مقالات أخرى

ثورة الشوَّاف .. سُنيِّة الثورة وتحريف التاريخ (1)

عبد الغني شيت الموصلي/منظومة الفقيه القائد/ التيار السُّني في العراق

بعد أربعة عقود تذكَّرت معلِمَنا الأُستاذ شاكر، مدرسي لمادة التاريخ في الإبتدائية، ويعادو شريط الذكريات ليتعاضد مع ذاكرتي ولْيقول لها: ها هنا خزنتِ تلك اللحظات:

كأنه أمامي الآن، وهو يُدِخل يديه في (الآسقيات) التي تحمل بنطاله على أكتافه، وكان يقتطع وقتًا من وقت الحصة الدراسية، ليحكي ويبث لنا فيه أفكارَه، متحرِّقًا على حقائق التاريخ، التي عمدت الأيادي على تحريفها، وفي الطريق ستنحرف الفهوم معها.

ما كنَّا ندرك كلماته كل الإدراك، ونحن في السادس الابتدائي، لكن كان يقول وباللهجة الموصلية: غدا هم يقولون الشوَّاف (قومجي)، ويخلوُّكم[1] تلعنون الشوَّاف!

عجبًا يا أُستاذ شاكر:

عجبًا أستاذي كيف التقت أفكارك مع أفكار التيار السُّني، والذي رفع قواعده الشيخ الدكتور طه الدليمي، فأشباهٌ عواديكم في تحرُّقكم على التاريخ.

ننتقل إلى مطلع الربيع ومرابع الموصل، إنه أوَّل عشرة من آذار- مارس 6-8، إذ تهتز الأرضُ وتربو وتنبت من كل زوج بهيج.

الموصل دفَّاقٌ دجلتها تعلوه باشطابيا ويمر بجامع مجاهد الدين.

نسماتُ هوائها تشفي -بإذن الله- العليل.

جوريُّها يحمَّرُّ ويورِد، آسُها مُدهام، تتهيء العوائل تحضِّر للسفرات والتنزه، وللذهاب إلى حمام العليل، لينشدوا:

صاح القطار صاح القطار

قومي انزلي… كن وصلنا حمام عليل.

في هذا الوقت هناك من يحمل هم القضية، ولا يخلو زمان منهم، وهم وإن نزروا وندروا لا يضرُّهم من خالفهم,

حقائق تاريخية حديثة مغيَّبة.

يتسرَّب التشيُّع إلى الموصل -أيام عبد الكريم قاسم- في أطراف المدينة ليشكل هلالًا شيعيًا خانقًا الموصل من شرقها -ودومًا الموت يأتي من الشرق- بدءًا من الحمدانية وامتدادًا لبازوايا، والتفافًا على السادة وبعويزة ليعرِّج إلى القبة والشليخان.

كذلك في كركوك تتكرَّرُ ذات التَّجرِبة، كما حدث وأسكن واستجلب (الشروكية الشعية) من الجنوب، وأقطعَ لهم مدينة كاملةً في بغداد، ليفتَّ عضد بغدادنا السُّنية.

وهذا ما فطِن له قادة عروبيون أصحاب دين من بيوت ديِّنة ورعة، فأرادوا استدراك ما بقي أمام التوسع الاستيطاني الشيعي، وعلموا يقينًا أن مشروعًا جيو سياسي وجيو عقائدي نَشِطَ في الموصل وكركوك بعد بغداد برعاية قاسمية، تظاهر عليه مكران: الشيوعية والشيعية

من روايتي: ألآمٌ وآمال

أم سيف تستأذن زوجها الأُستاذ ثابت في الذهاب لتعزية ابنة خالتها، فقد قُتِل زوجها (نايف) في شارع خالد بن الوليد وهو يتحدى صديقًا، يقول له: هذا درهم في كفي من يستطيع أن يوقعه أرضًا، وأنا ماسك به؟!

فيأتيه رجل من خلفه يقول له: إفتح فمك؛ ثم يضع مسدسًا في فمه ويُفجِّر رأسه برصاصات تنتشر في دماغه الذي صدَّر الكفر والإلحاد إلى عقله.

يتردى الدرهم من يده يدور كعجلة بعيدًا عنه، كأنه يتبرأ منه، بعد أن درَّ همًا في يد ملحد.

أُستاذ ثابت: لا يا أمَّ سيف!

أما قرأتِ: {واعتزلكم وما تعبدون من دون الله}، فمثل هذا لا يُحضر ميِّتًا وميتًا.

لقد انتشرت الشيوعية في الخمسينات وبداية الستينات، وكان المتحدي المقتول (نايف) مسؤول خلية للشيوعيين[2]، عبد المهدي[3] الشيعي هو أحدُ أفراده، ومن أهل تلعفر، فالشيعة كانو تسعة أبياتٍ فقط في تلعفر، ويومًا تأخر عبد المهدي عن اللقاءات الحزبية، فحثحث نايف الخُطا إلى تلعفر، ودخل بيت عبد المهدي، وسأل عن سبب غيابه، وكان الردُّ أنه كان في النجف، وقد مشى إليها لأربعينية الحسين.

فقال نايف الشيوعي لعبد المهدي الشيعي: عبد المهدي… أحنا حزب شيوعي لا يؤمن بإلهٍ ولا ناموس!

وأُسقط في يد عبد المهدي، بينما زوجته أم عباس تسمع من ورآء الباب، فتلج مخترقةً الباب: أخويا أستاذ نايف؛ الله به مجال، ومحمد به مجال، بس والله الحسين مات مظلوم!

فضحكت أم سيف وسيف، وعلياء، لسخف عقلها، متعجبين من كفرها.

الإسلام السياسي وقتها:

علم الإسلاميون السياسيون وقتها هذا الخطر وأدركوه، لكنَّ مشروعهم النقابي الحزبي كان سقفُه أوطأ من أن يقفوا أمام هذا الخطر، فقد كانوا في حينها في اجتماعات تحضيرية مع الحكيم، لإعلان حزبهم بمسمى وواجهة شيعية، فإن وقفوا أمام المدِّ الشيعي في الموصل سيفقدون مرادهم ويخيب مبتغاهم، كيف والحزب غايتهم!

فسكتوا ولم يكتفوا بأن سكتوا.

ماذا إذن فعلوا؟

تهيَّأ لتعرف الحقيقة الصادمة المُّرة مرارة الحنظل الذي يجِفُّ منه الحلق إن وضع في أخمص القدم!

عملوا على ثلاث مهام:

1.السكوت والإصمات عن التوسع الشيعي في الموصل.

2.تشويه سمعة القوميين العروبيين المتدينين بحجة تجريم (القومية)، وأنَّها نتنة.

3.الانسحاب وعدم التدخل في أحداث الموصل وكركوك، ليخرجوا للناس بعد دمارهن بالقصف والتدمير والذبح والسلخ والتعليق، ليلبسوا ثوب الملائكية، وأنَّهم لا دخل لهم في ما حدث.

ولو أنَّهم وقفوا مع الأحرار وساندوهم، وبيَّنوا للناس أن الحركة هي ضد المدِّ والتوسع الشيعي الذي يستهدف الموصل- ويقينًا هم يعرفون هذا- لأثمرت الحركة.

ولكنَّهم كانوا خِنجرًا في خاصرة الموصل السُّنية[4].

الضباط السُّنة الأحرار:

لم تختلف تراجم قادة الثورة الثلاثة على وصفهم بالتدين والخلق الرفيع، وأنهم من عشائر وعوائل عربية.

ومن أبرزهم:

أوَّلًا: العميد رفعت الحاج سري 1914م-1959، مدير

الاستخبارات العسكرية، وكان يُلقَّب بـ (الدَّين) لتدينه، كان

كثير القراءة للقرآن، وهو من أهل السُّنة والجماعة قحطاني من من عشيرة اللهيب، وكان له موقف رافض للإطاحة بالحكم الملكي.

فوصيته تخبرنا عن دينه، والتي يوصي بها أهله بالقرآن والصبر، وأنه فعل ما أوجبه الحق تبارك وتعالى.

 

ثانيا: عبد الوهاب الشواف 1916م-1959م، وهو أيضًا من أهل السُّنة والجماعة قيسي كبيسي، قاد ثورته ضد المد الشيعي برعاية شيوعية في الموصل، من الضباط الأحرار، أبوه فقيه وقاضٍ.

وقد كان العقيد عبد الوهاب الشوَّاف آمرَ حامية الموصل.

ثالثًا: ناظم الطبقجلي الرِّفاعي وفاته1959م، قائد الفرقة الثانية في كركوك، وكان متديِّنًا تديُّنًا صوفيًا، وكان اشتراكه مع الضباط الأحرار من باب الإطاحة بعبد الكريم قاسم ذي التوجه الشيوعي، مدعومًا من الإتحاد السوفيتي.

وكان هناك ثلة من الضباط الأحرار السُّنة العروبيين معهم، وكل تراجمهم وكُناهم[5]وخطِّ خدمتهم تشهدُ لهم بالنزاهة والعِفَّة والدِّين، فهم ممدوحون خُلقًا وتديُّنًا، وهم عربيون نسبًا، وسُّنة دينًا.

وهذا يُجلِّي حقيقة هذه الحركة السُّنية التي شعرت بالخطر المتسرِّب إلى الموصل بواسطة الحُكم القاسمي المنبطح للشيوعية والمسوِّقة للتشيُّع.

في وقت كان كل خِّبُّ المُعطَّل يصعد المنبر ويتقاذف هذا وذاك بالتُّهم، والحرب بين التوجه السَّلفي والصوفي، غير شاعرين بالخطر الشيعي، ومن لم يكن كذلك فهو في تنظيم يُعدُّ العدة مع الشيعة لانبثاق حزبهم، وليس من المصلحة اعتراض هذا المدِّ!

وصنفٌ ثالث كان همُّه أن يَعُدَّ ثلاثين يومًا ليذهب إلى الحانوت (دائرة الأوقاف) لاستلام الراتب[6].

فلم يركب الخيول إلا خيَّالتها الفُرسان.

___________________________________________________________________________________________

  1. .يخلوُّكم: يجعلونكم.
  2. . وقد امتطى أحدهما الآخر متعاقبين على بعضهما فلكلٍ بغيته، ولكنَّ الشيوعيين كانوا يرون في الشيعة سهولةً اختراقٍ من جهة سخافتهم وخفة عقولهم.
  3. .من المفروض أن نقول عبد المسردب، لننضبطَ في التسميات الشرعية وحتى لا يكون اعترافٌ ضمني بالمهدي المزعوم حتى عند السُّنة.
  4. .أولادهم وأحفادهم اليوم على مسلكم في الموصل، فقد شكَّلةا مليشيات حشدوية تابعة وخادمة للحشد الشيعي، ونعرف اسماءهم وأصولهم.
  5. .كُنية: مصطلح عسكري يُدَّون فيه كل ما يخص العسكري.
  6. .وفي هذه الأيام هم مكرورون وبوجوهٍ غير تلك الوجوه، ولكن بجبنهم وانبطاحهم وحزبهم وموالاتهم.

 

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. شكرا للاستاذ عبد الغني شيت الموصلي على هذه المعلومات التي تبلح الحق وتفضح الباطل وترسل رسالة للمبطلين انا هنا نفضح زيفكم ونكتب تاريخنا بايدينا واني لادعو الله ان يمكنكم في الارض ويعزكم

  2. مقال قيم ينبهنا للخطر الشيعي قبل حكم عبد الكريم قاسم وكيف ان للشيعه يد بكل خراب لديار اهل السنه وكل مره بثوب جديد مره قومجيه مره بعثيه مره وهابيه مسميات مختلفه جميعها تصب لخدمه انتشار التشيع والقضاء على السنه .بالتوفيق لرجال التيار السني لكشف خداع الشيعه واتباعهم واذنابهم

  3. بسم الله الرحمن الرحيم
    الشكر والتقدير للأستاذعبد الغني شيت الموصلي على هذه المعلومات التي تدور في صدري منذ عقود من السنين والآن تجد المتنفس. وانها لحظة سعادة اترحم فيها علي الزعيم الركن محمود شيت خطاب الذي تعلمت من كتبه عن العسكرية في صدر الإسلام التفكير بعقل حر.
    لا زالت الذاكرة تحتفظ بموقف الناهق الجواهري في المحكمة يقول شعر المديح في المهداوي واحكامه الحاقدة, واربط ذلك بدعوة عبد الكريم قاسم للحزب الشيوعب الإسرائيلئ إلى بغداد, واتذكر حين طالب عبد الكريم قاسم بالكويت وهدد باحتلالها, خرج الشيعة الشيوعيون في عشيرج في دولة الكويت يصيحون : تقدم يا مهداوي تقدم عشيرج قطعة من السوفييت !
    تماما كقول شيوعيي فلسطين : إذ جاء ركاح – الحزب الشيوعي الإسرائيلي – رمينا السلاح وهاهو ممثلهم عزمي بشارة في قطر.
    الآن بدات النقاط توضع على حروفها. وتتضح سياسة الحجاج بن يوسف رحمه الله ورضي عنه في تنقيط حروف المصحف وتشكيلها ومنع قراء الكوفة , بما فيهم الصحابة, من قراءة القرآن الكريم إلا بقراءة امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.
    مع اجمل التحيات

  4. احسنتم شيخ… تاريخنا يجب ان يكتب بالسنة وايدي سُنيّة.
    وما كتبته شيخ الا فيض من غيض تلك الخطط المستمرة الى الان من تغير دمغرافي وجوسياسي للمناطق السنة فكم وكم من هذه وتلك.
    وادعوا جميع اخوتي من خلال مقالكم هذا بان يدونوا التاريخ الحاضر بكل مافيه فهو مقتضب بالاحداث التي من شأنها تنور الجيل القادم، وليكون مرجعاً تأريخيا معتمدا وصحياً مكتوب بايدينا.

  5. أحسنت شيخي الفاضل على هذا الطرح الجميل
    نحمد الله تعالى ع هذه النعم التي انعم بها علينا
    كتاب وعاملين في التيار السني وهم يصنعون التاريخ وهم يكتبونه
    فتح الله عليكم من فضله وحفظكم
    والسلام عليكم

  6. هكذا نحن دائما نسمع ونبلع وإن كان كذب واضح ابلج فبحجة القلب والانقلاب على محرر العراق من الرجعية (عدو الكريم قاسم) الذي سلم العراق على طبق إلى المرجعية. صار الشواف بكذبت كاذب خَوانا للقضية

  7. أشكر جميع الغيورين المتفاعلين المعلِّقين على المقالة بجزأيها.
    وإنما نحن بكم بعد الله تبارك وتعالى.
    مع وافر الاحترام …
    أخوكم: عبد الغني شيت الموصلي…

  8. بدأت الاقلام السنية تكتب وتدون وتقرأ وهذه الحركة هي بداية المسار الصحيح بأذن الله.أحسنت وبارك الله بك أستاذنا

  9. بارك الله فيك أخي الفاضل: على أن سلطت نور قلمك على حدث خيم عليه ظلام التحريف الشيعي لكل ماهو سُنّي، وهذا هو نهج التيار السُنّي الذي يلعن الظلام ويزيله ليحل محله نور الحق والحقيقة.

اترك رداً على متابع بصمت إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى