مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

ما الذي يجري في العراق ولبنان ؟

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\USER\Desktop\عرق.jpg بعد صلاة الجمعة ظهيرة يوم أمس كنت جالساً مع بعض أولادي في حجرة الضيوف. ذكر أحدهم أمراً فقال عنه: (مُلفت جداً). فاعترضت عليه قائلاً:

– قل: لافت، ولا تقل: ملفت.

التفت إلي مستفهماً وقال: لماذا؟ فأجبته مبتسماً:

– أعطيك قاعدة صرفية تجيبك إجابة وافية لن تنساها. كل فعل ثلاثي فاسم الفاعل منه يأتي على وزن (فاعل)، واسم المفعول على وزن (مفعول). مثل: (عَلِم: عالم، معلوم). وما زاد عن الثلاثي فضع في أول الفعل ميماً مضموماً واكسر ما قبل آخره. هذا مع اسم الفاعل. وأما مع اسم المفعول فافتح ما قبل آخره. مثل: (هلهلَ، مُهلهِل، مُهلهَل). ما قلتَه يا ولدي، يعود إلى فعل ثلاثي هو (لَفَتَ)؛ إذن اسم الفاعل منه: (لافت)، وليس (مُلفت).

واستطردت فقلت: كل شيء له قواعده التي تحكمه. الأحداث التي تهمنا: سياسية كانت أم غيرها لها قواعدها وسياقاتها. فإذا عرفنا أي قاعدة تحكم الحدث، وعرفنا تفاصيله وحيثياته، سهل علينا تحليله واستنتاج الدوافع التي أدت إليه، والمآلات التي سينتهي إليها. وهذا هو ديدن القراءة الواعية أو القراءة القائدة للكونين: المسطور والمنظور.

وتناولت حدثاً راهناً مهماً، وضربت مثالاً من الماضي القريب. أما الحدث فمظاهرات الشيعة في العراق، وأما المثال فكان الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية سنة 2011.

مظاهرات الشيعة

بعد أن بلغ فساد الدولة عنان السماء، وبعد أن اختفى السنة من ساحة الحدث؛ فلم يعد من عدو يلوح به الأكابر لتخويف الأصاغر؛ كي ينشغلوا به عن واقعهم البائس، وصار القوم وجهاً لوجه أمام بعضهم، وتبين خيط الظالم من خيط المظلوم.. نزل الشيعي المسحوق إلى الشارع، في بغداد وعدة محافظات جنوبية، يهتف ضد من ظلمه وسحقه بلا رحمة. لم يتوقع الجمهور الأعزل أن يواجه كل هذه القسوة من أبناء جلدته! لقد بلغت أعداد القتلى خلال بضعة أيام لم تزد على العشرة – حسب بعض المصادر – المئات حتى كسرت حاجز الألف، أما الجرحى فتجاوز عشرة الآلاف. كان الشيعي متفاجئاً حد (الصدمة) وحد (الذهول). وخلال بضعة أيام تلاشى الجمهور من الشارع. قوة منظمة مدججة بأعتى الأسلحة، وأقسى الضمائر الميتة، بعضهم من الحرس الثوري الإيراني، كما صرح به بعض المتظاهرين.. شيء طبيعي أن تغلب قوة غير منظمة مهما بلغت أعدادها ما لم يحصل شيء استثنائي يغير المعادلة، أو كان هناك من يغذي الحدث حسب خطة مسبقة. ولا أظن هذا (الهناك) سوى أمريكا، إذا كان هذا الاحتمال صحيحاً.

ثم تواترت الأخبار بتحديد يوم 25 من هذا الشهر موعداً للنزول ثانية إلى الشارع. والكل بالانتظار. وقد تسحق الجموع كما سحقت في النوبة السابقة. وتدفق آلاف من قوات الحرس الثوري عبر الحدود إلى العراق في الأيام السابقة بحجة حماية زيارة الأربعينية (في 20 صفر)، يحتمل أن يكون لهذا الغرض، ويحتمل أن يكون لغرض أبعد، وهو احتلال العراق والسيطرة عليه باتباع طريقة التدرج الناعم. وأرى أن هذا يقرب من نهاية نفوذ إيران في العراق، ويمنح ترامب حجة أكبر أمام العالم وأمام الشعب الأمريكي في أي إجراء يتخذه ضد إيران. إن هذا يعني ارتكاب حماقة كحماقة غزو الكويت، التي كانت بداية النهاية للنظام السابق. وضحكت إيران كما لم تضحك منذ يوم القادسية الأولى! وأظن الدور قادماً إليها لتبكي كثيراً.. أكثر مما ضحكت كما لم تضحك من قبل!

لماذا أمريكا ؟

  1. لننطلق من قاعدة (الصراع على النفوذ بين الكبار)، وأنها إحدى المحركات الكبرى للأحداث. بل هي قاعدة من قواعد السياسة: الناعمة منها والخشنة. هل في ذلك شك؟
  2. إن الشرق الأوسط أكثر المناطق في العالم صراعاً على النفوذ بين الدول الكبرى. ويشكّل المشرق العربي أهم أقاليم هذه المنطقة. يأتي العراق في الأهمية على رأس قائمة دول المشرق العربي التي يجري التنافس بينهم عليها. لهذا غزت أمريكا العراق لتتخذ منه قاعدة لترسيخ نفوذها في الشرق، ولا شك أن لهذا انعكاسه الكبير على نفوذها العالمي. ويمكنك أن تتبين أهمية العراق بالنسبة لنفوذ أمريكا من خلال الأحداث الجارية. لقد خففت أمريكا من وجودها العسكري في سوريا وتركتها في كفالة روسيا، وكذلك وجودها في أفغانستان، لتلقي بثقلها في العراق.

الانسحاب الأمريكي من العراق سنة 2011

بعد قرابة تسع سنين من الاحتلال اختار الأمريكان الانسحاب من العراق بدل الاستمرار في دفع فاتورة مواجهة المقاومة العراقية. هكذا سيكون السنة – الذين أصروا على المقاومة في عملية غير محسوبة – أمام الدولة الشيعية بكل ما لديها من قوة وحقد ودعم محلي وعالمي. بعد سبع سنين عجاف أتت على السنة فمحت كيانهم من الوجود، صاروا يتطلعون إلى كل منقذ ولو كان هو أمريكا.. عندها عادت أمريكا مطلع هذا العام/2019 وقد أمنت ظهرها من السنة.

ماذا تعني عودة الأمريكان ؟

دعونا نحسبها خطوة خطوة:

  1. من ينافس أمريكا النفوذ في العراق؟ ليس سوى إيران.
  2. ماذا ستفعل أمريكا وإيران متمكنة من عنق العراق: فالشيعة موالون لإيران، ولها جيش لا يستهان به تحت غطاء (الحشد الشعبي)؟ ثم إن أمريكا حريصة على أن لا تضحي ولو بجندي واحد، لا سيما والرئيس الأمريكي محاصر باقتراب موعد الانتخابات ويريد الفوز فيها بكل سبيل. وفي الوقت نفسه تريد أمريكا انتزاع العراق من إيران وبسط نفوذها عليه دون منافس.
  3. لا أستبعد – والحالة هذه – أن التجربة السابقة، التي أفلحت أمريكا فيها مع السنة ستعيدها ثانية مع الشيعة، ولكن بشكل آخر يتناسب مع وضعية التحدي الجديد.
  4. C:\Users\USER\Desktop\للل.jpg الظلم والفساد المستشري في العراق على يد إيران ومواليها، بلغ حداً فاق احتمال الجمهور الشيعي! إنها فرصة يمكن بها عزل إيران عن شيعتها، بل إغراء أحدهما بالآخر. إن هذا سيضعفها ولا شك. فلتكن البداية من المظاهرات. سيحصل عنف شديد. وقد تحصد النوبة الثانية من المظاهرات أكثر مما حصدت في النوبة الأولى الأولى.. ليكن. بل قد يكون هذا هو المطلوب من أجل تنضيج النتائج بصورة أكثر. أخيراً سيلتفت الشيعة يميناً وشمالاً يطلبون الخلاص من إيران ولو على يد الشيطان! والشيطان بل (الشيطان الأكبر) قريب منهم، وهم أحق به وأهله. قد تحتاج النتيجة النهائية من أمريكا إلى استعمال القوة.. لا بأس؛ ستكون نسبة الخسائر قليلة يمكن للشعب الأمريكي احتمالها.

أليس هذا وارداً بدرجة راجحة أو كبيرة؟

أما أنا فلا أستبعده. لكن لا أجزم به؛ لأن كثيراً من حيثيات الحدث وتفاصيله غير معلومة لدي. وهذه هي السياسة، بعيدة الغور، واسعة المدى، كثيرة الدهاليز.

لكن قبل أن أنهي كلامي لدي سؤال: هل مظاهرات لبنان منذ يومين جاءت انعكاساً عفوياً لما يجري في العراق؟ أم هي ضمن الخطة من الأساس؟

19 تشرين الأول 2019

 

اظهر المزيد

‫5 تعليقات

  1. في ظل الاحداث المتسارعة ارى ان بؤرة الجذب بين حيوانات السرك انتهى بعد ما انشغل المدرب بنفسه بين مقصلة الحصار ومغارم المال .
    لقد عاد كل شيء لاصله و أصاب اعصار الحقد البيت الشيعي وجففت منابعه وبدأت معالم للافاعي والعقارب والغربان تاكل بعضها بعضا وهذه نهاية البؤر الجاذبة لقوة بيت العنكبوت الشيعي ولكن المشكلة هي بقايا السموم من هذه النهاية وهي الفكرة والهوية والمسارات والعقد النفسية التي تركها البيت الشيعي في سمومها التي هي كمستودع بارود انفجر بل هو قنبلة ذرية استهدفت العقل والدين والثقافة والهوية والانسان فلا بد من نهضة مشروع ذا هوية محددة وخطط مرسومة ومشروع ذا مسار لا يعجله خيول ضابحة ولا جياد صافنة فتوؤد جهد وتجعله كنود ووبوار بل الحلم والاناة هو الطريق والبوصلة .

  2. إيران واتباعها في لحظة حور غزل وحيرة عقل وتيه بين الجوع والقتل فما من معصوم يجمع ولا من ولي يقنع الشيطان الأكبر انهم له عاملون وبه مؤمنون لقد رأى الشيطان أفعالهم وقال لهم لقد ارتقيتم مرتقى حتى صرت من جندكم فصرت حمارا اضحي بدمي في العراق وافغانستان وانتم تتاجرون بالنفظ واليورانيوم والمخدرات وتوسعتم من الأحواز إلى أفريقيا 🌍 لقد تجاوزتم حدكم وآن ان نؤدبكم كي تبقى جنديا ولا تستعلي على شيطانكم الأكبر.

  3. كلام منطقي جدا، التوقيت والمظاهرات العفوية التي لاتنتمي الى جهة او حزب او مرجعية تجعلنا نتوقف ونراجع المشهد، انطلقت مظاهرات في العراق ضد الفساد الذي سبب الفقر والعوز والتشرد، فجاء الرد قاسيا جدا تسبب في توقفها، كان لا بد ان تتوقف، فليس هناك مظاهرات تستطيع ان تقف امام السلاح المستخدم، والقسوة والجبروت، واضح جدا ان القاتل ليس عراقيا، وواضح جدا ان مصلحته تقتضي ان يضحي بماتبقى لديه من اجل البقاء!
    لبنان وثورتها المشابهة تستهدف الجهة نفسها وللاسباب نفسها، وبالتأكيد نستطيع ان نسأل هل كان ذلك صدفة؟ ام هي عدوى؟
    فرصة اسقاط الحكومة في لبنان اكبر في هذه المرحلة فمن الصعب التعامل معها كما في العراق. الايام القادمة مليئة بالاحدث في كلا البلدين. انسحاب امريكا من سوريا حرك الماء الراكد، كيف؟ يحتاج وقفة.

  4. وصف وتحليل قريب جداً من الواقع ومن مجريات الأحداث، بل ومآلات الأمور -والله أعلم- تجري بهذا الإتجاه والأيام القادمة ستفصح عن ذلك.

  5. تحليل واقعي وعميق ونتمنى أن يكون قمع المضاهرات هي الحماقه التي ستنهي إيران وعملائها من العراق.

اترك رداً على حائرة إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى