مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

كلهم مقتدى .. لا أستثني أحدا /الحلقة الأولى

 

imسسages

د. طه حامد الدليمي

في حلقات ثلاث سأستعرض سريعاً أبرز الأسماء التي انخدع بها أهل السنة، مع شواهد عابرة مما تهيأ تحت اليد، وكان تحت دائرة النظر. تثبت حقيقتهم التي هم عليها، ومدى الوهم الذي يغزو تصوراتنا (الطيبة) عن (اعتدالهم) و(وطنيتهم). وأظن الموضوع يستحق تأليف كتاب مختص، يستقصي الأسماء والأدلة المتعلقة بكل اسم منها. أما أنا فيكفيني في هذا المقام مثل الذي قد كفاني يوم كتبت أول السطور والشواهد عن مقتدى وزمرته، قبل انكشاف حقيقته، في كتاب (إلى متى نخدع؟ إلى متى نُخادع؟) في نيسان 2005. ثم أثبتت الأيام للجميع أن تلك الشواهد كانت كافية لأن تكون أدلة دامغة لو كانوا قليلاً عندها يتوقفون. والذي صدق في الأولى يوم كان الناس لا يريدون التصديق، يصدق في الآخرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

محمد مهدي الخالصي (1888-1963م)

imثثs من هؤلاء (الوطنيين) (المعتدلين) الشيخ جواد الخالصي. ولا أريد ذكره قبل أبيه. فإن الشجرة تتغذى من جذورها. ومن قرأ الجذور سهل عليه قراءة ما على سطح الأرض.

أما أبوه فمحمد مهدي الخالصي.. الذي خدع الكثير من علماء وعامة أهل السنة – خاصة المجتمع البغدادي الطيب – بدعاواه الرنانة عن التقريب، وتمثيلياته التي كان يجريها بين مرقدي الكاظم وأبي حنيفة، واعتبر – في أواسط القرن الماضي – كبير دعاة التقريب والتلاحم بين أهل السنة والشيعة! بينما هو لا يختلف عن أمثاله من علماء الشيعة. يتظاهر بأمر، ويبطن خلافه. وقد تولى فضحه في حينها الأستاذ الكبير محمود الملاح رحمه الله. ويكفيني أن أنقل عنه عقيدته في (المهدي) لمناسبتها الحديث عن العصابات المنتسبة إليه، وكيف أنه يعتقد فيه العقيدة الوحشية نفسها. فيا لسعادة الوطنيين!

تناول الأستاذ الملاح كتاباً للخالصي هذا اسمه (البرهان الجلي على إيمان زيد بن علي) فذكر أنه جاء في آخر ص54 منه ما يلي: ” والذي يأخذ بثارات أهل البيت، المنتظر محمد بن الحسن العسكري. فيفرح بظهوره عامة المسلمين في شرق الأرض وغربها ” . وعلق الملاح على هذا النص بقوله: “ولم أفهم معنى لهذا الكلام لأن الذين اعتدوا على آل البيت بادوا. والمهدي لا بد أن يلتزم الشريعة. ولم يرد ما يدل على نسخها في عهده. فإن قدر للشريعة الإسلامية أن تنسخ في عهد المهدي، وانتقم من الأولاد بما فعل الأجداد – كما ورد في كتب الملل – فسيكون أهل العراق أوفر نصيباً من أهل الشام ! والحكم لله الملك العلام”([1]).

وما تخوف منه الملاح قبل أكثر من نصف قرن من الزمان بناء على عقيدة الخالصي في المهدي هو الواقع نصاً في العراق اليوم!

وانظر إلى عقيدة هذا (الوطني) (المعتدل) في خيرة الأصحاب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! إذ يقول: “وان قالوا أن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نص الله على الرضى عنهم في القرآن: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، قلنا: لو قال: (لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة) أو (عن الذين بايعوك) لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايعه، ولكن لما قال (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك) فلا دلالة فيه على الرضا إلا عمن محض الإيمان”([2]).

وقد ذكر الأستاذ الملاح تهجم الخالصي على الشيخين رضي الله عنهما من خلال كتاب نشره اسمه (الرحلة المقدسة)، فيه أدعية تقال عندهم في الحج عند الوقوف على قبور بعض المدفونين في البقيع من أهل بيت علي، يتبرأ فيها من الصديق والفاروق مكنياً عنهما برمز (الجبت) و (الطاغوت)، ومخاطباً فاطمة رضي الله عنها بمثل: ” يا مظلومة! يا مكلومة! يا مضطهدة”([3]). !

وأخيراً اقرأ هذا النص الذي لا يخرج إلا من فم (وطني) (عروبي) إلى حد العظم! يقول الخالصي هذا: (لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد ان أتعرض لعذاب الله وسخطه بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمه الكتاب والسنة، والإطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد والأحاديث المتواترة عن النبي. وغاية ما كنت أكتبه وأقوله هو ان كتاب الله وسنته لم تذكر الصحابة بخير، ولا تدل على فضل لهم لأنهم صحابة)([4])!.

وألف كتاباً بعنوان “الاعتصام بحبل الله” يدعو فيه إلى وحدة المسلمين، ولكنه في الوقت نفسه يقول فيه: “إن الأئمة الاثني عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله الأعمال من العباد الا بولايتهم”([5]). وفي نص آخر يطالب أهل السنة بالاتحاد معه على ذم عائشة أم المؤمنين وخيار الصحابة، ثم يقول: ( فإن أبوا رجعنا الى التقية حذراً من الفرقة وحرصاً على اتحاد الكلمة..)([6]).

هؤلاء هم دعاة الاعتدال والناعقون بشعارات الوحدة الوطنية في أوطاننا المنكوبة بنا قبل غيرنا!!

 

جواد الخالصي

iييs وهذا الشبل من ذاك الأسد. على منواله ينسج، وخطواته يسير. التقيته في رحلة الحج عام 1427. ودار بيننا حوار وجدال ألخصه فيما يلي: قلت له: إذا كنتم جادين في دعواكم لتوحيد الصف ووأد الفتنة، فكونوا صرحاء حتى يثق بكم الجمهور. اتركوا العزف على ربابة ” لا فرق بين السنة والشيعة “. أخرجوا المسألة من الإطار الديني، واحصروها في إطارها السياسي. لقد اختلف الحال عما هو عليه قبل خمسين عاماً. الزمان زمان ثورة المعلومات وشبكة الإنترنت، والحواسيب، والفضائيات، والإذاعات. والكتب والصحف والنشريات، تجدها مبذولة على أرصفة الطرقات! لم يعد شيء خافياً على أحد. الكل يعرف أن هناك دينين، لا مذهبين. والخلاف وصل إلى حد القتل، والقتل المتبادل. كيف ” لا فرق ” وأنتم تؤمنون بـ(الإمامة) أصلاً تكفروننا على أساسه؟ قال: نحن نعتقد أنكم مسلمون. قلت: نعم. ولكن هذا بحسب الظاهر كإسلام المنافقين. أما في الحقيقة فلسنا في اعتقادكم مؤمنين، بل كافرون لا ننجو يوم القيامة، وإنما سندخل النار خالدين مخلدين.

حاول إنكار هذا الكلام مطالباً إياي بإثباتاته من مصادره. فذكرت له بعضها. وأردفت: محمد حسين فضل الله أبرز من يتظاهر بالتقريب، يُسأل عن التعبد بمذاهب أهل السنة؟ فيجيب بعدم قبول العمل بغير المذهب الشيعي. قال: أين ذكر ذلك؟ قلت: في كتابه (مسائل اعتقادية). فقال: لا أعرف هذا. وسأتحقق من الأمر. قلت: والخوئي يستبيح مال الناصب أينما وجد؟ قال: أين؟ قلت: في كتابه (منهاج الصالحين). قال: مال الناصب، وليس السني. قلت: لا فرق عندكم بين الناصب والسني. فهو لقب تلجأون إليه عند الحاجة للتورية. ولكم في إثبات كون الناصب هو السني بلا فرق مؤلفات. قال: مثلاً؟ قلت: كتاب (الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب) للشيخ يوسف البحراني، وهو في مجلدين كبيرين، وقد طبع في إيران قبل سنوات قليلة. فتظاهر بعدم معرفته!

قلت: فما تقول بتكفير الخوئي لكل مخالف، وهو – حسب تعريفه – كل من أنكر (إمامة) ولو واحد من (الأئمة) الاثني عشر؟ قال: أين هذا الذي تقوله عنه؟ قلت: في كتاب (مصباح الفقاهة). فتظاهر – كالعادة – بعدم اطلاعه على ما أقول! وهو تهرب واضح. قلت: فكونوا واضحين حتى نصدقكم. فضحك وهو يقول: كلامك هذا خير ورقة بيد الطائفية.

وهكذا تراهم عند الإحراج يلوذون خلف هذه العبارات الدعائية واللافتات الإعلامية. أفيكون المراوغة والتلاعب بالألفاظ والمواقف قريناً للاعتدال والوطنية؟

وذهلت حين تطرقت إلى الكليني وقوله بالتحريف طبقاً للروايات الصريحة التي رواها في كتابه (الكافي) معتقداً بصحتها. قلت: وهذا يرفع عنه الثقة، لأن اعتقاد التحريف كفر، ومعتقده كافر. فهل أنتم مستعدون لتكفير هؤلاء العلماء؟ فاحتج عليّ قائلاً: ولماذا نكفر من يقول بالتحريف؟

……………………………………………………………………………………………….

  1.  الوحدة الإسلامية بين الأخذ والرد، ص 403- 404 ، محمود الملاح.
  2.  إحياء الشريعة في مذهب الشيعة، 1/86 ، محمد مهدي الخالصي، وذكرها الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري في كتابه (أصول مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية عرض ونقد)، ص701، مقتبساً من المصدر المذكور، 1/63-64. واختلاف الأرقام بسبب اختلاف الطبعات.
  3.  الوحدة الإسلامية بين الأخذ والرد ، ص272،283..
  4.  أصول مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية عرض ونقد ، 492 ، الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري. وذكر القفاري أن هذا النص ورد في رسالة من الخالصي إلى الشيخ محمد بهجة البيطار في تاريخ 26 ربيع الأول سنة 1382هـ ، وأحال النص إلى كتاب البيطار (رسالة الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة) ، ص6 . أما كتاب القفاري فرسالة دكتوراه ، ونصوصها موثقة على أعلى درجات التوثيق . وتستطيع أن تدرك مدى موثوقية الباحث من خلال تجشمه الرحلة – كما جاء في مقدمة كتابه – إلى مصر والعراق وباكستان والكويت والبحرين ، كل ذلك من أجل أن ينقل من المصادر الشيعية مباشرة .
  5.  الاعتصام، ص43، نقلاً عن كتاب أصول مذهب الشيعة، ص492، د. ناصر القفاري.
  6.  الإسلام سبيل السعادة والسلام ، 90 ، نقلاً عن كتاب مسالة التقريب بين أهل السنة والشيعة 2/210 ، الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري .

 

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. من طريف ما حدث معي مع سائق تكسي من كريلاء ركبته معه في عودتي من بغداد ومن عادتي أنني اطبق أزرار القميص العلوية فنظر لي مغضبا قائلا لي:_ … واد فغضبت منه وقلت ايش هذا الكلام ياحجي قال الست من حزب الدعوة قلت له لا قال هؤلاء قواويد ثم بدأ يعد الأحزاب السياسية الشيعية والعمائم وكلها يصفها بهذا الوصف حتى هجا نفسه بالقوادة لأنه سيد من كربلاء قلت له لا فرق بيننا نحن اولاد عشائر خوفا منه فقال لي انت سني بس اقلك انت…. واااااد واي سني يقول لا فرق هو قواد لأن انا ضابط في زمن صدام وتاسرت في ايران وعرفت حقيقة فسادهم

  2. المضحك المبكي هنا , ان الخالصي كان يلعب في عقول شيوخ سنة بغداد بين مرقدي موسى الكاظم وقبر بي حنيفة النعمان. وهو يعلم ان هؤلاء الشيوخ مشلولين عقليا لأنهم يعتقدون أن أبا حنيفة النعمان إماما لأهل السنة والجماعة. والخالصي الخبيث يعلم أن أبا حنيفة خير من خدم ابا مجرم الخراساني في قتل مليون رجل دولة عربي في أخبث انقلاب دموي لإقامة ما سمي بالخلافة العباسية. لأقد أثبت الإمام مالك لأبي جعفر المنصور ان أخبث مولودين في الإسلام ابو مسلم الخراساني وابو حنيفة النعمان , فقام ابو جعفر المنصور بقتل أبي مجرم الخراساني , وقام بسجن أبي حنيفة النعمان متلبسا بالزندقة: القول بخلق القرآن والإفتاء من رأسه على هواه , سجنه لاستتابته , وبقي في السجن بلا توبة فمات زنديقا. لذلك جقد المجوس على ابي جعفر المنصور. سيبدأ العقل يشتغل شيئا فشيئا في قلوب شيوخ السنة في العراق ومصر خاصة وفي سائر بلاد المسلمين عامة عندما يدركون ان ابا حنيفة هو من المؤسسين الحقيقيين لدول المجوس الشيعية.

  3. لقد قلتها منذ زمن ورددتها كثيراً؛ كي يسمعها أهل السُنّة فلا ينخدعوا بها.
    ولكن أهل السنة أبوا إلا أن ينخدعوا في كل مرة من قبل الشخصيات الشيعية التي تختلف في أدوارها، فمرة مقتدى ومرة الخالصي وهلم جراً والقافلة تطول …

  4. عندما أتذكر هذه الكلمة: (كلهم مقتدى لا أستثني أحداً) أتذكر حصان طروادة الذي يتكرر ويتغير في كل مرة يدخل بها حصوننا فالحصان هو الحصان لكن شكله ودوره هو الذي يتغير فمقتدى هو الخالصي وهو البغدادي والحكيم لكن الأدوار تختلف كما يختلف نوع الحصان الذي سيدخل الحصن.

اترك رداً على ابوعبدالإله إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى