مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

حذار ..! يوم أن تتحول القيادة إلى إدارة

د. طه حامد الدليمي

انظر إلى هذا القانون الكوني:

(القوة × ذراعها = المقاومة × ذراعها).

وانظر إلى هذا القانون الشرعي:

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة:194).

تأملهما جيداً. وأنت ترسم على صفحة خيالك السؤال التالي: ما العلاقة بينهما؟

 

***

قبل ما ينوف على عشر سنين قال لي أحد الوطنيين السنة: أليس ما تقوله نوعاً من الطائفية؟ فأجبته فوراً: والطائفية هي الحل.

كنت أريد أن أصدمه لعله يفيق من غيبوبته الجمعية.

نظر إلي مشدوهاً وبقي واجماً. لقد صدم حقاً!

وهنا أضفت قائلاً: حين يكون خصمك طائفياً، ولا يزيده اعتدالك إلا لجاجة في الطائفية.. تكون الطائفية المقابلة عدلاً من فرط فيه فلا يلومن إلا نفسه!

فماذا قالت الأيام بعد أكثر من عشر سنين؟ على أنها قالت قولتها مرات قبل ذلك.

 

عندما يكون معك شاهدان : القانون الكوني والقانون الشرعي

عندما يتطابق الفكر مع القانونين: الكوني والشرعي فاعلم أنك على الحق. وهذا سر تميز المشروع السني: فكراً وتطبيقاً؛ لأنه يتوافق مع سنن الله تعالى في كونه وفي شرعه.

كان آخر ما تناولناه في اللقاء السابق قانون: (القوة × ذراعها = المقاومة × ذراعها)، وكيف يمكن طبقاً لهذا القانون أن تتغلب قوة صغيرة على قوة أكبر منها أضعافاً متى ما تطرفت في موقعها بعيداً عن نقطة الوسط فطال ذراعها، ودفعت القوة المقابلة إلى أن تقترب من نقطة الوسط فيقصر ذراعها. وعلى قدر تطرف القوة وتوسط القوة المقابلة أو المقاومة يكون الخلل في ميزان القوى.

وحين حولنا هذا القانون من عالم الرياضيات والفيزياء إلى عالم الاجتماع، تبين لنا سر تغلب الأقلية الشيعية على الأغلبية السنية. لقد تطرف الشيعة إلى أقصى حد، وتوسط السنة إلى أقصى حد. فطال ذراع الشيعة من حيث قصر ذراع السنة، وأصبحت قوة السنة قريباً من الصفر؛ فاختل ميزان القوى.

إن نقطة الوسط أو الارتكاز هي النقطة التي عندها يكون طول ذراع القوة صفراً. وحين نضرب قيمة القوة التي توسطت في قيمة ذراعها – الذي يساوي صفراً – تكون النتيجة صفراً مهما بلغت تلك القيمة من مقدار. هل عرفت الآن سبب اختلال ميزان القوى بالضد من السنة في العراق والشام واليمن؟

نعم عرفت. إنه وسطية السنة في مقابل تطرف الشيعة.

ثم توصلنا بلغة الرياضيات إلى أن الحل يكون بأحد خيارين: إما أن يتطرف السنة بالقدر الذي بلغه التطرف الشيعي. أو يعود المتطرف إلى مكانه المناسب في معادلة توازن القوى. وإلا أمست الوسطية نوعاً من السذاجة، بل الخبال، وأمسى الوسطي خارج معادلة الحياة. وهو الواقع.

انظروا إلى قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة:194) وكيف عبر عن المشكلة وعلاجها.

أرأيت كيف التقى مشروعنا مع القانون الكوني والقانون الشرعي!

 

من علم النفس إلى عالم المؤسسة

في تلك الجلسة التي كانت في أوائل آذار من عام 2015 على سفح ذلك الجبل، وكان الحديث فيها عن قوانين الكون، انتقلت بالحديث من مجال القوانين التي تحكم الآفاق إلى القوانين التي تحكم النفس. وغصتُ في هذا العالم الجميل على تعقيده.

التقطت قانوناً واحداً أو ظاهرة نفسية واحدة، وخرجت بها إلى السطح وأنا أبتسم.. تلك هي ظاهرة (العقل اللاواعي والعقل الواعي)، وتحدثت عن العلاقة الرابطة بينهما. وابتسمت أكثر حين قلت: انظروا إلى المجتمع ودققوا جيداً: إن الجمهور يمثل (العقل اللاواعي) في المعادلة المجتمعية، بينما تمثل القيادة (العقل الواعي) فيها.

الجمهور يمثل شخصية المجتمع كما هو كائن. والقيادة تمثل المجتمع كما ينبغي أن يكون.

طبقوا هذا على المؤسسة  (العقل الواعي)، وفكروا في دور مؤسسة (التيار السني في العراق) المحوري: الراهن والمنتظر في قيادة الجمهور (العقل اللاواعي). واعلموا أنه حين يأخذ المشروع استحقاقه الزمني، سيكون (الكائن) بإذن الله (كما ينبغي أن يكون).

وهنا أدق جرس الإنذار!!!

 

يوم أن تتحول الطليعة القيادية إلى مجموعة إدارية

ثمت مشكلة خطيرة تنتظرنا على قارعة الطريق أيها الركب، أتدرون ما هي؟

حين يمسك بزمام المؤسسة شخوص لا يمتلكون مؤهلات القيادة. بمعنى أن المؤسسة أمست تسير خلف من (لا وعي) له. وهذه مشكلة كل المؤسسات بعد مرحلة التأسيس. وتظهر بالتدريج بعد أن يغادر القائد موقعه إلى العالم الآخر، فإن لم يخلفه من يملك مؤهلات القيادة تحولت المؤسسة القيادية إلى منظومة إدارية، ومن هنا تبدأ تداعيات التردي والزوال.

الأمريكان يقودون شعباً جاهلاً غارقاً في شهواته، لكنهم احتاطوا لهذا الوضع فوضعوا نظاماً يبقي أزمَّة الأمور بيد طليعة واعية تتداول القيادة فيما بينها بحيث تمنع الجمهور (اللاواعي) من أن يفرز مجموعة إدارية تنفيذية تتقدمه لا تمتلك مؤهلات القيادة.

متطلبات البقاء والنمو والارتقاء تفرض علينا أن نضع معادلة تجعل المؤسسة قادرة باستمرار على تخريج طلائع قيادية تحافظ على كيان المؤسسة، وتمنعها من الانزلاق إلى العمل الإداري الفاقد لتلك الطليعة القيادية. علماً أنه لا قيادة دون إدارة، لكن الإدارة تأتي في المرتبة الثانية لا الأولى في السلم التراتبي للمؤسسة. وإلا أتى عليها ذلك القانون الخطير.. قانون (طول الأمد)؛ فكان مصيرها مصير بقية المؤسسات التي انحدرت بعد جيل التأسيس من قمة القيادة إلى سفح الإدارة، وما زالت تتردى وتتدهور حتى بلغت قاع التفكك والتفسخ والفساد في طريقها إلى هاوية الفناء.

2019/3/7

اظهر المزيد

‫13 تعليقات

  1. اللهم احفظ لنا شيخنا ولا تجعلنا ممن يطول به الأمد فيقسى قلبه ويكون جامدا في هذا الكون المتحرك والصراع المؤسسي اللهيب رب ادخلنا مدخل صدق واخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا

  2. اللهم احفظ لنا شيخنا ولا تجعلنا ممن يطول به الأمد فيقسى قلبه ويكون جامدا في هذا الكون المتحرك والصراع المؤسسي اللهيب رب ادخلنا مدخل صدق واخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا

  3. وهذه هي حقيقة أصحاب المنابر فهم يعتلونها ويحسبون أنفسهم على شىء وهم أصلًا يرددون ويقولون ما يُكتب لهم، وما يؤمرون به، فيرددون ذلك التوجيه والكلام المفروض عليهم بلا وعي.
    فهم قد وقعوا باللاوعي، وجمهور (الجمعة) بلا وعي.
    إذن القيادي بلاوعي+ جمهور بلا وعي= ………
    وأضرب مثالًا طعمه يعلقم الحلق: تكررت دعوات المجمع الفقهي للسنة في نينوى والرمادي وتكريت للتبرع بالدم للحشد السيستاني، وتباهى المجمع بالأعداد الكبيرة التي تبرَّعت بالدم، وكانوا يقولون للناس: لتختلط الدماء العراقية.. ودماء أبناء الحشد دماء معصومة.
    عليه اجتَّرت عمائم هذه الكلمات وردَّدتها على المنابر بلا وعي، فكانت الاستجابة أيضًا بلا وعي!!!!
    وعليه فحتى المائة من الإبل لم يبقَ فيها راحلة.
    الراحلة عندنا في مشروع التيار السُّني.

  4. أطال الله في عمرك دكتور وانت تنعم بالصحة والعافية فعلا كما قلتم عندما يتطابق الفكر مع القانونين: الكوني والشرعي فاعلم أنك على الحق. وهذا سر تميز المشروع السني: فكراً وتطبيقاً؛ لأنه يتوافق مع سنن الله تعالى في كونه وفي شرعه.

  5. نسأل الله لنا ولكم الثبات
    وان يجعنا الله وإياكم من حملة المشروع
    وان يجعلنا وإياكم من المؤسسين لجيل سني بهوية وفكر سني
    نحن لها بأذن الله
    تحياتي لكم شيخنا الجليل

  6. كل مقالة من مقالات الدكتور هي أفكار قمة في الرقي، تجعل الواحد منا حائر في التعليق عليها، ويفكر ملياً كيف لمثل هذه الأفكار أن تكون خطوات على أرض الواقع دون مؤسسة تأخذ على عاتقها ذلك. اللهم اجعلنا ممن يصبرون على حمل المشروع وتوصيله حتى يكون بناءً شاخصاً شامخاً.

  7. حب الإنسان للقيادة هي غريزة موجودة بالفطرة وهذه لا تعيبه لكن مايحدث هو ان القيادي يريد ان يكون هو الكل بالكل ولايقبل معه اي شريك بل وتصل بهم إلى ان القائد هو نفسه القائد العسكري وهو نفسه القائد الإداري…
    هنا تكمن مصيبة القيادة لدينا. وفي هذا المقال علاجها
    جزاك الله خيرا وبارك لنا بعلمك شيخنا.

  8. في هذا المقال الثاني تكمل ذلك الجمال العظيم لتلك القاعدة الرصينة ، نستطيع أن نطلق عليها قاعدة: التكامل الكوني في التعامل مع الخصوم …
    حيث أنك تردف معها التكامل الشرعي فتزيدها نورا على نورها ..
    ومن المؤكد أن قوانين الشرع لا يمكن أن تخالف نواميس الكون لأن مُشرِعها واحد هو سبحانه وتعالى .
    وجدت في هذا المقال ثلاث أمور أساسية تبنى عليها القاعدة الأولى في المقالك الأول (على سفح جبل ..)وهي:..

    1- تسند القاعدة الأولى بقاعدة شرعية رصينة لتقويها وتعاضدها ولكي ينطلق حاملها بقوة إيمانية لا يمكن أن يصيبه شك او ريب فيما يعتقد به .
    ثانياً — قد انطلقت من علم النفس لتبني صرحاً جميلاً في تغيير المجتمع والتحكم في قواعد التوازن فيه وكيفية تغيره … وكذلك هو جواب لمن يسأل عن كيفية تعديل الخلل والتوازن المجتمعي…وهي قاعدة(العقل اللاواعي، والعقل الواعي).
    وعلاقة الربط بينهما… وكيفية تطبيقهما .
    ثالثاً: ثم تضع لافة بخط كبير تشير فيها هناك خطر ما أو مطب في الطريق قد ابتلع من مر قبلكم ثم زالوا وقذفوا من جادة الطريق لكن هذا المطب يخص هذه المرة القادة وليس الجمهور … إلا وهو :” تحول الطليعة القيادية إلى مجموعة إدارية”
    أي بمعناه العقم الفكري في القيادة … والجمود .وعدم المحافظة على الكيان…. وكما أشرت حفظك الله إلى الحذر من قانون ( طول الأمد )
    ..
    حفظك الله يا شيخنا … وامد في عمرك…. جزآك الله عنا خير الجزاء.
    🌱🌼🌱🌼🌱

اترك رداً على متابع بصمت إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى