مقالاتمقالات أخرى

التاريخ في يدنا … ليس في يد سيف بن عمر

جار الله الملَّا خضر/ منظومة الفقيه القائد/ التَّيار السُّني في العراق

تتفاوت الأفهام على منصات ومواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، وهذا شيء جيد لكشف الزيف الذي يُتداول بين الناس، إذا ما أردنا أن نكون إيجابيين لا سلبيين فقط. فربَّ رسالة أو موضوع يُطرح على هذه المنصَّات فيفتح باب التصويب والتسديد، وهما جناحا التجديد بالحقيقة، لذا جاء في الحديث: “سدِّدوا وقاربوا”[1].

ومن هذه الرسائل التي أتتني مصدَّرة بـ: أجمل ما قرأتُ!

فقلت: ما الأجمل؟!

وتناولتُ الرسالة قراءةً، فذُهلت لما جاء فيها، وهو وعيدُ شؤمٍ لصحابي بأنه سيموت على الكفر، وهذا يخالف منهج الدعوة لرسول الله – صلى الله عليه وسلَّم -، بل يخالف شخص النبي كُليًّا– صلى الله عليه وسلَّم -!

طبعًا هذا ردٌّ فعليٌّ أوَّليٌّ على ما قرأت، ولا بد من ردٍّ فعل علميٍّ، فلن تكون الأمور على ما أراده سيف عمر ولا الواقدي، فها قد حضرنا، ولروايات الكذَّابين حظرنا.

أين المشكلة؟

المشكلة أنَّ كثيرًا من القُرَّاء إنْ وجد المصدر اكتفى، وهذه هي مصيدة المتعالمين، أمَّا نحن فلا والله ولن يكون.

لقد روى ابن كثير الرواية في البداية والنهاية وذكر (الرجال بن عنفوة) فقال: “الرجال بن عنفوة واسمه نهار بن عنفوة كان قد أسلم وتعلم شيئا من القرآن، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة، وقد مرَّ عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو جالس مع أبي هريرة وفرات بن حيان، فقال لهم: “أحدكم ضرسه في النار مثل أحد”. فلم يزالا خائفين حتى ارتدَّ (الرجال) مع مسيلمة وشهد له زورًا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أشركه في الأمر معه، وألقى إليه شيئا مما كان يحفظه من القرآن، فادَّعاه مسيلمة لنفسه فحصل بذلك فتنة عظيمة لبني حنيفة”[2].

لقد آلمني شيئان:

  1. أن يصف ابن كثير الرجال بن عنفوة وهو صحابي بـ: الزنديق.
  2. من حقَّق البداية والنهاية لابن كثير، جرى الماء الآسِن من تحته، فلم ينقد الرواية بدعوى أنَّ سيف بن عمر عمدة في التاريخ!

والعبارة الأخيرة كانت إحدى جنايات ابن حجر على كل ما جاء في الحديث والتاريخ من سيف بن عمر.

من الذي روى الرواية؟

شارك ثلاثة في هذه الجريمة – التي انطلت على ابن كثير وابن حجر والذهبي – فسيف بن عمر ومحمد بن حميد الرازي والواقدي، أمَّا سيف بن عمر ومحمد بن حميد الرازي فكانت مَهمَّتهما الرواية، وأمَّا الثالث فالإخبار، فتعدَّدت أدوارهم، واتفقت أهدافهم.

فمن سيف بن عمر هذا؟

هو سيف بن عمر التميمي الكوفي توفي 200ه، ولك أن ترى ما قيل في سيف بن عمر:

1.شهد بكذبه ابن حبَّان فقال: يروي الموضوعات عن الأثبات، يعني: يدلِّس عليهم[3].

2.قال الحاكم فيه: هو في الرواية ساقط.

3.قال ابن معين فيه: فلس خير منه.

4.قال الذهبي فيه: هو كالواقدي[4].

وإني لأعجب من الرجلين كيف يعرفان هذا الشخص، ثمَّ يفرِّقان بين روايته للحديث والتاريخ!

والأمر في الحديث أحرج من الرواية في التاريخ، ثم يقولان: هو عمدة في التاريخ!

وإني لأعلم أنَّه سيتفذلك آخرون ويقولون: لهم منهج ومنهجية في التفريق بين الحديث والتاريخ!

أقول: لستم وحدكم من درس وتخصَّص، نحن أيضًا، ولكن ليس على طريقة: آمين.

من أصَّل القصة؟

هم ثلاثة: سيف بن عمر ومحمد بن حميد الرازي روايةً، والواقدي تثبيتًا.

أمَّا سيف بن عمر فتقدَّم القول فيه.

وأمَّا محمد بن حميد الرازي فهو “ضعيف.

قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير.

وقال البخاري: فيه نظر.

وكذَّبه أبو زرعة.

وقال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث، ولا أحدث عنه بحرف”[5].

وأمَّا الواقدي فهو مولى لبني سهم بن مازن ولد 130 بالمدينة وباع كل ما عنده والتحق بيحيى بن خالد البرمكي في بغداد وأفاض عليه وأغدق، وجعله عاكفًا على أمرين:

1.كتابة التاريخ.

2.أن يحضر الوقائع ويسجِّلها، كما قال الخطيب البغدادي في تاريخه.

ويترشَّح للكاتب – ما يحقُّ له أن يشكك به التشكيك العلمي – أمران:

الأوَّل: سيف بن عمر كوفي، وكانت الكوفة أيَّامها باب الفتنة للتاريخ بعد تثبيت حمراء الكوفة أنفسهم هناك، وهنا نحتاج لأمر، هل سيف بن عمر تميمي؟

هذا ما لم يُبحث، وسلَّم به أكثر التاريخين، وإنَّه لأمر يقلقني!

الثاني: أنَّ المطبخ الشعوبي كان قد بدأ بإيقاد نيرانه تحت قدر التاريخ والحديث في بغداد والكوفة كجغرافية، وبسيف بن عمر والواقدي كشخوص، وبالتاريخ والحديث كأدوات، فهذي أجنحة مكره.

ما منهج الأوائل في التاريخ؟

الحقيقة أنَّه ليس هناك منهج بل اعتمدوا شيئًا واحدًا ابتدعه الطبري واعتمده وهو: النقل من غير تحقيق، فقط لا غير، ومن هنا أُكل تاريخنا وأصبح وأمسى بين أسنان غرثين كسيف بن عمر والواقدي.

وقد اصطاد الواقدي بهذه القصة كلًّا من ابن سعد في طبقاته 1/316، والدارقطني في المؤتلف والمختلف 2/1063، والطبري في تاريخه 3/282!

أمَّا ابن أبي حاتم فقد أثبت إسلام (الرجال بن عنفوة) ولم يقل برِدَّته أبدًا، وهذا في كتابه الجرح والتعديل.

وبعد هذه التطويفة، فالكاتب ينظر فاحصًا فيما وراء الرواية هذه وغيرها، ولا يقف عندها فحسب.

وظهر لي أنَّ تكفير الصحابة هو من أولويات تفتيت الإسلام.

وعجبًا كيف لهذه الروايات أن تتسلَّل إلى كتبنا، ويرويها رجال اعتمدت الأمة عليهم في نقل دينها وتاريخها!

أمَّا نحن

أمَّا نحن فلو لم يكن لنا مشروع تجديدي لم نلحظ هذه الملاحيظ المهمة، ولم نكن وقَّافين عند هذه الروايات حديثيًا وتاريخيًا، ولقد سرت هذه الروايات في كتب أهل السُّنة والجماعة لأنه لم يكن لهم مشروع، فحقًا كانوا ضحية سيف بن عمر ومحمد بن حميد الرازي والواقدي وغيرهم.

المؤسَّسة تقابلها مؤسسة

لا تعجب أيُّها السُّني الكريم إن قلت لك: إنَّ العمل الشعوبي والشيعي كان له حاضنة ومؤسَّسة ترعاه. في المقابل كانت هناك جهود لأهل السُّنة، ولكنَّ السُّؤال هنا: هل كانت هناك مؤسَّسة سُنية عربيَّة، كما كان للشيعة والشعوبيين مؤسَّسة؟

ولك الإجابة: …….

لكنَّنا اليوم قد فعلناها، وقد جاءتكم المؤسَّسة، فنحن اليوم بُناةٌ مؤسِّسون للثقافة… والتاريخ السُّني.

ومهما بلغت الجهود السَّابقة فهي مبعثرة غير منضودة، ولن تؤتيَ أكلها إلا أن تكون مهتدية على مسار يوصلها للحقيقة، ويمكِّنها بالحق.

 

  1. .أخرجه الشيخان، وهو قطعة من حديث.
  2. .البداية والنهاية، 7/259، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ – 1997 م، 1424هـ / 2003م
  3. .التحقيق في أحاديث الخلاف، 1/189، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ)، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1415هـ.
  4. .(4.3.2) تهذيب التهذيب، 2/144، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى، 1326هـ.

    وانظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، 2/255، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1382هـ – 1963م.

  5. .ميزان الاعتدال في نقد الرجال، 3/ 530، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1382 هـ – 1963 م.
اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. ما منهج الأوائل في التاريخ؟

    الحقيقة أنَّه ليس هناك منهج بل اعتمدوا شيئًا واحدًا ابتدعه الطبري واعتمده وهو: النقل من غير تحقيق، فقط لا غير، ومن هنا أُكل تاريخنا وأصبح وأمسى بين أسنان غرثين كسيف بن عمر والواقدي.
    هذا ما يجب على السني على ان يركزوا عليه.

  2.  

    لكنَّنا اليوم قد فعلناها، وقد جاءتكم المؤسَّسة، فنحن اليوم بُناةٌ مؤسِّسون للثقافة… والتاريخ السُّني

    نعم المشروع السني هدفه تهديم جميع ثقافة شعوبية فارسية
    وإعادة بناء تاريخ وثقافة إسلامية سنية تعيد الأمة عزها ومجدها
    وهذا بفضل جهود الصادقين المخلصين لنصرة المشروع السني الرباني العظيم

  3.  

    لكنَّنا اليوم قد فعلناها، وقد جاءتكم المؤسَّسة، فنحن اليوم بُناةٌ مؤسِّسون للثقافة… والتاريخ السُّني

    نعم المشروع السني هدفه تهديم جميع ثقافة شعوبية فارسية
    وإعادة بناء تاريخ وثقافة إسلامية سنية تعيد الأمة عزها ومجدها
    وهذا بفضل جهود الصادقين المخلصين لنصرة المشروع السني الرباني العظيم

اترك رداً على عمر سامي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى