مقالات أخرى

من آليات التفكير الاستراتيجي… الأمن الداخلي

ثلاثة أمثلة: من خلافة عثمان والأمويين والبعث

عبد الغني شيت الموصلي/ منظومة الفقيه القائد/ التَّيار السُّني في العراق

بينما أُديم تجوالًا وقراءةً في فِتن ومحن أصابت الأُمة بنجلاء غادرة، وقعتُ على ثغرةٍ أتى منها المتربِّص الفارسي فكشف حِلس الأمة، أو سحبه من تحتها فجرَّدها من أمنها، وكأنَّه علم من أين تؤكل الأمة، فكتفها أمنُها الداخلي!

وكفردٍ يتشرَّف بمشروع التَّيار السُّني، قد فهم أدبيات المشروع بمنهجه، والواجب عليَّه أن يُنزِل هذا الفهم عمليًا في برنامج، فالكاتب لمَّا أتى بكلمة (أمة) لا يتكلم بمفهوم الأمة المتبادر إلى الذهن، لأنَّه مفهوم عام قد نؤتى منه في هذا الوقت. لكنَّ توصيفًا أطلقته يوم كانت الأمة تمثِّل المفهوم الحضاري والثقافي لنا.

 

بين عثمان ومعاوية رضي الله عنهما

وأبدأ بالمثال الأوَّل، قبل فتنة قتل سيدنا عثمان نظر سيدنا معاوية نظرةً سبق بها سيدنا عثمان، تلك النظرة التي وجدت أنَّ الحكم سيؤتى في داره، وستنفتح طاقة الولوج إلى الإسلام.

المدينة المنورة .. دار الخلافة .. مركز القيادة .. مكان إقامة رئيس الدولة مخترق أمنيًّا!

لا جند .. لا حرس .. ولا تحصين يمنع أيَّ عدو للنيل من الدولة والخليفة!

إذن هنا ثغرة خطيرة جداً.. فقدان الأمن الداخلي.

فيشير سيدنا معاوية على سيدنا عثمان بإرسال جيش يؤمِّن العاصمة والقيادة ورأس الهرم. فيرفض سيدنا عثمان! ثم ما لبثت الفتنة أنْ أتت مسرعة جآدَّةً السير، موقعة فتنةً كشفت حِلسنا وسحبته من تحتنا.

 

الكوفة وبغداد .. حبل الأمن على الغارب

ونمضي أكثر من مئة عام، لنرى غفلةً أُخرى من الدولة الأُمويَّة، إنَّها جبهة العراق الكوفة وبغداد، إذ لم تهتم الدولة الأُموية بما يُصنع فيها، لقد بدأ المشروع في الكوفة وانتهى في بغداد بإسقاط الدولة الأُموية لتقوم الدولة العبَّاسية ظاهرًا، والمجوسية تحكُّمًا وأثرًا.

فالأمن الداخلي كان متروكًا حبله على الغارب، حتى حطَّ الغراب على الجمل عندما برك لينهش به.

فهل انتهت المؤامرة؟

وحتى بعد قيامها كانت الإحن تلفُّ فتيل الفتن، فالعلويوُّن يريدون إسقاط العبَّاسيين، مستغلِّين كل مورد يستطيعون فيه القضاء على العبَّاسيين، ومن هذه الموارد أنَّ خلايا من العلويين اتصلوا بالإمام الشافعي مستغليِّن نسبه القريشي وليغروه، ثم ليشقُّوا عصا الأمَّة مرةً بعد مرَّة، وقد علمت الدولة العبَّاسية بهذه الاتصالات بين الإمام الشافعي والعلويين وسُجنَ بسببها، وبعد عفو الرشيد عنه وإخراجه من السجن، خرج من بغداد غير راغب، عام 199هـ بعد معرفته بما كان يُكاد، وأنَّه كان مستَغلًّا من قِبل العلويين!

أتُراك أيُّها القاريء السُّني الكريم أمام حادثة من التاريخ عابرة؟!

لا لا أبدًا، إنَّه المشروع الفارسي المجوسي الذي قام منذ (2500) عامًا، كما صرَّحت به رواية (هكذا تكلم جنوبشت) وما انفك عنا هدمًا للبنيان والإنسان العربي أوَّلًا – تاريخيًا – وثانيًا الإسلام –دينًا-.

استطراد:

قرأت عن المساجد التي شادتها الدولة الأُموية في أرجاء المعمورة أينما وصلت، إلا بغداد والكوفة ليس فيها الجامع الأُموي الذي تراه في أغلب البلدان!

يقينًا لما غفل السابقون عن الأمن الداخلي، استغلَّ الفرس هذه الثغرة، ونخروا في عمق جغرافيتنا، فلم يبقوا على ناب قاطع، ولا ضرس طاحن، بل كانوا هم القواطع لأوصالنا.

وكذلك الحال ينقاس على المشروع الرَّباني – وهكذا نحسبه – إذ الأمن الداخلي مُهمٌ لا نتجاوزه، في الأفراد، في المنهج، وبعد التمكين إن شاء الله، وهذا أقوله من الثِّقة واليقين وإلا لم يقم مشروع الأمة، ما لم نُقم مشروع الإيمان والنصرة فينا.

 

صفحة الغدر والخيانة .. الشيعة والجيش العراقي المنسحب من الكويت

وأخيرًا… مثال معاصر.

بينما كان البلد في حرب عام 1991، ظهرت هشاشة الأمن السَّائب في جنوب العراق، وقامت صفحة الغدر والخيانة من شُذاذ وربائب إيران، فقتلوا الجنود وغدروا بهم غيلةً، بينما عشم الجنود بأهل الجنوب بداعي (الوطنية)!

فعندما كان الجندي النازف دمًا من جرحٍ بسبب القصف، وقد تقطَّعت أمعاءه وخرجت من بطنه مندلقةً، وآخر قد ورمت قدماه جاء حافيًا يمشي 600 كيلو متر، وإذا بالغادر الشيعي يغتال الجندي وقد دخل عنده مستجيرًا به، فأظهروا طعنهم وغدرهم، فلا والله لا يعملها عربي، الذي يحمل الكلَّ ويجير المستجير، ويأوي الغريب.

لا ليس لهؤلآء من الإسلام حظ.

فالأمن الداخلي في الجنوب كان بيد الرِّفاق وهم شيعة، والشرطة شيعة، والأجهزة الأمنية شيعة.

فكانوا بساسرة الأمس ورغاليُّها بامتياز.

فهذه ثلاثة أمثلة تنقَّلت عبر الزمان، لكنَّ الحال واحد، والفاعل واحد، والدافع واحد.

فلنأخذ من الحدث عِبرة، ولا نكتفي مِن القراءة بعَبرة.

……………………………………

.انظر: توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس لابن حجر، 162، ابن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: عبد الله محمد الكندري، دار ابن حزم، الطبعة: الأولى 1429هـ – 2008م.

وانظر: مناقب الشافعي للبيهقي، 12، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384 – 458 هـ)، تحقيق: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1390هـ – 1970م.

 

اظهر المزيد

‫3 تعليقات

  1. نعم.. عندما ننظر إلى أسباب سقوط الدول، أو الطعنات الخلفية لها نجد، أن المشكلة داخلية بامتياز، أن الدولة لم تعر للأمن الداخلي اهتمامه الواجب، وقد ضرب الكاتب جزاه الله خيرا عدة أمثله في هذا الشأن.

    فدوما كانت المشكلة داخلية.. مشكلة عدم إيجاد استراتيجية حل مثالية.

  2. هكذا يجب ان تكون نظرة السني الى تاريخه وواقعه .. فالفطنة وبعد النظر والاستمرار باخذ العقاقير المضادة للاستغفال والاستغفاء والاستغلال من الاسباب الموجبة لتحويل الدفة بالتجاه الصحيح .. بارك الله بكاتب هذه السطور وجزاه الله خيرا

  3. لا حول ولا قوة الا بالله هكذا تركنا الامن الثقافي امة مضروبها برأسها بطريقتين اطلق عليهما شيخنا الدكتور الاقفال والمناقيب فاصبح علينا ان نحمل معاول لهذم هذه الجدران باقفالها ومناقبها لانها حملت ارضة خربت علينا بيوتنا الثقافية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى