مقالاتمقالات أخرى

مظاهرات تشرين العراق

 

الأستاذ حسنين عبدالله الأموي/التّيار السُنّي في العراق ــــ المنظومة السياسة

المظاهرات في العراق ليست جديدة فقد انطلقت المظاهرات في العراق منذ العام 2003 وليومنا هذا ولشتى الأسباب ولمختلف فئات المجتمع، لكن الجديد في هذه المظاهرات هي الفئة العمرية التي شكلتها والتي تُعد سابقة لم تشهدها المظاهرات السابقة.

فمن قام بالمظاهرات؟

ولماذا انطلقت المظاهرات؟

وما هي مطالب المتظاهرين؟

وماهي موقف الحكومة العراقية منها؟ وما هو موقف النظام الإيراني؟

وما هي تداعياتها على الشأن العراقي والإيراني؟

والإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها هي ما ستكون موضوع مقالتي هذه.

 

شباب البوبجي (PUBG)

إن أبرز ما تميزت به الفئة التي انطلقت بها مظاهرات العراق هي الفئة العمرية الشبابية التي تراوحت بين (16-22) عاماً وهي الفئة التي تُشكل بداية المرحلة الإعدادية ونهاية المرحلة الجامعية والتي تُمثل شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع العراقي، وقد إلتحق بهم بقية فئات المجتمع ـــ رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً ـــ وبدأت الأعداد بالتزايد لتشمل أغلب فئات المجتمع العراقي المتضررين من النظام السياسي الفاسد والذي حكم العراق طيلة الستة عشر عاماً مخلفاً دماراً وخراباً طال كل شيء فيه مادياً كان أم بشرياً.

 

أسباب المظاهرات

إنَّ المرحلة التي تلت عام 2003 وحتى اليوم تُعتبر من المراحل السيئة التي مرت بالبلد ـــ إن لم تكن الأسوء ـــ

فقد أنهت الأحزاب والشخصيات التي جاءت مع المحتل الأمريكي والإيراني مؤسسات الدولة العراقية القائمة لتعيد بنائه على هواها وبما يخدم مصالحها الشخصية والحزبية، ليتحول العراق من دولة كانت تُصنف في مقدمة الدول النامية إلى دولة في ذيل قائمة تلك الدول وليحصل على الترتيب النهائي أو قبل النهائي في كل شي، بل وصار العراق أضحوكة للعالم وصارت بغداد من أقذر المدن التي لا تصلح للعيش.

ووجد الشباب نفسه أمام مستقبل مجهول أو بلا مستقبل حتى، الأمر الذي جعل الكثير منهم يُهاجر راكباً الأمواج العاتية إلى بلدان الغرب؛ لعله يجد وطناً بديلاً لبلده الضائع.

واستمر الوضع العراقي بالتردي حتى وصل الأمر إلى يوم واحد تشرين الأول من العام 2019 ليُعلن الشباب كفره بإيران وأحزابها وكل متعاون معها أو راضٍ بحكمها، وليشهد العراق تظاهرات استمرت لعدد من الأيام ثم توقفت ثم استأنفت يوم 25 تشرين الأول ولا زالت.

 

مطالب المتظاهرين

إن الضياع الذي يعيشه المواطن العراقي عموماً والشاب خصوصاً جعله يبحث عن وطنه كي يسترجعه من زُمر استولت على العراق في غفلة من أهله ممتطيةً الطائفية تارة والمذهب تارة والحزبية تارة أخرى؛ مما جعل المتظاهرين يرفعون شعارهم الأبرز: (نُريد وطن)، ثم توالت الشعارات المطالبة بعدم ركوب موجة التظاهرات من قبل الأحزاب والشخصيات الفاسدة التي حكمت العراق طيلة الفترة الماضية.

ولترتفع المطالبات شيئاً فشيئاً متمثلة باسقاط الحكومة والنظام السياسي برمته وإعادة بناء عملية سياسية جديدة وتعديل الدستور وإصلاح القضاء وغيرها من المطالبات التي تهدف لبناء عراق جديد بعيد عن الفاسدين.

ثم ازدادت المطالبات لتصل إلى التنديد بإيران وبكل ما يمت بصلة لها فهي أساس كل خراب بل هي أم الشرور في هذا الوطن.

 

موقف الحكومة العراقية وإيران

لقد كان الموقف الحكومي موقفاً هزيلاً وغير مسؤول، فلم تبادر لوضع الحلول الحقيقية والجذرية التي تُسهم في امتصاص غضب الشارع سوى تقرير أعدته لجنة مشكلة من قبل الحكومة أقل ما يقال عنه أنه يفتقر للمصداقية وأنه يُساوي بين الضحية والجلاد.

بل ظهر للقاصي والداني أن الحكومة ليس لها سيطرة على الجهات المسلحة التي قتلت وجرحت الالآف من المتظاهرين ولم تستطع أن تُسمي أو تُجرم فصيل أو جماعة واحدة.

بل ظهر جلياً أن الجهات والميليشيات التي تدين بالولاء لإيران هي أطول يداً من الحكومة، وأنها تتحرك دون إذن منها، بل وتقتل دون خوف من رادع.

واتسم الموقف الإيراني بالسلبية منذ الأيام الأولى للمظاهرات من خلال التصريحات المسيئة للمظاهرات ووصفها بأنها مدعومة من الخارج وتمثل مصالح أمريكا وإسرائيل، كما شهد دخول قوات عسكرية كبيرة للعراق بحجة حماية الزائرين وهي الحركة التي تمثل مخاوف إيران من هكذا مظاهرات والتي تُعتبر من أكبر الكوابيس التي تعيشها.

 

تداعيات المظاهرات

إن أكبر ما يتهدد الحكومة وأحزاب السُلطة هو الزوال والمطاردة؛ للجرائم التي ارتكبوها والسرقات التي قاموا بها والخراب الذي أحدثوه في البلد، وهذا يجعل الحكومة في خطر كبير لابد من مواجهته حتى لو اضطرت أن تُسلِّم زمام الأمور بيد إيران من أجل الحفاظ على مكاسبها ومغانمها ومناصبها.

أما إيران فهي الخاسر الأكبر من هذه المظاهرات لأنها كالنار التي ستنتشر في هشيمها فتحرق أخضرها ويابسها؛ وهي كالنفخة التي ستطلق مظاهرات إيران التي تحتاجها؛ لكي تشعل جمرتها التي تسكن تحت رماد القمع الإيراني.

 

إفرازات المظاهرات

لقد أفرزت المظاهرات عدد من الأمور التي تستحق أن يوقف عندها ودراستها وهي:

1. العفوية في الإنطلاقة والتنظيم.

2. الفئة التي انطلقت بها المظاهرات وهي فئة الشباب.

3. المواقف الإنسانية التي شهدتها التظاهرات ومن مختلف شرائح المجتمع.

4. بروز دور أصحاب عجلة (التك تك) في نقل الجرحى والقتلى وتوصيل المواد الضرورية للمتظاهرين الأمر الذي جعلهم يكسبون احترام العراقيين في الداخل، ولفت انتباه دول العالم.

5. عدم السماح لأي جهة أو شخصية سياسية كانت أم دينية من ركوب موجة التظاهرات.

6. سقوط هيبة كل الرموز الدينية والسياسية التي خدعت الشعب طيلة الفترة الماضية.

7. الهجوم على إيران ونظامها ومرشدها بشكل لم يسبق له مثيل، واتهامها بتدمير البلد ووصوله إلى الحال الذي هو فيه، بل وصل الأمر إلى الدعوة لمقاطعة البضائع الإيرانية.

إن استمرار المظاهرات في العراق ونجاحها لا يغير النظام السياسي في العراق وحسب، بل يؤسس لانهيار المشروع الإيراني في المنطقة، وسينسحب ذلك على الداخل الإيراني الأمر الذي سيجعل النظام الإيراني في مهب رياح التظاهرات.

 

 

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الاستاذ الاموي خيرا على تفصيله لحركة المتظاهرين ومراحلها، واتفق معه في النتائج والملاحظات وخصوصا سقوط الهالة التقديسية للعمائم الشيعية، وهذه أولى خطوات التحرر الفكري لهذا الجيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى