مقالاتمقالات أخرى

مفاتيح الشخصية

عبد الغني شيت الموصلي / منظومة الفقيه القائد/ التَّيِّار السُّني في العراق

 

يأسرني قلمٌ وفكرٌ وتحكُّمٌ بنظم يصوغ العِبرة في فضاء جِيدٍ لامعٍ.

وهنا أُثبت أنَّه ليس كل أسر مذمومًا!

وما كان هذا المفهوم ليثبت إلا عندما شرعت أقرأ للعقَّاد وهو يسبر أغوار العبقرية العمرية في كتابه: عبقرية عمر.

لكنَّه لم يسرد السِّيرةَ العمريةَ كغيرة من الكَتبَة، فقد جاء وبحث عن مفاتيحها الجبلِّية والاكتسابية، كذلك أثر الجغرافية والنسب فيها، وفسَّر الشخصية المستهدفة فلسفةً ودينًا. فأجاد في وضعه مفتاحًا لكلِّ خصِّيصةٍ عمرية.

لقد دخل العقَّاد إلى شخصية عمر – رضي الله عنه – بمفتاح كبير رئيسي لبيت حوى عبقريات جزئية، إنَّه حديث: “رأيتني في المنام أنزع على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب، فاستحالت غربا، فلم أر أحدًا يفري فريه حتى روي الناس، وضربوا بعطن وفي رواية: فلم أرَ عبقريًا من الناس ينزع نزع ابن الخطاب وفي رواية: حتى تولَّى والحوض يتفجر”. متفق عليه.

فانطلق العقَّاد من هذا النص ليتكلم بصريح الإفادة أنَّ ترتيب الشخوص للقيادة ليس أمرًا قدريًا فحسب، بل هو أمر انتقائي من القائد الكبير ليتهيأ القادة من بعده تراتبيًا.

ثم أخذ بزمام قلمه وطوَّع الخواطر للمنقولات التي جاء بها ناظرًا ومنعمًا فيها لكل ما أنتجته كل قصة في شخص القائد الثالث في الأمة.

فعمر ليس كعمير، وأمير المؤمنين عمر ليس كعمر!

نعم نحن أمام شخصية نامية لا يُعرف لها سقفٌ، فهو لكل خطب وفتوح ونازلة يكون القائد والأب والكفيل، بل الشديد المحاسب تارةً والحني الرؤوف أُخرى.

يَسمع ويُسمع، فالقائد هو من ساوى في سماعه لكل أفراده وتعامل مع كل مسموع حسب ما تُلزِمه عليه الشخصية القائدة.

ويساوي القائد بين الأتباع كما يساوي ولي الأمر بين الرعيَّة فيما تقتضيه المساواة، ويقدِّم ويؤخِّر فيما تقتضيه الفروق الفردية.

وها هنا أّسجل حادثةً، قلت لصديق كثيرًا ما يتكلم في فن القيادة: كم عندك من المتأثرين بك؟

قال: لي أكثر من مئتي متأثر بصدق.

قلت له: رأيتهم يدعمونك بالإعجابات والمشاهدات قبل خمسة أشهر أكثر من اليوم.

فقال: نعم.

قلت: لِمَ؟

قال: لا أعلم!

قلت: أنا أعلم، لأنَّك لم تنتبه وأنت تستعلي عليهم، وتستصغر شخوصهم، فأنت – وحسب ما استقرأتُه – لم تعطِ إعجابًا واحدًا لواحدٍ منهم، ولم تشارك منشورًا لواحدٍ منهم، بل إنَّك مهووس بالأسماء الكبيرة، ومنحاز لجنسيات تستميل إليها، فأنت تتقمص القيادة من جهة، بينما تكونُ في الوقت نفسه تابعًا هناك لكل شيءٍ ينزله د…، البروفسور…، المستشار…!

سمعت صوت زفرات من خلف سمَّاعتي الهاتف، ولعله قطَّب الجبين وإنْ لم أره.

أتممتُ فقلت له: القائد لست أنت، القائد هو محمد الذي سمع للحُباب، والذي صلى على المرأة التي كانت تقمُّ المسجد، وزار الشاب اليهودي على فراش موته يجود بروحه: ليقول له أبوه: أطع أبا القاسم.

القائد عمر الذي سمع لعاتكة، وحمل الدقيق والسكر وطبخ الحريرة للأيتام ..

لم يتركني أُكمل.

قاطعني: ليس عندي وقت لهم.

قلت: ومن أنت أمام مسؤوليات نبيك – صلى الله عليه وسلَّم -.

لكن قل: القيادة والانتساب إليها تنظيرًا تفضح صاحبها على أرض الفاعلية، فجد مفاتيح القيادة لتنجح في فتح أبوابها…. بهذا ختمت معه المكالمة.

وأمَّا المقال فأختم بما بدأت به، فأشكر العقَّاد أن دلَّني على مفاتيح الشخصيات.

اظهر المزيد

‫12 تعليقات

  1. هذه هي بوصلة النفسية الابوية القائدة ( فالقائد هو من ساوى في سماعه لكل أفراده وتعامل مع كل مسموع حسب ما تُلزِمه عليه الشخصية القائدة.

    ويساوي القائد بين الأتباع كما يساوي ولي الأمر بين الرعيَّة فيما تقتضيه المساواة، ويقدِّم ويؤخِّر فيما تقتضيه الفروق الفردية.)

  2. احسنتم شيخ، رغم انَّ الكثير ممن يقرأون او يعملون الورش لفن القيادة الا انهم بعيدين كل البعد عن القيادة، فالقيادة ليست تنظير فقط؛ بل هي عمل وجُهد وواقعية وابوية كما في المقالة التي ذكرها شيخنا الدكتور طه. جزاك الله خيراً شيخ عبد الغني على هذه المقالة.

  3. بسم الله الرحمن الرحيم
    جزى الله الاستاذ الكاتب خيرا
    الأمّة السنية أمّة ولادة للقيادات عبر التاريخ ولديهم إرث تاريخي كبير في مجال القيادة ولا تخلو الساحة منهم اليوم، ولكن نحتاج إلى وعي سني جماهيري يصلح لمؤازرة القيادة فما قيمة وجود قائد مع غياب جمهور يقاد، وأهم ما ينبغي توفره في الجمهور هو الوعي التام بالقضية السنية

  4. القيادة هبة من الله تزرع في نفسية الشخص فأذا كان استخدامها في سبيل الله كان له السبق في القيادة المجتمع نحو الهدف الصحيح والأمثال كثيره على ذلك أسلمه عمار أبن ياسر رضي الله عنه قبل عمر أبن الخطاب رضي الله عنه ولكن القيادة كانت في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترافقه منذه الصغر أختصر طريق القيادة عنده دخوله الاسلام وسبق الكثير من الذين دخلوا الاسلام فكان إسلام عمر أبن الخطاب رضي الله عنه نصراً للأسلام نعم البحث عن النوعيه قبل الكمية يختصر لنا الطريق والتوفيق من الله وجزاك الله خير أستاذنا الفاضل

  5. تعبير ومقال روعة في مفهوم الاداب والأحترام بين القائد والرعية اللهم ارزقنا حسن الاخلاق في ما بيننا قادة ومقيودين لنصرة هذا الدين تواضاعا وتحملا

  6. مقالة جميلة وقيمه وتعلمك فن القياده الصحيحه
    وانت تسير في نصرة دينك وقضيتك في هذا الوقت
    وعند قرأتي إليها تذكرة ((السيده خديجة رضي الله عنها وهي تواسي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول له : كلا والله ، فلن يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق “.))
    جزاكم الله خيرا أستاذنا الفاضل

  7. مقال جميل جدا
    ذو أسلوب أدبي بديع، ينتقي العبارات بدقة مما زاد الموضوع روعة إلى روعته

اترك رداً على أنس الاندلسي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى