مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

معركة الأعظمية .. آخر معركة قادها الرئيس صدام عند سقوط بغداد

لماذا نحن نصنع التاريخ وهم يكتبونه ؟ نحن نصنع التاريخ .. نحن نكتبه

د. طه حامد الدليمي

على العكس من كل أشكال المقاومة في التاريخ، امتازت المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي بميزتين:

الأولى: أنها لم تمر بأدوار التكوين الثلاثة لكل مقاومة: الحضانة والتهيئة ثم الانطلاق. بل كانت امتداداً مباشراً للمعارك التي خاضها الجيش طيلة الأسابيع الثلاثة السابقة لسقوط بغداد دون فاصل يذكر، حتى جلاء المحتل نهاية 2011.

الثانية: أنها لم تجد لها حاضنة من دولة مجاورة.

 

معركة الأعظمية

بعد أقل من يوم على سقوط بغداد في (9 نيسان 2003)، وإنزال تمثال الرئيس صدام حسين من منصته في ساحة الفردوس وقعت أحداث معركة هائلة في (الأعظمية) وعدة مدن مجاورة وبعيدة من مدن العاصمة بغداد. كان ذلك في مثل هذا اليوم قبل (16) سنة.

في اللحظة التي كان يسقط فيها تمثاله كان الرئيس بين أبناء شعبه في مدينة الأعظمية يسلم عليهم ويتحدث معهم. وعندما رفع الأذان أدى صلاة العصر في جامع الإمام الاعظم، وكان معه ابنه قصي ومرافقه عبد حمود. وقتها كانت الاعظمية تعيش مشهدا مختلفا عن ذلك المشهد الذي يحدث في ساحة الفردوس. حيث العالم كله ينظر الى التمثال الذي يسقط قبالة فندق فلسطين، بينما الرئيس صدام حسين في الاعظمية يفتح صفحة جديدة من صفحات المعركة المتواصلة. عراقيون من كل الاعمار، ومقاتلون عرب، التفوا حول الرئيس يهتفون بحياته وحياة العراق. ووقف حراسه عاجزين عن منع الناس من الاقتراب منه، حينها امرهم الرئيس بترك المواطنين يعبرون عن مشاعرهم على سجيتهم. استمر المشهد طويلاً، وامتلأ الجامع وساحته بالاف المواطنين الذين كانوا يرون الرئيس للمرة الاخيرة.

تقع مدينة (الأعظمية) شمالي مركز العاصمة بغداد على الجهة اليسرى (الشرقية) لنهر دجلة. سميت بهذا الاسم نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، الملقب بـ(الإمام الأعظم)، المدفون هناك على ضفة النهر بجوار المسجد المسمى باسمه.

عدت إلى دفاتري القديمة أستنطقها، وطرقت باب شبكة المعلومات أسألها، وحاولت وحاولت حتى عدت من هنا وهناك بما يصلح لرسم صورة عن معركة الأعظمية والمعارك التي دارت في بعض أحياء بغداد ذلك اليوم المجيد الذي خط سفره العظيم سنة العراق من أهل الأعظمية وغيرهم ومعهم ثلة من إخوانهم العرب من سوريا ومصر، وربما غيرهما من أقطار العرب.

“مر ليل 10/4 طويلاً ثقيلاً، لم يكن يقطع سكونه سوى أصوات الطائرات والمروحيات، وسوى أصوات قادمة عبر النهر ترحب بالقادم الغريب مستبشرة بدخوله دار الخلافة، في فرح وشماتة”.

أتعرف أي حي يقبع (عبر النهر) وقد بات ليلته محتفلاً بدخول الغزاة دار الخلافة؟!

لم يكن سوى حي الكاظمية الشيعي الذي قضى أهله الليل ساهرين يحتفلون بسقوط بغداد! ثم مالوا عليها نهباً وسلباً وحرقاً وتدميراً وهم يرقصون فرحاً وسروراً.

وسهر أهل الأعظمية تلك الليلة أيضاً، لكن.. شتان بين سهر العظماء وسهر الجبناء! كانوا رغم قصف الطائرات والمدافع يتناوبون على حراسة البيت الذي أوى إليه الرئيس صدام حسين رحمه الله، ويعدون العدة للمعركة الوشيكة. وبعد أن أدى الرئيس صلاة الصبح في جامع بشر الحافي وارتدى الملابس العربية غادر المكان راكباً زورقاً من عند شاطئ منطقة (السفينة) نحو شاطئ (المحيط) في الكاظمية.

 

مشاهد للرئيس في ساحات متعددة للمعركة

توزع المقاتلون على أحياء الأعظمية والوزيرية والمنصور وأقاموا نقاط تفتيش ودوريات في الشوارع؛ ما دفع القيادة الأمريكية إلى شن غارات مكثفة على هذه المناطق. وحمي وطيس المعركة عند مسجد الإمام أبي حنيفة، وقد شهدت بعض ساحاتها الرئيس صدام حسين يقاتل مع جنوده ويقودهم في مواجهة الجيش المهاجم. وكان يتنقل بين أحياء بغداد التي تجري فيه المعارك، ولم يبق في الأعظمية وحدها. فقد شارك المقاتلين العراقيين والعرب ظهيرة ذلك اليوم في معركة نفق الشرطة، واستخدم الرئيس قاذفة (الآر بي جي)، واستطاع أن يدمر واحدة من دبابات العدو.

بعدها غادر المنطقة في سيارة تويوتا متوجها الى حي المنصور. وهناك التحق مع رفاقه من جيش القدس الذين كانوا يخوضون معركة ضارية في شارع 14 رمضان، قرب الاسواق المركزية، وقد صوب بيديه عدداً من قذائف (الآر بي جي) تجاه دبابات العدو فاحترق بعضها وانسحب ما تبقى من أرض المعركة. وتقدم الرئيس فسلم على المقاتلين جميعاً، وقدم مبلغا كبيرا من المال لقائد المجموعة وامره ان يقوم بتوزيعه بالتساوي على رفاقه الذين رفعوا رأس العراق، كما وصفهم الرئيس.

يقول الملازم الأول خالد السلطاني أحد أفراد فريق حماية الرئيس: كان يقضي الجزء الاكبر من وقته أثناء المعركة، بالمرور على مواقع المقاتلين في الليل والنهار يتحدث معهم ويرفع من معنوياتهم ويذكرهم بالدور التاريخي الذي يقومون به. وهو بهذا كان يريد ضخ المعنويات العالية لدى جنوده الذين كانوا يقاتلون بأسلحة لا يمكن مقارنتها بأسلحة العدو.

في الوقت نفسه شن (فدائيو صدام) – وهو تشكيل عسكري من المتطوعين العراقيين تأسس عام 1995 بقيادة عدي صدام – هجوماً عنيفاً برشاشات الكلاشنكوف وقذائف (الآر بي جي) على اللواء الأول من الفرقة الخامسة قرب قصر الأعظمية، وقتلوا عدداً كبيرا منهم وجرحوا آخرين.

وجرت وقائع معارك مشابهة في منطقة العطيفية في الجهة المقابلة للأعظمية عند بداية شارع حيفا، وفي منطقة الدورة جنوبي بغداد حيث قام الغزاة بقصف الأهالي بطائرات الاباتشي ومقاتلات أف 16 والبريداتور، واعترف ضابط امريكي أن المقاتلين العراقيين هاجموا رتلا للمدرعات هناك.

استمرت وقائع المعركة طوال ذلك اليوم الذي استبسل فيه المدافعون عن عرين العروبة والإسلام، وجادوا بدمائهم رخيصة في سبيل الله. لكن مما يؤسف له أن الغزاة نالوا من منارة جامع أبي حنيفة! انظروا إليها كيف تفغر فاها وترفع ذؤابتها إلى السماء تدعو عليهم.

حقاً لقد كانت (معركة الأعظمية) يوماً من أيام الله!

لم تكن القوى متكافئة قط، ومع ذلك أجبرت البنادق والقاذفات العراقية مدافع دبابات العدو العملاقة على الانسحاب مع غروب الشمس من المدينة بكاملها مدحورة مخذولة! بعد أن احتلت قوات العدو المدينة كلها فلم تترك شارعاً واحداً فيها لم تدخله وتمشطه شبراً فشبراً.

كان منظر الشوارع – بعد أن سكنت المعركة – مهولاً؛ لقد تكبد العدو خسائر فظيعة، وانسحبت مخلفة وراءها حطام معداتها تتقدمها أعداد من هياكل دبابات البرامز المخيفة والدخان يتصاعد من بين شظايا الحطام المهترئة وهياكل الدبابات المحترقة!

ومع حلول الظلام كانت الحديقة التي خلف الجامع تتلقى أول هداياها من الشهداء.

 

مقبرة الشهداء في تلك الحديقة

قبل عشر سنوات وفي مثل هذا اليوم، أي في الذكرى السادسة لموقعة الأعظمية قرأت مقالاً على موقع (الرابطة العراقية)، أهاج لواعج الذكرى، كما أهاجها لدي اليوم تنقلي بين دفاتري القديمة ومواقع شبكة المعلومات .

y لقد أعادني المقال إلى ذلك اليوم الذي زرت فيه قبور الشهداء في تلك الحديقة. كان ذلك بعد بضعة أشهر من المعركة. وكان أشد تلك الشواخص وقعاً على نفسي تلك التي تعود لشهداء مجهولين: عرب وعراقيين. كنت لحظتها وحدي، تركت صاحبي في المسجد بعد أن صلينا الظهر وتسللت إلى هناك. لم يكن ثمت سوى غصن ووردة، وجدث وعينين: إحداهما لا تغفل ولا تسهو ولا تنام. ومع أغصان الشجر التي كانت تحنو على تلك الشواخص، وشتلات الورد التي توزعت هنا وهناك تنفح قبور الشهداء بالعطر، كانت للعين الأُخرى أحاديث لا يسعها الحرف. وأيد ترتفع، ودعوات تصاعدت إلى السماء.

2019/4/10

……………………………………………………………………………………………………………………………………………..

المصادر

1. موقع الرابطة العراقية، مقال بعنوان (من ذكريات يوم 9 نيسان المشؤوم – قصة الأعظمية.. وشرارة المعركة الأولى) بقلم مصطفى الملا. بتاريخ 10/4/2009.

2. موقع شبكة البصرة، مقال بعنوان (مرافق الرئيس صدام حسين يتحدث…)، بقلم هشام عودة. http://articles.abolkhaseb.net/maqalat_mukhtara/arabic/1004/3oda2_291004.htm

3. موقع شبكة البصرة، مقال بعنوان (يوميات معركة الحواسم (اليوم الثاني والعشرون 10/4/2003) لكي لاننسى) بقلم المحامي علاء الأعظمي. بتاريخ 11 نيسان 2008.

http://www.albasrah.net/ar_articles_2008/0408/3alaa22_110408.htm

وورد فيه من أسماء الشهداء العرب:

  1. خالد سعيد الخطيب : سورية.
  2. مجهول الهوية، عربي الجنسية.
  3. محمد السيد خليل العيسى : مصر.
  4. مجهول الهوية، عربي الجنسية.
  5. مجهول الهوية، عربي الجنسية.
  6. موسى ابراهيم الدريكر : سورية.
  7. علي شحاذة المرعي : سورية.
  8. محمد أسعد المحمد : سورية.
  9. محمد نبيل فستقي : سورية.
  10. فادي.. : سورية.
  11. أحمد النقرش : سورية.
  12. مأمون مصطفى موسى : سورية.
  13. قبر يضم مجموعة من الشهداء العرب.

 

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. آه يا شيخي مقالك هذا ذكرني بيوم حزين من ايام بغداد كان الامين يواجه فيه اخيه المأمون الذي ائتلف مع خراسان بقيادة الفارسي طاهر ابن الحسين فلم يجد المأمون من جنده الا الشطار ولقد طردوا الفرس لكن بغداد البست ثوب الحزن حتى قال قائل عن بغداد

    بكيت دما على بغداد لما

    فقدت غضارة العيش الأنيق

    تبدّلنا هموما من سرور

    ومن سعة تبدلنا بضيق

    أصابتنا من الحساد عين

    فأفنت أهلها بالمنجنيق

    فقوم أحرقوا بالنار قسرا

    ونائحة تنوح على غريق

    وصائحة تنادي : وأصباحا

    وباكية لفقدان الشقيق

    وحوراء المدامع ذات دل

    مضخمة المجاسد بالخلوق

    تفر من الحريق إلى انتهاب

    ووالدها يفر إلى الحريق

    وسالبة الغزالة مقلتيها

    مضاحكها كلألاء البروق

    حيارى هكذا ومفكرات

    عليهن القلائد في الحلوق

    ينادين الشفيق ولا شفيق

    وقد فقد الشفيق من الشفيق

    ومغترب قريب الدار ملقى

    بلا رأس بقارعة الطريق

    توسط من قتالهم جميعا

    فما يدرون من أي الفريق

    فما ولد يقيم على أبيه

    وقد فر الصديق عن الصديق

    ومهما أنس من شيء تولّى

    فإني ذاكر دار الرقيق
    وها هو صدام يعيد خطأ الامين بأولئك الشطار والعيار من القوميين والاسلاميين بينما طاهر ابن الحسين يضع اسس الثقافة التي تزرع الافكار التي تحارب الاسلام والعروبة وتبعد الجيل عن القرآن الكريم ولولا ان هيأ الله للامة اماما اعاد لها خيول بني شيبان ولكن بفكره ذلك الامام هو الامام احمد و في عهد صدام ومن بعده هيأك الله للامة لتقول لنا دهور فكر خير لنا من ساحة حرب تسحق الورد وتخلف ارضنا البوار فعهدناك على ذلك وبنينا للنائبات قبورا في صدورنا ورحنا نشدو معك من اراد ان يكون فليتكون وسرنا على منهج (إن الفكرة النابعة من المعاناة التي يشهدها الواقع، وما يترتب عليها من منهج علمي وبرنامج عملي هي أساس وعماد كل مشروع. وليست الفكرة شيئاً جامداً، بل يجب أن تتغير ويطرأ عليها التعديل باستمرار، مع الحفاظ على جوهرها، تكيفاً مع الواقع المتغير واستجابة لتحدياته المتغيرة.)
    لا نحتفل بالمتغيرات الانية بل نحن نعمل على مشروع استراتيجي وما هذه العواطف الا انات نصعدها الى الله على درب نوح وزكريا ومحمد عليهم افضل الصلاة والسلام .

  2. تقبل الله شهداء الامه ورحم الله صدام حسين وغفر الله له وقد افضى الى ماقدم بكيت لها العيون معارك امتنا في كل مكان حسبنا الله ونعم الوكيل
    معرفون في السماء ومجهولون في الارض تقبلهم الله

  3. ثم يأتي من يقول أن العراقيين جميعا قاتلوا المحتل الأمريكي!
    شتان بين مدينتين أحدهما تستقبل الأمريكان بالرصاص لترديه قتيلا وأخرى ابتهاجا باحتلاله!
    الفرق بين السنة والشيعة هو الفرق بين المواطنين والمستوطنين أو كما يسميهم شيخنا الدكتور طه الدليمي بالمتوطنين.
    الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين الأسياد والعبيد.

  4. رحمهم لله جميعا واسكنهم فسيح جناته
    سبحان الله دائما تاريخ أهل السنة مشرف وعظيم
    مهما حاول الخونه والمتخاذلين من دفنه لإرضاء الفرس الحاقدين وغيرهم
    جزاك لله خيرا شيخنا المجدد الراشد

  5. كل تاريخ الشيعة واجدادهم الفرس هم أدوات تنفيذية ضد التاريخ العرب وقياداتهم من قبل الأسلام وبعد الأسلام من النعمان أبن المنذر الذي خانو معهُ العهد والمثاق والى عمر الفاروق الذي غدروه والى صدام حسين الذي عدموه ويدعون أنهم المقاومة،اليوم التاريخ لنا نحن نكتب التاريخ ونحن نقرأه وفي هذا العصر وفي زمننا كانت المعركة واضحه وجلية التي قادها أهل السنة أهل التوحيد ضد الاحتلال الامريكي في بغداد والمناطق الغربية التي أنهكة أمريكية في زمن تطور أسلحتها ومعداتها أمام بنادق أهل السنة الخفيفة وأخرجتهم مخذولين تجر أذيالهم الخيبه والعار،أما الشيعة لم يكن لهم نصيب في هذه المعركة إلا الخزي والعار فهم ذيول كل محتل وخدام لكل غازي وغادر تباً لكم يافراخ كسرى ورستم ،اليوم يومنا والقلم بأيدنا أين تفرون ، رحم الله صدام وكل شهداء أهل التوحيد والمقاومة من أهل السنة الذين قوتلُ غدراً على يد الشيعة الكفره الغادرين.

  6. علينا ان نمسح الدموع ونمضي
    مع قائد التصحيح في معركة
    الفكر الرائد
    امه بلاخطه ولاهدف ولامشروع
    في مكابح الاخطاء الفتاك
    تنتضر كم ياانصار المشروع
    السني

اترك رداً على حسنين عبدالله الأموي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى