله ثلاث مرات، قال مرتين كلاماً بينا وقال الثالثة بلسان منكسر. إ.هـ.
مسرحية باطلة متناً وسنداً
تعرض هذا النص إلى زيادات كثيرة عجيبة، بالضبط كما تعرض مقتل الحسين! وأنا اخترت أخفها وأخصرها. والعقلية الخرافية الميثولوجية التي تتميز بها العقلية الفارسية واضحة على النص، وأحد شواهدها ما جاء في خاتمتها من أن رأساً مقطوعاً ينطق بالشهادة ثلاث مرات! ومثل هذه العجائب لا يمكن قبولها إلا بسند صحيح متواتر، وليس من صنف أسانيد الآحاد، وإلا كانت عقولنا مرتعاً للخرافة. فالفرق بين الكرامة والخرافة قوة ثبوتها.
فكيف وتلك المسرحية الهزلية فاقدة للسند الصحيح من الأصل، بل رواها مرة كذاب هو أبو مقاتل السمرقندي، ومجهول مرة هو إبراهيم بن يزيد الصفار!
قال الذهبي (سير اعلام النبلاء 4/332): هذه حِكاية منْكَرَة، غير صحيحة. رواها أبو نعيم فِي (الحلية). واستند الذهبي وغيره من المحققين في تكذيبها إلى كذب وضعف رواتها.
إن هذه الرواية بطولها في سندها أبو مقاتل السمرقندي حفص بن سلم: قال الذهبي في (المغني في الضعفاء): أبو مقاتل السمرقندي حفص بن سلم أحد المتروكين. وذكره برهان الدين الحلبي في (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) فقال: حَفْص بن سَالم أَبُو مقَاتل السَّمرقَنْدِي قَالَ السُّلَيْمَانِي: حَفْص بن سَالم الْفَزارِيّ صَاحب كتاب الْعَالم والمتعلم فِي عداد من يضع الحَدِيث. ورويت من طريق غيره وفيها مجهول هو إبراهيم بن يزيد الصفار.
وقال الحافظ ابن كثير في ترجمة سعيد بن جبير (البداية والنهاية 9/104): وقد ذكرنا صفة مقتله إياه، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله أكثرها لا تصح.
والآن أجبني: هل كان قبول الجمهور: عامة ونخبة لهذه المسرحية وأمثالها طبقاً لقواعد الشرع ومنطق العقل؟ أم تبعاً للتاريخ الذي كتبه الشعوبيون، وانسياقاً وراء العاطفة التي ركب هؤلاء موجتها ليغزوا عقولنا ويشكلوا ثقافتنا حسب ما يريدون ويشتهون؟
2019/1/18
د.طه.حفظك الله
يشهد الله انني احبك في الله ومن محبين التاريخ ولي ملاحظات كثيرة ولكن منذ متابعتك استفدت الكثير الكثير.
اسال الله لك الرشاد ولجميع امة محمد.
كانت هذه الرواية حقيقة في مخيلتي حتى قرأت مقالك وانت عندي ثقة لا يماثلها ثقة اقتنعت بما تقول وعرفت من خلف الرواية اشكرك من الاعماق وادعو الله لك بالتوفيق يا اسد السنة
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
لقد شد انتباهي إقامة مدينة الناصرية في العراق عيدا شيعيا عالميا لإحياء ذكري مقتل احد موالي آل البيت سعيد بن جبير على يد عدو آل البيت الحجاج بن يوسف الثقفي ,
وعندما قرات سيرة سعيد بن جير كما هي على هذا الموقع الشيعي , وجدت غرابة شديدة بين سيرة سعيد بن جبير وبين ما يلصقون به من حب آل البيت ! فأعدت القراءة مرارا وأصل إلى النتيجة , أن سعيد بن جبير خارجي ناصبي يكفر علي بن أبي طالب رض الله وعنه ويصر على رفض الشهادة له أنه من أهل الجنة , بل وقدم عنقه للحجاج يقطعها , ثباتا من سعيد بن جبير على عقيدته عقيدة الخوارج أن عثمان وعلي رضي الله عنهما كفار من أهل النار !!!!!!!!!!
عندما أثرت المؤرخين على تويترTwitter قام موقع الناصرية بتعديل الحوار بين سعيد بن جبير والحجاج فحذف سؤال الحجاج له عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وأبقي باقي الحوار الدامغ لسعيد بن جبير انه خارجي وعدو لدود لعثمان وعلي رضي الله عنهما !
فبحثت عن حوار مقتل سعيد بن جبير في مصادر شتى فوجدته متقاربا ويحمل النتيجة ذاتها .
بل إن المؤرخ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية يحمل إثم قتلى الحجاج رحمه الله في رقاب القراء الخوارج لأنهم سوغوا للناس الفتنه في عاطفة دينية ! وطبعا على رأس هؤلاء القراء سعيد بن جبير الذي لا تزال أقواله شاهدة عليه .
وما أكثر المسرحيات التي كتبتها الأقلام السنية نقلاً عن الأفواه الشيعية، ليعيد السنة والشيعة تمثيلها في الواقع ولكن كل حسب ما يفيده.
جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل على ما تقدم وتصحح كي تصح به العقول.
كل يوم ازداد يقيناً انك تمنحنا مفاتيح لمعرفة التاريخ فاصبحنا بفضل الله ثم كتاباتك نميّز بين ما هو دخيل وماهو اصيل.
على كل انسان يريد ان يفهم التاريخ الحقيقي لدولة الاسلامية عليه ان يتابع دكتور طه الدليمي ويتدبر محاظراته في التاريخ اسأل الله ان يحفظه ويسدد خطاه تعلمنا منه الكثير ….
احبكم في الله يا شيخنا الحبيب ،لا اعرف مدى صحة القول( يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد أمر هذه الامة) فانت يا شيخ طه الامام المجدد لهذه الامة. المجدد للكثير من المفاهيم الخاطئة والغير قابلة للنقاش في اوساط اهل السنة ،، بفضل الله ثم بفضل كتاباتك القيّمة اصبح لدينا مناعة لكل ما هو مدسوس على تأريخنا الاصيل وقد تنبّهنا بأن هناك دولة عميقة للفرس كان هدفها نخر الاسلام من الداخل بعد عجزوا عن مواجهته بالسيف وقد نجحت هذه الدولة العميقة بتأسيس دين جديد قائم على الشرك والخرافات لتشويه صورة الاسلام الحقيقي ، ونجحوا أيضاً بتوجيه اقلام اهل السنة لكتابة ما يريدونه هم وقد تحقق لهم ما أرادوا للأسف ، ندعوا الله ان يوفقكم في مشروعكم العظيم وان يحفظكم من كل شر .
سعيد بن جبير خارجي شعوبي.. يكفر الصحابة الكرام بنص روايتهم هذه عند سؤال سيدنا الحجاج عن الخلفاء.. فلم يشهد لهم الحجاج بالجنة وهذا ديدن الخوارج في تكفير الصحابة وكذلك بقية القطيع من الموتورين امثال الحسن البصري وغيرهم ممن اُطلق عليهم لقب تابعي! وهو خارجي.. جزاكم الله خير دكتورنا الغالي.