مقالات الدكتور طه الدليمي

سعيد بن جبير .. والاستثمار الفارسي

د. طه حامد الدليمي

سعيد

مَن دقَّ الخازوق في مؤخرة مَن ؟

كتب الباحثون عن أنواع من الذكاء منها: الذكاء العاطفي، والذكاء الاجتماعي، والذكاء اللغوي، وحتى الاقتصادي. وأود أن أتحدث قليلاً عن (الذكاء التاريخي)، وأقصد به استثمار التاريخ خدمة لمقاصد بعيدة: إيجاباً أو سلباً.

لقد كان الشيعة أذكى من السنة في موضوع التاريخ؛ وذلك من وجوه عديدة، منها:

كان الشيعة هم رواة التاريخ، والسنة كتبتَــه. والدليل أن أشهر كتاب في السيرة (سيرة ابن هشام)، رواه شيعي قدري هو ابن إسحاق. وأشهر كتاب في التاريخ (تاريخ الطبري) رواه (فيما يتعلق بالفتنة بين الصحابة وصراعات العصر الأموي) شيعي محترق كذاب هو أبو مخنف لوط بن يحيى، وكتبه سني هو محمد بن جرير الطبري. (تاريخنا يد سنية وشفة شيعية)!

نجاح الشيعة في تصدير أكاذيبهم التاريخية إلى النسيج الفكري والثقافي للمجتمع الإسلامي، وهو مجتمع سني بامتياز. وقد نتج عن ذلك تبني مواقف فكرية وعملية تخدم الشيعة وغاياتهم بتلقائية وسلاسة دون وعي من السنة بما يفعلون.

نجاح الشيعة في تطويع الثقافة السنية وجعلها ثقافة أقرب إلى الشعوبية منها إلى الثقافة الإسلامية في مفاصل فكرية عديدة مهدت لأمرين خطيرين: تقبل انتشار التشيع في الوسط السني فكراً وديناً، وتقبل وجود الشيعة بين السنة. على العكس من موقف الشيعة من السنة فكراً وديناً ووجوداً إلا مرغمين (الجنوب العراقي وإيران مثال واضح). وهذا مهد لما هو أخطر: سيطرة الشيعة على السنة سياسياً وعسكرياً وقتلهم وتشريدهم واغتصاب حقوقهم وأعراضهم والتحكم بمصيرهم.

طغى على السنة التجريدية في الكتابة والبحث أكثر من الغائية. وهذا نوع من الغفلة والاستغال. بينما كتب الشيعة التاريخ ورووه وليس في بالهم سوى تطويع الحدث والرواية لغايات مرسومة مسبقاً بصرف النظر عن الحق والحقيقة. وهذا ذكاء وتذاكٍ، وإن كان خبثاً ووطاءة ودناءة.

الاستثمار الشيعي في سعيد بن جبير

ببب

أول شيء يلفت النظر في موقف الشيعة من سعيد بن جبير هو تعظيمهم له، وروايتهم الأعاجيب في ذلك. ولم يقفوا عند هذا الحد بل اختلقوا له قبراً في واسط من العراق وبنوا عليه مرقداً ببَنِية كبيرة اتخذوها مزاراً؛ وذلك حتى يجعلوا من التاريخ شيئاً حاضراً ماثلاً أمام أنظار الناس يسوق نفسه بنفسه، ويسوقهم إلى الغاية التي يتطلبونها من ورائه. وقد جددوا المزار وصنعوا له شباكاً جديداً في احتفال كبير حضره أعضاء الحكومة في واسط وممثل الأمين العام للمزارات الشيعية، ورجال الدين. وذلك في يوم 8/7/2013. بينما كان السنة يهايطون على الطرقات وفي الساحات يبسطون الموائد ويطلقون الهتافات التي انتهت إلى كارثة أتت عليهم فلم تبق لهم شيئاً.

والآن تفضل معي إلى هذه المفارقة!

هل تعلم أن سعيد بن جبير هو كافر عند الشيعة حسبما تقضي به أصولهم. وذلك لسببين جوهريين أصوليين، هما:

1. بيعة سعيد كانت لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وليس لعلي بن الحسين إمام زمانه طبقاً لمعتقد الشيعة. وهذا كفر عندهم بلا أدنى نقاش. وتفضل إلى هذه المفارقة!

2. هل تعرف من هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث؟! إذن اقرأ ما يلي:

في (صحيح تاريخ الطبري:4/66) للمحقق الدكتور محمد بن طاهر البرزنجي: فخرج مسلم (أي ابن عقيل) فدخل داراً من دور كندة، فجاء رجل إلى محمد بن الأشعث، وهو جالس إلى ابن زياد، فسارّه فقال له: إن مسلماً في دار فلان. فقال ابن زياد: ما قال لك؟ قال: إن مسلماً في دار فلان. قال ابن زياد لرجلين: انطلقا فأتياني به.إ.هـ.

وفي (مقاتل الطالبيين:101) لأبي فرج الأصفهاني – وهو معتمد عند الشيعة – أن الرجل الذي أسر لمحمد بن الأشعث هو ابنه عبد الرحمن. قال الأصفهاني: وأقبل محمد بن الأشعث فقال (عبيد الله بن زياد): مرحباً بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه. وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة. وألقي القبض على مسلم بن عقيل وقتل.إ.هـ.

هذا هو عبد الرحمن بن الأشعث، الذي بايعه سعيد بن جبير! وللقارئ أن يحكم ويفكر ويتدبر ويستنتج السر الكامن وراء تعظيم قادة الشيعة وأساطينهم لابن جبير! ليس سعيداً فحسب هو من عظمه أساطين الشيعة رغم كفره عندهم، بل كثيرون. ومن مشاهيرهم المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي جعلوه لقباً لنوري المالكي، واسماً لإحدى كبريات مليشياتهم الإجرامية بقيادة المعتوه واثق البطاط!

الاستثمار الساذج لدى السنة لأطروحة سعيد بن جبير

تعامل السنة مع التاريخ كمادة بحثية مجردة، ولم يرتقوا به إلى مستوى الاستفادة منه في صناعة حاضر يبني مستقبلاً زاهراً منيعاً. رغم أن البعض فعل ذلك، لكن بقيت ثمار جهده محصورة في أروقة الجامعات، ومجالس النخب، ولم يخرجوا به إلى الجمهور وميدانه الفسيح ليصنعوا ثقافة جماهيرية سليمة فاعلة.

ولو بقي الأمر محصوراً في هذا النطاق لهان الأمر. إنما طرحوا سعيداً بصورة مشوهة ساذجة تهدم حاضرهم بعد أن شوهوا بها تاريخهم وأساءوا بها إلى عظمائهم، وفي طليعتهم الحجاج بن يوسف الثقفي. هذا إن لم يشملوا بالإساءة تاريخ الدولة الأموية كله!

أطروحة سعيد بن جبير في تراثنا مثال للثائر الذي يحتذى، ينظر إليه الشباب فيقلدونه فيثورون فيدمرون أوطانهم ويخربون بلدانهم. بينما سعيد في الحقيقة – بصرف النظر عن علمه – نقض بيعة خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان، وهو أحد أبرز عظماء ثلاثة في تاريخ الدولة الأموية: معاوية وعبد الملك وهشام رضي الله عنهم أجمعين. وبايع رجلاً هو عبد الرحمن بن الأشعث، الذي قاد جيشاً عظيماً لم يعد مثله في تاريخ الإسلام إلى حينه، ومن عظمته وحسن تجهيزه سمي (جيش الطواويس)، أعد لفتح الهند، وكان سعيد – وبأمر الحجاج الذي كان مقرباً منه – على ميرة ذلك الجيش. فإذا بابن الأشعث ينقلب على عقبيه وبفتوى من سعيد، ويعلن نفسه خليفة، ويجتاح المدن في طريقه محارباً من خراسان حتى البصرة، ثم دخل الكوفة متهيئاً لغزو دمشق. واستمرت المعارك بينه وبين الحجاج سجالاً ثلاث سنين كلفت الأمة ألوفاً من الأرواح على لا شيء، عدا الخسائر في الأموال وخسارة الهدف وهو فتح الهند، وإشغال الدولة وإرعاب الناس.

الحقيقة أنا لا أجد تفسيراً لموقف سعيد اللامعقول بكل المقاييس؛ فلا الفتنة بالخروج على الخليفة جائزة بحكم الشرع، ولا إزهاق أرواح الناس وضرب الدولة ببعضها يقدم عليه من يضع في حسابه عاقبة الأمر من الكوارث التي تصيب الأسر، وضعف الدولة، وتعطل الفتوح. هذا مع قرب التجارب المرة عن المعارك والمقاتل التي اقترفت بمقتل الخليفة عثمان وما جرى من بعده. ولم يكن ابن الأشعث خيراً من عبد الملك! ولا من ضمان بخيرية عهده على عهد من سبقه. ثم من وراء ذلك يأتي حساب الله جل في علاه!

والآن قل لي: من كان أذكى في استثمار التاريخ: الشيعة أم السنة؟ ومن منهما ركب ظهر من فعبر عليه بعد أن دق الخازوق في مؤخرته؟

31/1/2019

 

 

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. نعم هم تسلقوا وتألقوا بعد ما تملقوا والمشكلة الكبرى في من يسمع ويبلع وأقصد أهل السنة الذين أصبحوا بلا جماعة ولا مناعة ولا متاع بسبب ذاك العقل المباع ؟ الذي رضي لنفسه ان يكون حكواتي لمن حكى وحاك ذاك المحاك من التأريخ بيدي شذاذ الأرض من الشعوبين والمستشرقين . فمتى العود يا أمة السند الساند المساند لما يقال . ام رضيتم بالقيل والقال وهذا لعمري أدنى مقام .
    كتبه ابو عائشة الدليمي …..

  2. بل سبب قتل الحجاج بن يوسف رحمه الله ورضي عنه للسعيد بن جبير, أن الحجاج تأكد أن سعيد بن جبير لا يزال على دين الخوارج , يعتقد بكفر علي بن ابي طالب وينكر أنه من أهل الجنة. لا يزال قصة قتل الحجاج رحمه الله ورضي عنه لسعيد بن جبير في كتب التاريخ موجودة. وبقي النص الموثق لذاك عل موقع الناصرية , حتى علقت انا عليه فتنبهوا وغيروا النص.

  3. الشيعة هم اهال مكر والغدر والخديعة في كل عصر وزمان وهذا السبب الرئيسي يعود لضعف التحصين السني فمرا وثقافة ؟

  4. السلام عليكم بحثت عن برناج القادسية بموقع بتسوق الاندرويد لأشتري كتب من الموقع لاكن لم اجد البرنامج

  5. سنوات طويلة ونحن نصدق الحوار الخيالي بين سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف رحمه الله تعالى
    فعلاً الثقافة الشيعية أثرت بنا أسوأ تأثير.
    بارك الله فيك يادكتور طه.

اترك رداً على ابو عائشةالدليمي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى