مقالاتمقالات أخرى

هكذا صنع الغرب الحضارة المزعومة للفرس

قراءة في كتاب ( تايخ ضائع ) ( 2 )

أ. العنود الهلالي

C:\Users\DR\Desktop\فرس.jpg من المستغرب عند الحديث عن حضارات الشرق القديم أن ينسب أغلب المستشرقين والمؤرخين الغربيين إلى “الحضارة أو الثقافة الفارسية” كل الإنجازات والنظم الحضارية في المنطقة! وكأن تاريخ هذه البقعة الجغرافية لم يبدأ إلا مع “حضارة فارس”!؟

مع أن الحقائق التاريخية والأدلة الحسية تفنّد هذا الزعم الذي روّج له المؤرخون الغربيون، وتثبت أن الفرس لم يكونوا أهل حضارة أصيلة وكل ما لديهم هو مستورد من حضارات الشرق الأدنى!

إن أي عمل تاريخي لا بد أن يكون مقيدا بجملة من الالتزامات المنهجية والأخلاقية حتى يكتسب المصداقية ويحوز على الثقة. وما فعله الأستاذ مايكل مورجان في كتابه (تاريخ ضائع) يعبر عن صورة بائسة من صور الانحيازية الغربية المقيتة – خصوصاً إلى الفرس – المخالفة لأسس العلم ومنهجية البحث العلمي، والمنافية لالتزام العالم وأخلاقه وأدبه. وبهذا أساء مايكل أول ما أساء إلى نفسه كباحث، وأفقد كتابه الكثير من المصداقية!

ذكرت في المقال السابق كيف تبنى مؤلف الكتاب الرواية الفارسية في توثيق الأحداث التاريخية وأغفل نقيضها من المصادر الموثقة في تحيز واضح وبعد شديد عن الموضوعية. أما النقطة الثانية، التي تُنحي حسن الظن في نوايا المؤلف، وتبعده عن الإنصاف والحيادية العلمية.. فزعمه أن الثقافة الفارسية والعنصر الفارسي قد أثّروا بشكل كبير في البناء الحضاري الإسلامي الذي ساهم في إنشائه عدد كبير من علماء الفرس لا سيما في العصر العباسي، ما أوهم القارئ أن الفرس كانوا أنشط العناصر في إثراء الحضارة العربية الإسلامية وكانوا أكثر شعوب المنطقة رغبة في التعاون مع العرب في شتى الميادين العلمية والأدبية!

وقبل أن أورد أسماء العلماء الذين نسبهم زوراً إلى العنصر الفارسي سأتطرق إلى نقطة فاضحة هي دمجه حضارة وادي الرافدين العظيمة بحضارة فارس المزعومة. إذ يقول في فصل (أبناء روما) في معرض حديثه عن التطور في الزراعة والبنية التحتية التي قامت الخلافة الأموية بإنشائها من أجل توفير المياه لعاصمة الخلافة:

(وحتى يتسنى للزراعة أن توفر الطعام لعاصمة الإمبراطورية الجديدة يأمر الخليفة باللجوء إلى استخدام وسائل حديثة للري. وبالرغم من أن هذه الوسائل قد تم أخذها من بلاد فارس، فإن الحضارة الإسلامية سوف تنقلها عبر ارجائها المختلفة مع إدخال بعض التعديلات عليها).

إنه لأمر يدعو إلى الرثاء أن يقع باحث في سقطة كهذه؛ لأن أي قارئ للتاريخ وأي باحث مبتدئ فيه يعلم هشاشة هذا الادعاء. إن نقرة واحدة على أحد محركات البحث ستظهر له نتائج تزيل عن عينيه غبش الوهج الفارسي المفتون به!

إن وسائل الري المتطورة لم تكن إلا من ابتكار سكان وادي الرافدين منذ مطلع الألف السادسة قبل الميلاد للاستفادة من النهرين العظيمين دجلة والفرات، وما جنان بابل المعلقة إحدى عجائب العالم القديم إلا دليلا واضحا على الابداع العراقي في هندسة الري… .

وللاستزادة من هذا الموضوع يمكنك الاطلاع على الرابط المرفق وهو مقالة للأستاذ رضا جواد الهاشمي بعنوان تاريخ الري في العراق القديم:

النقر للوصول إلى Irrigation-Ancient-Date-in-Iraq.pdf

أكذوبة تأثر الحضارة العربية الإسلامية بـ( الحضارة ) الفارسية

امتلأ كتاب الاستاذ مورجان بهذه الدعوى حتى إنه ظل يكررها في كل فصل دون أن يكلف نفسه تقديم دليل على ما يزعم أو يقول!.. اللهم إلا استشهاده بأكاديمية جنديسابور، والدور الذي ادّته الأرستقراطية الفارسية في الادارة في العهد العباسي. وهذه الدعاوى لا تصمد أمام حقائق التاريخ المثبتة وأدلة الواقع الشاهدة على إفلاس الفرس الحضاري. فشمس الحقيقة لا يمكن أن يغطيها غربال الدعاية الفارسية مهما كانت ضخمة. لكن المضحك حد السخرية هو حديثه حول التفوق اللغوي والشعري في الحضارة الفارسية!

فيقول في فصل (مدن العباقرة المفقودة): (ستصبح بغداد أيضا عاصمة العالم في مجال الشعر، ولا ينتج هذا عن ثروة المدينة وتنوعها وابتكاراتها وإبداعاتها فحسب، بل سيحدث من جراء الالتحام ما بين أكثر حضارات العالم تفوقاً في المجال الشعري واللغوي أي الحضارتين الفارسية والعربية)

وهنا يحق لنا أن نسأل الأستاذ مورجان: هل كتب هذا الكلام بعد بحث وتمحيص؟ وماهي المصادر التي اعتمد عليها ليخرج علينا بهذه الدعوى المضحكة! لإن المؤرخين المنصفين – ومنهم الإيراني الأستاذ ناصر بوربيرار – نفوا أن تكون للفرس لغة خاصة بهم تستوعب عناصر الحضارة بل بسبب بدائية لغتهم اعتمدت الإمبراطورية الأخمينية اللغة العربية الآرامية/السريانية لغة رسمية لها. ثم وبعد الفتح الاسلامي لبلاد فارس غذت اللغة العربية اللغة الفارسية وطورتها حتى أنها صارت تشكل70% من مفردات اللغة الفارسية.. فأمة ذات لغة بدائية لا يمكن أن تكون أكثر حضارات العالم تفوقا في المجال الشعري واللغوي! ثم إن هذا تكذبه الأدلة الآثارية والوقائع التاريخية وشواهد اللغة والأدب والفن بصورة قاطعة(1).

18 نيسان 2020

…………………………………………………………………

(1) هذا رابط مقال للدكتور طه الدليمي، يوضح فيه تاريخ الشعر الفارسي ومتى بدأ الفرس قول الشعر؛ يكفيني عناء الرد على اسطورة الشعر الفارسي التي ذكرها المؤلف في الاسطر السابقة :

https://sunni-iraqi.net/2019/08/21/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%B3-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3/amp/

 

 

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. بشعرها الذهبي الساطع تطل هذه المقالة متزينة وماشطتها الاستاذة العنود ترفع عنها غبار الزور وتضع عبق الماضي لتغيظ به شمطاوات الفرس والروم وكأن كاتبتنا تتمثل بقول المتنبي وهو يفضل بنات الاعراب على الحواضر فيقول :-
    مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
    إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ
    لا تَجْزِني بضَنًى بي بَعْدَهَا بَقَرٌ تَجزي دُموعيَ مَسكوباً بمسكُوبِ
    سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَا مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ
    جِيرانُها وَهُمُ شَرُّ الجِوارِ لهَا وَصَحبُهَا وَهُمُ شَرُّ الأصاحيبِ
    فُؤادُ كُلّ مُحِبٍّ في بُيُوتِهِمِ وَمَالُ كُلِّ أخيذِ المَالِ مَحرُوبِ
    ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ
    حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ
    أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ
    أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ
    وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ
    لقد برزت هذه المقالة فارعة القامة عظيمة الهيبة وكانني انظر الى سمير أميس تعود من جديد لتقول للغزاة على الحضارة والسارقين لها هذا هو رصاص القلم سيقتل كل كذاب اثيم وها هي شمسنا تسطع وتشرق وتفضح قرائتنا كل لص وراق يلبس عباءة العلم ويلحتي بذقن الحضارة .
    بكيت يا سيدتي وانا اراجع كتبي حين ارى في المدائن ذلك الصرح الذي يسمى ايوان كسرى كيف نسب للفرس والدلائل الاثارية تشير ان طريقة الاقواس والتسقيف بالاقبية وهذا ما اشارت اليه العمارة الوركائية والاشورية .
    شكرا لك حين نفضت عنا غبار الزمن نعم في البدء كان حرفنا في البدء كان قلمنا في البدء كانت القراءة والحضارة والمجد وفي البدء رسم الحضارة رجل وامراة وانت ياسيدتي رائدة النساء في اعادة الحضارة بعدما طمرت ومزينتها ونافضت الغبار عنها فجزاك الله عنا الف خير .

  2. نسبت الحضارة القديم للحضارة الفارسية ، مع انها لاتوجد حضارة فارسية كل ما موجود هو سرقه للحضارة القديمة التي كانت موجودة في وادي الرافدين ان حيادية المنهج العلمي المنصف يثبت عدم وجود حضارة او حتى مقومات الحضارة كاللغة والادب والشعر فما يكتب و ما يقال مجرد من الدليل العلمي والبحث العلمي ليس كل ما يقال صواب واما دعوى علماء الفرس في البحث والتحري عن هؤلاء العلماء يتضح انهم عرب من القبائل العربية التي سكنت المنطقة منذ الفتح الاسلامي في مناطق نيسابور وخرسان
    والري وما وراء النهر حتى المناطق والاحياء سميت بأسماء أصحابها العرب وايضا تواجد اضرحتهم وقبورهم
    اما قبل الفتح الاسلامي فلا يوجد عالم واحد في اي مجال من مجالات العلوم الاخرى ، صراحه ما ادلت به الاخت الفاضلة مهم جدا فهو يزيح اللثام عن زيف وبطلان دعوى
    ان الفرس اصحاب حضارة وعلم ، شكرا للاستاذة العنود
    بوركت جهودكم

  3. الشكر لله أولا واخرا ، تتعاقب الأفراح طربا كيف لا وقد بدأ جيل التأسيس يضع بصمات التجديد أمام القادمين وماهذه الخطوات المشرقات من الأخت الفاضلة الهلالي إلا دلالة على فهم عميق لما يطرحه المجدد حفظه الله من تصحيح المفاهيم للامة
    المغيبه عن حاضرها في مواجهة الأقلام المسعورة المسمومة،من قبل الشعوبية عملاء الفرس؟🙋‍♂️🏝🌍

  4. المتعالمين اليوم صدعوا رؤوسنا بحضارة فارس ، ترى هل كان المنهل والمرجع لهم – قلم مورغان!!

    بارك الله بكم إضاءة على هذا الموضوع المهم غاية الروعة

  5. شهدت مناطق الشرق العربي القديم قيام حضارات في بلاد ما بين النهرين حضارات عريقه أهمها حضارات سومريه وبابليه واشوريه قدمت للبشريه نظاما متطورا لإدارة عجله الحياة وكانت سابقه في ذلك بلا منازع وقدمت أول نضام سياسي نيابي واول نضام تعليمي واول نضام قانوني واول نضام زراعي. بينما الفرس امة اقدام لا امة اقلام. الفرس امه تقدس القدم وتهين القلم الفرس أمه تحارب القلم وتحرص على اشاعه الأميه على شعوبها الفرس سراق الحضارات في كل العصور والدهور نفسية معقدة تقتل نفسها وغيرها من شدة حماقاتها من ظلمها وإجرامها وحقدها لغيرها ،قلم الأستاذه العنود يخط لنا طريق تاريخنا الجديد نحن نصنع التاريخ ونحن نكتبه بأيدينا بالتوفيق أن شاء الله أستاذه

  6. جزاك الله خيرا على هذه الجهود المميزة
    في كتابت هذه المقالة وفضح كل من يسيء
    الى تاريخنا ونسبه الى الفرس الخبثاء
    فلا حرمنا قلمك الجميل في طرحه وابداعه
    هذه ثمار المشروع السني بفكره الحر ووعيه في نصرةالامةالسنية

اترك رداً على متابع بصمت إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى