مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

عزل ترامب .. بين اللوبي الإيراني والدولة العميقة في أمريكا

د. طه حامد الدليمي

ترامب الفكر السليم يجعل من الذات (فرداً ومجموعاً) محوراً يرتكز عليه ويدور حوله ويعرج منه إلى الآفاق: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11). ثم لا يكتفي حتى يسخّر فكرته لخدمة مشروع رباني عظيم. بينما الفكر الآخر يظل يدور هنا ويثور هنا، كلما سمع هيعة طار إليها ثم آخر النهار يحط بعيداً عن محاور دورته وثورته.

مشكلتنا في ثقافتنا. تعاني من عقد فكرية أورثت عقداً نفسية، على العكس من الثقافة الشيعية التي تعاني من عقد نفسية أرّثت عقداً فكرية. لو انحلت العقد الفكرية التي تكبل ثقافتنا المستوردة عن زمن مضى وانقضى لكن مخلفاته ما زالت تسمم حياتنا.. لسهل حل الإشكالات التي تمنع عقولنا من الانطلاق للتحليق في فضاء آمن سليم.

بين الرئيس دونالد ترامب وبقية الرؤساء

ثمت حملة كبيرة في محيطنا العربي على ترامب منذ انتخابه رئيساً لأمريكا. ليكن. لكن من حقي أن أسأل سؤالاً لم أره يتشرف بالمثول على طاولة المتبارين رغم إلحاحه وواقعيته:

ما سر هذه الحملة على ترامب؟ ما الذي اختلف فيه هذا الرئيس عن بقية رؤساء أمريكا إلى درجة أن تشن عليه مثل هذه الحملة غير المسبوقة؟

– يكره الإسلام؟ وهل بقية الرؤساء يذوبون حباً في الإسلام؟

– يناصر اليهود؟ يبدو أن أولئك الرؤساء فقدوا مناصبهم تباعاً لمعاداتهم الفلسطينيين!

– اتخذ من القدس عاصمة لدولة إسرائيل؟ وهل فعل أكثر من أنه نفذ ما سعى إليه الآخرون؟ وهل كانت القدس في حوزة العرب من قبل فجاء ترامب وانتزعها منهم؟

– أحمق ومعتوه؟ أهذا هو الذي يزعجكم؟ طيب دعوه حتى يهلك نفسه وأمريكته، وبعدها لن يجد اليهود من يمنعهم. أليس هذا خيراً لكم؟

كن أنت المحور

أنا مسلم سني.. هويتي سنية، وقضيتي المركزية هي السنية.

بذلك وحده أشعر بوجودي الحقيقي وثقله في الكون فكنت أنا محور الحدث؛ لقد انطلقت من ذاتي، ولم أبدد طاقتي في الدوران خارج كتلتي، أو حول هويات، ليست واحدة منها هي الهوية الصائبة.

حين اتخذت من الذات محوراً ومن السنية منظاراً استطعت أن أبصر شيئاً آخر اختلف به الرئيس ترامب عن غيره من الرؤساء. شيئاً رآه الذين تطيروا من ترامب جيداً فتطيروا منه، وغاب عن شهوده الكثيرون. لقد توعد ترامب إيران وصدق في توعده. ويوم تسقط إيران سيسقط بسقوطها أولئك، ومنهم ساقطون منذ البديئة.

اللوبي الإيراني

هل وضح الآن سر الحملة على ترامب؟ وللتفصيل أقول:

لقد كونت إيران بأموالها وعلاقاتها (جماعات ضغط/لوبيات) تلف الكرة الأرضية بدءاً من العراق حتى أمريكا مروراً بأوربا وآسيا وغيرها من القارات. تأبطت تحت جناحها أولئك (المتأرينين) وأولهم الأحزاب الإسلامية، كاسحاً في طريقه الأحزاب القومية التي يفترض أن تظل أبعد ما يكون عن إيران. هكذا قاد جون كيري وزير الخارجية والمرشح الأسبق للرئاسة مظاهرات في أمريكا ضد اختيار ترامب. وتنبش قليلاً ليظهر لك الطبيب الإيراني “بهروز ناهد” يلقي إليك بابتسامة صفراء ثم يحول وجهه نحو زوجته “فانيسيا كيري”!

وتتوغل قليلاً لترى:

  • “فاليري جارت” أقرب المستشارات إلى حسين أوباما والصديقة الشخصية للعائلة.
  • “سيروز أمير مكري” مساعد وزير الخزانة الأمريكي.
  • “فـريال جواشيري” الكاتبة الخاصة لأوباما، ومستشار مساعد في مجلس الأمن القومي.
  • “نوروز زادة: عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي.

ونكتفي بما ذكرنا عن سواه.

لم يكن هؤلاء مجرد أفراد في مناصب حساسة بأمريكا فحسب، إنما أعضاء في جماعات ضغط معروفة هناك، منها (المجلس الوطني للإيرانيين في أمريكا/ ناياك NIAC) برئاسة الإيراني المشهور “تريتا بارسي” مؤلف كتاب (الحلف الغادر). لقد بدأ هذا النشاط منذ عهد الشاه. مثلاً مؤسسة “بيناد بهلوي” أسست عام 1973، وتغير اسمها بعده إلى “بيناد مستضعفان” ثم “بيناد علوي”. لكنه ترسخ واستشرى في دولة الولي الفقيه.

الرئيس الأمريكي وستراتيجية ( الدولة العميقة )

أرأيت كيف يصبح موضوع عزل ترامب من عدمه حركة جزئية في مسار ثابت المصلحة السنية.

إن وجود ترامب في هذه المرحلة الحرجة يتوافق وهذا المسار. لهذا نجد المستبشرين بعزل ترامب ثلاثة أصناف: إيران، وشيعتها، وأشياعها. وأن الصنف الأخير (المتأرينين) اصطفوا إلى جانب عدونا الأكبر فسقطوا من حساب الأمة (السنية). كما سقطوا في هوة دعاوى ومفارقات فكرية وعملية تثير الشفقة من إفلاسها. فلطالما قال هؤلاء: أمريكا دولة مؤسسات فلا يغير رئيس من غيره مسار سياستها. وكأن الرئيس ترامب كان قد لبس طاقية خفاء ثم قام بعبور تلك المؤسسات قبل أن يفاجئهم وهو على عرش الرئاسة!

لقد جاءت تلك المؤسسات بترامب من أجل أن ينفذ سياسات رسمتها مسبقاً؛ وما دام أن تلك المؤسسات باقية في مكانها فليذهب ترامب أو ليبق في مكانه لن يتغير شيء. أليس كذلك يا (صديقي) المتأرين؟ لم تكن سياسة أمريكا الجديدة نتيجة طبيعة هوجاء يعاني منها الرئيس ترامب تنعكس على شخصيته وتصرفاته، بل هناك (دولة عميقة) توجه سياقات السياسة الأمريكية وستراتيجياتها، وقد تتدخل في التفاصيل إن لزم الأمر.

رايان وفي هذا السياق نفهم تصريح الجنرال (دفيد بترايوس) قائد القوات الأمريكية السابق في العراق، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية خلال عامي 2011 – 2012. أي إن تصريحاته تنطق بلسان الاستراتيجية الأمريكية. صرح في تموز 2016 على قناة ABC NEWS، أي قبل انتخاب ترامب أصلاً بعدة أشهر: (إن العراق ينتظر أحد سيناريوهين؛ الأول إيجابي ويرتبط بنجاح السيد العبادي رئيس مجلس الوزراء في إخراج العراق من أزماته المتعددة في ظل دعم أمريكي، والثاني الأسوأ الذي يتمثل بفشل العبادي في مهمته، أو إنه اختار أن يكون وفق الرؤية الإيرانية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقاتل في العراق، وأن العراق سيكون مهمة الرئيس الأمريكي القادم والذي يليه والذي يليه). وإذا كان (العراق مهمة الرئيس الأمريكي القادم والذي يليه والذي يليه)، فإن ترامب يصدر في سياساته عن استراتيجية مرسومة من قبل (الدولة العميقة).

وهو يتوافق مع (تقرير مجموعة عمل مستقبل العراق) برئاسة السفير الأمريكي (ريان كروكر)، الذي كان يعد في الفترة التي صدر فيها تصريح (بترايوس)، حول كيفية حماية الولايات المتحدة لمصالحها الأمنية على أفضل وجه، وتعزيز المصالح العراقية عن طريق الانخراط الهادف والفّعال في العراق. وسيكون له دوره – كما أتوقع – في رسم مستقبل العراق، وعلاقته بالولايات المتحدة على حساب جارة السوء.

يُعزل أم لا يُعزل ؟

بعد ذلك أقول: إن عزل الرئيس لا يتم إلا بشروط صعبة أولها موافقة الأغلبية البسيطة لمجلس النواب ثم محاكمته من قبل مجلس الشيوخ وإدانته بشرط أن يصوت ثلثا الأعضاء بالإدانة. وهو أمر لم يحصل في تاريخ أمريكا كله. سوى أن إجراءات عزل بدأت في حق اثنين (أندرو جونسون 1868، وبيل كلنتون 1998) ثم نجيا من الإدانة، واستقال واحد (ريتشارد نيكسون 1974) قبل بدء الإجراءات.

ولو افترضنا أن عزل الرئيس ترامب قد حصل فسيحل محله بحكم الدستور نائبه مايك بنس، وهو أشد وطأ على إيران من ترامب، ويبقى طاقم الإدارة في مكانه وهو لا يختلف عن مايك بنس في تصميمه على ضرب إيران سواء بالإجراء العسكري أو الخنق الاقتصادي، وما شابهه من الآليات. وهي أنكى عاقبة لإيران، وأسلم لنا وأحمد عاقبة.

ثم إننا نقول: إن إرهاصات في الأفق تلوح بوضوح على أنه آن الأوان لتلقى إيران وشيعتها وأشياعها جزاءهم القدري، كما قال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر:43). وها قد بانت تباشيره، ونحن بانتظار التمام.

14 تشرين الثاني 2019

اظهر المزيد

‫4 تعليقات

  1. معلومة تضاف لهذا المقال الرائع وهي: جمع ترمب لحملته الانتخابية اموالا تفوق اموال كل منافسيه! ومعلومة اخرى ايضا: انتهت ولاية ترمب ودخلت امريكا في الحملة الانتخابية، فالانتخابات الامريكية في بداية تشرين الثاني 2020، وربما سيخسر ترمب الانتخابات، فما معنى عزله الان؟ وامريكا دولة عظمى لاتقوم على شخص كما هي العقلية في العالم المتخلف، هناك الكثير ممن يستطيع ان يقود امريكا وبنفس السياسة التي رسمتها دولة المؤسسات، عقلية القائد الملهم، والقائد الضرورة، والدكتاتور لاتوجد الا في عقول مؤيدي هذه الحملات اليائسة، وتبقى قضية عزل رئيس امريكي سياسة داخلية امريكية، اما مؤيدوها في عالمنا العربي والاسلامي فجوقة من الحالمون باستمرار مصالحهم الشخصية.

  2. مما عرف عن سيدنا عمرو ابن العاص في وصف الروم(أنهم أسرع إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة ) لقد تم خداع ايران لامريكا بسقوط بغداد ودفعت امريكا فخسرت امريكيا المعركة لتنمو ايران اقتصاديا في ثلاث عواصم فحسين الشهرستاني الوزير في العراق يخون امريكا وايران تعزل امريكيا في مسألة اليورانيوم المنضب وتحول العراق الى ثغلب فالمالكي يربط نفسه بروسيا عدوة امريكيا لياتي بالسلاح منها .
    أفاقت امريكا بعد هذه المصيبة مصيبة الخسارة امام المقاومة السنية التي اخضعت اامريكا لمصلحة ايران بحسن نية سنية لا مشروع لها ولا هوية فاهلكت امريكيا لكن قويت ايران فسحق المتصارعان السنة وامريكا وربحت ايران الا ان امريكا اليوم تريد تذيق ايران من نفس كاس السم الذي سقته لها والصاع صاعين ليس امريكا فقط انه اجماع اوربي وما راي وصف فرنسا ان المقعد الايراني في اي بلد ساخن .

  3. اتفق تماماً مع ما ذهبت إليه، وأقول أن الفكر القديم يراوح في مكانه بل يتقهقر فلا يجد سوى ترديد عبارات المؤامرة، والمخطط …الخ
    ولذا فهم عجزوا عن مواكبة الأحداث؛ لأنهم ينطلقون من أفق ضيق، ولم يسمحوا لأنفسهم أن ينطلقوا في أفق رحب كي يروا خارج فكرهم الضيق والمتخلف عن مجريات الأحداث.

اترك رداً على د. طه حامد الدليمي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى