مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الفرس .. أمة أمية : لا قلم ولا خط ولا لغة لها طوال تاريخها قبل الإسلام

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\USER\Desktop\خطخط.jpg قبل كل شيء أبرز لافتة التحدي المرفوعة منذ سنتين بوجه من يعلم ويماري، ويجهل ويعاند بلا علم، لكن أحداً منهم لم يتجرأ على مواجهته رغم كثرة المخالفين الذين اطلعوا عليه! وهو:

نتحدى أي زاعم لحضارة كانت للفرس قبل الإسلام أن يستشهد لذلك باسم عالم فارسي واحد، أو كتاب واحد كتبوه في أي حقل من حقول العلم والأدب والفن. أو بيت من الشعر، قالوه بلغتهم قبل عهد الخليفة العباسي المأمون.. طوال الحقبة التي كانت المنطقة أثناءها تحت حكمهم قبل مجيء الإسلام. وأكرر هذا التحدي كلما تكلمت عن التخلف الحضاري الفارسي.

منع تعلم القراءة والكتابة في القانون الرسمي للفرس

إن منع الشعوب الراضخة تحت الاستعمار الفارسي من تعلم القراءة والكتابة طبقاً للقانون الرسمي مما اتفق عليه المؤرخون، ولم ينكره حتى الفرس منهم.

يقول ويل ديورانت: (كانت الكتابة تبدو للفرس لهواً خليقاً بالنساء لا يكادون يقتطعون له وقتاً من بين مشاغلهم الكثيرة في الحب والحرب والصيد، ولم ينزلوا من عليائهم فينشئوا أدباً. وكان الرجل العادي أمياً راضياً عن أميته، يبذل جهده كله في فلاحة الأرض)([1]).

وفي كتاب (دين ضد الدين) يردد الإيراني د. علي شريعتي ما ذكره المؤرخون والباحثون من أن الكتابة كانت محرمة على معظم الشعب الإيراني، الذين يشكلون الطبقة الثالثة من المجتمع حسب التصنيف الطبقي المعتمد بحكم الدين الزرادشتي، حيث تقتصر الطبقة الأولى على الملوك والأمراء والنبلاء، والطبقة الثانية على رجال الدين)([2]).

وفي كتابه (صورة العرب والشعوب في الكتب المدرسية الإيرانية) يذكر د. نبيل عتوم – وهو الخبير؛ فقد عايش المجتمع الإيراني سنين – ما يؤيد هذا ويزيد عليه([3]).

وهذه الحقيقة من الشيوع والذيوع بحيث ذكرت في الكتب التي ألفت في زمن الدولة العباسية على يد الفرس أنفسهم ونسبت إلى الجاحظ وغيره لمقاصد معينة. مثل كتاب (المحاسن والأضداد) فقد جاء فيه: (كانت العجم تقيد مآثرها بالبنيان والمدن والحصون… ثم أن العرب شاركت العجم في البنيان، وتفردت بالكتب والأخبار، والشعر والآثار)([4]).

الفلسفة التي يقوم عليها منع الشعب الإيراني من الكتابة

يقول د. علي شريعتي عن الأصول القديمة لهذه الفلسفة الطبقية المتخلفة: (ينقل الفردوسي عن “رستم فرخزاذ” قوله: لو أتى الإسلام لساوى بين السيد والعبد ولخلط الأعراق ولضيع الحسب والنسب؛ لأن الحسب والنسب لا يمكن أن يكونا ملاكاً للفضيلة في الإسلام، ويحق للعبد والسيد على حد سواء أن يتصدى لمسؤولية القيادة والحكم في المجتمع الإسلامي). ويعلق د. علي شريعتي على هذا المقتبس قائلاً: (إن هذه الألفاظ التي أراد الفردوسي أن يعيّر بها الإسلام تعد من أكبر المفاخر وأبهى الشعارات المرفوعة في عالم اليوم)([5]).

C:\Users\USER\Desktop\عبع.jpg إن جذور الأمية ومنع التعلم تغوص عميقاً في ثقافة النظام السياسي للدولة، وفي ثقافة الجمهور الإيراني ومن تأثر بهم وهم جمهور الشيعة، حتى تحولت لديهم إلى ثقافة جمعية. ومن آثارها الشائعة في دولة الفوضى بالعراق اليوم تسليم إدارة الدولة إلى أشخاص معظمهم شبه أميين، فاقدين للشهادة العلمية، سوى تلك التي يحصلون عليها بالتزوير. حتى إن أحدهم سئل عما يحمل من شهادة علمية، فأجاب: لدي دكتوراه في حب الحسين! ولا أظن أحداً ينسى نعيم عبعوب الكعبي أمين عاصمة بغداد السابق. سأله مقدم البرنامج عن سبب فيضان شوارع بغداد فكان تفسيره سقوط صخرة كبيرة في أنبوب المجاري أغلت المجرى ففاضت بغداد. وقد بلغت تلك الصخرة من الشهرة شأواً بعيداً حتى حازت لقب (صخرة عبعوب)! (https://www.youtube.com/watch?v=_aaZHzYPQ4s).

ولما سئل عن سبب تخلف بغداد ووساختها أجاب مكابراً: بغداد أجمل من دبي ونيويورك وواشنطن، فما تروه في هذه المدن ليس سوى (زرق ورق/بهارج) لا حقيقة له! (https://www.youtube.com/watch?v=9AvjpIfV_Ns).

نسبة الأمية في دولة فارس طوال حكمها قبل الإسلام

ولو سألنا: كم يساوي عدد طبقة الملوك وطبقة رجال الدين مقارنة بالمجتمع؟ على أعلى تقدير لا يزيدون على واحد في المئة (1%)؛ فإن هذه النسبة تعني وجود عشرة آلاف (10.000) فرد من تلكما الطبقتين في مدينة مكونة من مليون نسمة. وهو عدد صغير جداً نسبة إلى العدد الكلي. وهذا – كما أسلفت – على أعلى تقدير! إن وجود واحد (1) يجيد القراءة والكتابة بين تسعة وتسعين (99) أمياً في مجتمع يعني أن هذا المجتمع أقل ما يقال عنه إنه مجتمع متخلف علمياً وثقافياً. أي إن هذا المجتمع أبعد ما يكون عن القلم وكل أداة تشير إلى العلم.

فكيف ينسب القلم إلى هذا المجتمع البعيد كل البعد عن القلم؟! وفي الوقت نفسه تسلب هذه الفضيلة من مجتمع أو أمة أقسم كتابها المقدس بالقلم، في سورة اسمها (القلم)، وكانت أول كلمة نزلت في ذلك الكتاب: (اقرأ)!

ليس للفرس خط للكتابة خاص بهم سوى الخط العربي

إن ما سبق من حالة الأمية الفاشية في بلاد فارس بحكم الفكرة أو الفلسفة المسبقة، وبحكم القانون الرسمي الصارم.. يفسر سبب عدم وجود خط للكتابة لدى الفرس خاص بهم؛ فهم أمة – إذا استثنينا القلة المتمثلة بطبقة الأعيان والكهان – لا تكتب من الأصل؛ فما حاجتها للخط؟

لقد دوّن الإخمينيون ما احتاجوا إلى تدوينه – وهو قليل مقارنة بما تركت بقية الأمم من مدونات – بالخط العراقي المسماري أولاً، والخط العيلامي المقتبس من الخط المسماري، ثم الخط الفهلوي القديم، وهو مقتبس كذلك من الخط المسماري مع شيء من التحوير والتبسيط لا يخرج به عن الأصل العراقي.

ثم قرر الملك دارا (داريوس) الأول (521 ق.م – 486 ق.م) اعتماد الخط الآرامي لقيامه على الحروف الهجائية. وقد عثر على نص دونه الملك دارا على صخرة في جبل (بهستون) كتب باللغات الثلاث (البابلية والآرامية والفهلوية القديمة). وقد يدل هذا على حاجة القارئ الفارسي إلى اقتران الخطوط (وربما اللغات) الثلاث لتيسير قراءة الخط الفهلوي أو الفارسي القديم الذي هو مجرد نسخة محورة عن الخط المسماري العراقي.

وبقي الخط المسماري متداولاً في بلاد فارس طوال العهد الإخميني الذي أسقط بابل في سنة (539 ق.م) حتى العهد الفرثي الذي حكم ما بين (247 ق.م – 224 ب.م) لكنه بدرجة أضعف مما كان عليه أيام الإخمينيين. وترك المجال أكثر للخط الآرامي السرياني إلى جانب الخط اليوناني. ولم يتمكن الفرس من امتلاك خط خاص بهم. واستمر الأمر على هذا المنوال حتى اليوم؛ فاللغة الفارسية تكتب اليوم بالحروف العربية([6]).

و”على الرغم من كل الحملات ضد العرب والحضارة العربية في الغرب، فقد حافظ بعض الباحثين والكتاب الغربيين على الموضوعية العلمية في دراساتهم عن تاريخ الحضارة والشعوب العربية، فالغرب لا ينكر أن الأبجدية هي من ابتكار العقل العربي، فقد أكد الباحثان الألمانيان غارينغ ونيماير أن الكتابة انتقلت إلى الفرس بدايةً عن طريق الآراميين. وهو الأمر الذي أكدته بدورها الباحثة الإيرانية ليلى برات زادة في دراسة لها بعنوان (تحسين الخطوط في إيران)، وذلك ضمن سلسلة (ماذا أعرف عن إيران؟) في عددها السادس والخمسين. وهي سلسلة يصدرها مركز البحوث الثقافية في طهران، وقد صدر هذا العدد في طبعته الأولى عام 2005م”([7]).

والآراميون هم عرب سريان، ولغتهم هي العربية باللهجة السريانية.

3 شباط 2020

………………………………………………………………………………….

  1. – قصة الحضارة، 2/412.
  2. – دين ضد الدين، مقتطفات من ص67 – ص69، د. علي شريعتي.
  3. – صورة العرب والشعوب في الكتب المدرسية الإيرانية، ص307، د. نبيل العتوم و د. عادل علي عبد الله.
  4. – المحاسن والأضداد، ص19، عمرو بن بحر الجاحظ، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423هـ.
  5. – دين ضد الدين، ص68، د. علي شريعتي.
  6. – مظاهر الحضارة الفارسية، ص10-11، بتصرف.
  7. – بحث بعنوان إيران: الحضارة الزائفة، عــــلاء إبراهيم حبيب، جريدة (أخبار الخليج) البحرينية، الرابط:http://www.akhbar-alkhaleej.com/13550/article/19863.html

 

اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. (نتحدى أي زاعم لحضارة كانت للفرس قبل الإسلام أن يستشهد لذلك باسم عالم فارسي ….)
    هذا التحدي يمر بخاطري كل مرة اقرأ في كتب التاريخ التي تتحدث عن حضارات الشرق القديم .. واسخر من تباهي المؤلف الذي يحبّر العنوان الذي يتعلق بـ “حضارة الفرس” كما يزعم !!
    كيف عبرت هذه الخدعة الكبيرة على هؤلاء الباحثين والمؤرخين دون أن يتفحصوها وينبّشوا في تفاصيلها وجذورها كما تفحصوا “دعوى المعجزة اليونانية” وكشفوا اصولها وجذورها ..
    لماذا يغض الباحث والمؤرخ الطرف عن العدو الشرقي ويأمن جانبه في حين يصب كل جهوده ويجيّش كل مشاعره في محاربة العدو الغربي وكشف الاعيبه!!

    1. الأخت سارا..!
      السبب هو أن الثقافة السائدة هي الثقافة الإسلامية الحزبية، والثقافة الدينية التقلدية.
      وكلتا الثقافتين مهووستان بالخوف والتحذير من الغرب والصليبية والثقافة الغربية، غافلتين غفلة كبيرة عن الخطر الشرقي الشعوبي بكل تفرعاته. وفي هذا الوسط ضاع الصوت القومي الذي هو أقرب من غيره إلى فهم الخطر الفارسي. لكنه يشكو من علل خطيرة، أولها التسوية بين الشيعي والسني ما داما عربيين. وكأن التشيع مسألة قومية بحتة وليس ديناً. مع أن الشيعي الهندي والأفغاني والباكستاني لا يختلف عن الشيعي الفارسي والعربي.
      مجمل القول.. نحن في حاجة إلى هوية سنية تستفيد مما عند أهلها من خير على اختلاف توجهاتهم، وتنفي ما عندهم من تقصير وشر، وتضيف إلى ما عندها من رصيد.. إضافة جديدة ليست تقليدية.
      والحديث يطول كثيراً. راجياً أن أكون قد أجبت على سؤالك الكريم.

      1. تماما شيخي الفاضل ..
        وهذا السبب إن فصلناه وجدنا في ثناياه المضحك المبكي..فعلّتنا جاءت من “شخصية العربي” الطيبة!!

        اعني ان الثقافة الاسلامية الحزبية والثقافة الدينية التقليدية -وهذه التي يُعتب عليها- خدعت أول الأمر بـ خدعة ما كانت لتمر لولا “الطبيعة الابوية للعرب” كما ذكرت في كتابكم عروبة العلماء.. فطبيعة العربي الخالية من العقد والطيبة حد السذاجة احيانا هي التي قبلت بدعوى أن جلّ علماء الأسلام من العجم و “جلّ هذا الجُلّ من الفرس” ..قبلت بهكذا اكذوبة دون أن تدقق- على الاقل- في حقيقتها ومصدرها .. وما مصدرها كما تعلمون إلا الموالي الذين انساحوا داخل جسد الأمة بدعوى طلب العلم وحسن الاسلام الذين يجيدون اظهاره.. حتى تمكنوا من شريانها الاهم علم الحديث وما اتصل به ..اضف إلى ذلك تصدير كثير من المستشرقين اكذوبة حضارة الفرس عند التعرض لحضارات الشرق القديم ودعمها بكل الوسائل الممكنة فابتلع العربي الطعم مجددا ..وصدق هذه الاكذوبة اولئك الذين تأثروا بالحضارة الغربية من العلمانيين العرب بحكم ان كل ما استقوه من الغرب صحيح لا نقاش حوله..

        ثم اولا واخير كما قلتم ما كان هذا ليمر لو أن الهوية الصائبة كانت حاضرة في وجدان الأمة فهي المصل الذي يمكن به تحصين الثقافة ضد الخطر الشرقي اللعين والغربي ايضا..

        جزى الله شيخنا خير الجزاء على ما يبذل من جهد عظيم لإيقاظ هذه الأمة لإستعادة حقها المسلوب

  2. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الشيخ الدليمي خير الجزاء
    اينما توجه العرب فأنهم بناة حضاريون والأندلس تشهد بذلك، واينما توجه الفرس فأنهم مخربون متخلفون والحضارات التي نشأت في العراق تشهد بذلك، وإلى يومنا هذا فحيثما حلّ الفرس حلّ الخراب والدمار والتخلف

  3. العداوه الأبدية بين العرب والفرس لاتنتهي الي يومنا هذا وفي كل زمن تتغير الفكره ولكن الأساس ثابت لدور الفرس في المنطقة جاء دورنا اليوم لفضح هذا العدو الخبيث الغاشم إلى متى نحن نصنع التاريخ وهم يكتبونه اليوم نحن نصنع التاريخ ونحن نكتبه لتوثيق جرائم الشيعة بأهل السنة في ضل الحكم الشيعي الشيعة يتبعون آثار جدادهم الفرس من جهل وتخريب وإبادة جماعية نعم الفرس تقدس القدم وتهين القلم، وجزاك الله خير الجزاء شيخنا الفاضل على فضح تاريخ الفرس الأمة الجوفاء لاقلم ولاخط ولالغة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى