انتفاضة الشيعة .. من أين ؟ وإلى أين ؟
د. طه حامد الدليمي
الإحباط واليأس سيد الحدث
الشيعة يتظاهرون في بغداد وعدة مدن أُخرى.
شعور بالإحباط حد اليأس من انفراج الأمور بكل ما فيها من سوء. الفساد ينخر الدولة بكل مفاصلها. لا أحد يأبه لمن قدموا أبناءهم أكباشاً أشبه بالمجان على مذبح (الدفاع عن المذهب) في معارك أكلت نيرانها الأخضر واليابس في مناطق السنة وتركتهم يستجدون الريح. وحين صحا الجو وجد الشيعة أنفسهم بين مقبرة فيها ينوحون، ومزبلة بين خيستها عن قوتهم يبحثون. وبين هذه وهذه يتطلعون إلى أمل لن يجيء. وها هي السنين تمر تتلوها سنين ولا شيء سوى اشتداد البأس واليأس. وإذا اشتد اليأس كان الانفجار.. فكان.
ما زال هتاف (علي وياك علي) تردده الجموع، مع هتافات أَخرى مثل (إيران برة برة) و(الشعب يريد إسقاط النظام). وشعار (يا حسين) وصوره المزعومة مرفوعة على الرايات. لكن علم (العراق الجديد) أكثر استعراضاً بيد المتظاهرين هذه المرة. المناطق السنية تتفرج ساكتة. دلائل تشير إلى قناصة إيرانيين يطلقون رصاصاً من نوع خاص يحترق داخل الجسم يتصيدون المتظاهرين. ومليشيات إيرانية وأَخرى تابعة لإيران تشارك في قمع المتظاهرين وقتلهم. القتلى بالعشرات، والمصابون بالمئات، حسب إحصاءات رسمية. لكن الأخبار تروي ما هو أكبر بكثير. ما يلفت النظر أن المتظاهرين حتى الآن لم يخرجوا من بينهم من يمثلهم. انعزال السنة عن الوضع برمته واضح جداً. وبرروا ذلك بأنهم لا يريدون أن يمنحوا فرصة لاتهام المظاهرات بالدعشنة والبعثنة. أما لسان الحال فيقول: أبعدما فعلتم بنا… وفعلتم؟!
عن أي عراق يتكلم السنة في العراق وخارجه : العراق التاريخي ؟ أم العراق الجغرافي ؟
في وسط هذا الخضم ما زال (للوطنيين) السنة في العراق طبول تقرع، تطيل من زمن المأساة، وتشارك في تضليل الشارع العربي الذي لا يمكنه تبين ما يجري بوضوح، فيردد الكثيرون منهم كلمات من مثل (العراق العظيم ينتفض)! ولي هنا سؤال مهم وخطير أوجهه إلى الريح لعلها تسمع: عن أي عراق تتحدثون؟ العراق التاريخي؟ أم العراق الجغرافي؟
إن كنتم تتكلمون عن العراق الجغرافي، فهذا العراق ثلاث قطع: سنة وشيعة وكرد.. لن تلتئم إلا بضغط من خارجها، سرعان ما يفجرها من جديد لتعود فتتشرذم أكثر. والمنتفضون اليوم ليسوا سنة ولا كرد.. هذه حقيقة تتربص بكم في كل مكان من العراق. فأي عراق عظيم ينتفض؟
عراق الشيعة الذين استباحوا ديارنا بكل ما فيها ومن فيها من كرامة وقيم وأعراض وثروات ومساكن وحاضر ومستقبل؟ ما هذا العراق الذي يَعْظُم بمثل هؤلاء؟!
أم عراق السنة؟ فالسنة قاعدون يجترون عارهم، ويندبون حالهم، وتراهم ينظرون إلى الحدث وهم لا يبصرون. وأشد ما فيهم من بصيرة أنهم كفوا أنفسهم عن سفاهة وطنية لم يجنوا من ورائها سوى ما جنوه. أم عراق الكرد؟ فالكرد صانوا أنفسهم، واحتموا بإقليمهم من شر إيران وشيعتها من العرب والعجم. فلا علاقة لهم بالانتفاضة أصلاً ولا فصلاً!
وإن كنتم تتكلمون عن العراق التاريخي، فإن هذا العراق قد مات.. حقيقةً قد مات! عراق عمر وسعد والحجاج والرشيد وصلاح الدين وأبي حنيفة وابن حنبل.. لم يعد له من وجود.
نعم.. ممكن أن تعود له الحياة. لكن ليس بالشعارات والأحلام والمنامات. لن يعود إلا بمشروع سني كبير، أنتم عنه غافلون.
المظاهرات .. من أين ؟ وإلى أين ؟
هناك أشياء ظاهرة، وأخرى خافية. وقد تكون الخافية هي الأكثر تأثيراً في الحدث. وما لم نعرف ما وراء الستار فليس من السهل توقع ما سيحدث. بالنسبة لي – كشخص سني – يهمني أمران: دلالة الحدث، وما يقع في سلة السنة من ثمر. تحديد الجهات الفاعلة الرئيسة ربما يساعدنا في الوصول إلى التوقع والدلالة ورؤية الثمرة:
1. أمريكا وإيران :
الأحداث في العراق تتحكم فيها أطراف خارجية يمثلها لاعبان رئيسان هما أمريكا وإيران. والعراقيون، منذ 2003 حتى الآن، ليسوا أكثر من وقود لها. والنتائج لمن يوقد النار.. إما بإقصاء أحد الطرفين للطرف الآخر، أو بالتقاسم في حالة العجز عن ذلك.
2. الشيعة:
الجمهور المتظاهر أعزل من السلاح، لا قيادة له حتى الآن. تقف ضده قوى منظمة من مليشيات وجيش وشرطة وعصابات تابعة لإيران، لا تعرف الرحمة ومدججة بأعتى الأسلحة. المعادلة ليست متكافئة. الحسابات المألوفة تقول: إن المتظاهرين ذاهبون إلى السحق تحت بلدوزر تلك القوى. وربما آلت الأمور إلى ترسيخ سيطرة (ج ح ش)، وإضعاف قبضة الجيش، وظهور ما يشبه الحرس الثوري في العراق.. اللهم إلا إذا كان الحدث يخفي وراءه شيئاً غير عادي.. تدخل دولة خارجية مثلاً. ولا أرى سوى أمريكا يمكنها فعل ذلك، وتهيئة كل متطلبات الهدف، على أن تكون لها مصلحة في إنجاحه في هذه الفترة. إذ قد تكون المظاهرات – ضمن الخطة – خطوة ممهدة لحدث آخر .
3. السنة:
السنة خرجوا من المعادلة بالكلية؛ فلا أثر لهم في الحدث الواقع ولا النتيجة المتوقعة. فعليهم أن يحافظوا على ابتعادهم عما يجري. لقد أقصاهم الشيعة عن كل شيء؛ فعلى الشيعة أن يحتاروا بشأنهم. الثورة – إن صح تسمية الحدث بذلك – ثورة الشيعة فليحملوا وزرها وحدهم. والشيعة هم من خرب البلد فعليهم تقع مسؤولية إصلاحه. وهم من دمر مناطقنا وقتّلنا وشردنا؛ فماذا يريدون منا بعد كل الذي فعلوه؟ ووالله ليس في قلوبنا تجاههم أقل من الدعاء لهم بأن يسقيهم الله تعالى من الكأس التي جرعونا إياها. بل ندعو لهم بذلك وزيادة. فهل نحن في ذلك عائلون؟
لكن هل سيقع شيء من ثمر في سلة السنة؟ وأجيب: نعم. وفي كلتا الحالتين: الفشل والنجاح. إلا إذا حدث شيء غير عادي.. سيطرة (ج ح ش) واستبداده بشؤون العراق. لكنني أستبعده بوجود الأمريكان.
قد تفشل الانتفاضة ويسحق الجمهور الشيعي. وفي هذه الحال يتمزق الصف الشيعي أكثر ويترسخ ضعفه، وتزداد الشقة بين الشيعة وإيران، إنما إلى حين تحسن الوضع، وبعدها (تعود حليمة إلى عادتها القديمة)؛ فالتشيع صناعة فارسية، يحمل في ذاته الجين الفارسي: فكراً وهدفاً. شيعي يعني ولاءً محسوماً لإيران مهما كان انحداره العرقي. وأقل ما يسوق الشيعي نحو حضن إيران عقيدته في تقليد المرجع كأصل لا يقبل عمله من دونه. والمرجع إيراني قلباً وقالباً، ولو أقسم لك بالنار والنوبهار!
وقد ينجح الحدث، وتتحسن الأوضاع وتخف القيود، وتحصل إصلاحات. وهذا يعود على السنة بالفائدة، وليس على الشيعة وحدهم.
الأحداث تسير إلى صالح السنة بصورة أو بأُخرى. ورجاؤنا أن يحقق الله تعالى في إيران وشيعتها وأشياعها قوله جل جلاله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:6-14).
5 تشرين الأول 2019
كلما مرت علينا أحداث كهذه المظاهرات أردد كلماتك: بكثر ما حرتنا ناحت تنوح أمك
وإن شاء الله تعالى تكون الأحداث لصالح أهل السُنة ولتيارنا، وأن يكون فاتحة خير.
جزاك الله خيرا شيخنا الجليل على هذا التوضيح الهام
إن شاء الله الحياة لنا والمستقبل لنا والقادم لنا !
الان الساحة حامية يجب تشجيعهم على الخروج للشارع والتصادم فيما بينهم فكلما انشغلوا ببعضهم خف الضغط على اهل السنة .
في قراءة للمقال لفتتني انتباهة الكاتب الى موت العراق التاريخي وقلت في نفسي هل يمكن ان نحيي هذا الميت ونرجعه وليدا الم يكن ميتا قبل الاسلام وهو في حضن الدولة الساسانية والله يقول ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأنعام (122)
القران يتكلم ان الحياة في نور فكرة تلتأم بها الجغرافي بعد تصدعها وانشقاقها وتحيي موات التاريخ بعد ترسبات الثقافة وزلازل الفتن وبراكين البدع التي نسفت العقول وغيرت معالم الديموغرافيا للمجتمع العراقي فصار يلعن عروبته ويتنكر سنيته ويسب حملة رسالته بعدما كان جمجمة العرب فتحا وثقافة وتاسيسا للعلوم .
والسؤال كيف نحيي موات تاريخنا ؟!!
انه المشروع والمشروع السني فكرة وتحصينا وخطة وعملا وقد رسم التيار السني خطواته بوضوح رابطا بين سنة الشرع وسنة الكون بخطوات وئيدة وعملا يحمل بين جنبيه عدتان الحلم والاناة وبغيره سنكون كما قال تعالى ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُواۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ النّمل (52).