مقالاتمقالات أخرى

فرض الكفاية الفضاء والتأصيل في المشروع

عبد الغني شيت الموصلي

منظومة الفقيه القائد/ التَّيَّار السُّني في العراق

هو القرآن في رمضان ومنه تنبثق أفكار الإنعام والتدبر في آية.

اخترت قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122). ليكون محور كلامي عن موضوع أجده في حاجة إلى تجلية.

الذاكرة الفقهية

ممَّا رسخ في الذاكرة الفقهية عندي قاعدة: (فروض الأعيان تقصد إصلاح الفرد، وفروض الكفاية تقصد إصلاح المجتمع وتنميته)[1].

فكان هذا المقال الرمضاني من فروض الكفاية على الكاتب – كما أحسبه – الذي أشارت إليه الآية الكريمة.

تفعيل القاعدة

لقد عرَّفتنا القاعدة معنى الآية: أنَّ فرض الكفاية أفضل من فرض العين من حيث ارتداد النفع العام.

الحقيقة التي لا تغيب عنها الشمس هي أنَّ أهل السُّنة والجماعة في خطر إيماني وعقائدي، وخطر فكري لم يطرأ على العقول مثله في أيَّام الإسلام الأولى. ولا ملجأ لهم بعد الله – تعالى – إلا بفرض كفاية فيه مصلحتهم.

كلام ابن سعدي في الآية:

“وفي هذه الآية أيضا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي: أنَّ المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدًا واحدًا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرَّقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور”[2].

لقد عشتُ ثلاثة عقود مع مشربٍ كان يردد كلمات: الدعوة.. الصحوة.. والنهضة، أكثر ممَّا يردد الأذكار عقب الصلوات الخمس، فما وجدنا بعد ذلك إلَّا أنَّه صبَّ الدعوة والصحوة والنهضة في كأسِ مَن قاتلنا على هويتنا وقضيتنا واستأثر بخيرنا، وغدا شبابنا عناةً في سجونهم ومعتقلاتهم.

نعم كان هذا فرض كفايةِ مَن أضلَّ السبيل وأحلَّ أهل السُّنة والجماعة دار البوار.

فأعيد قولي: أهل السُّنة والجماعة في خطر عقائدي وفكري، وليس لهم مشروع.

أمَّا اليوم فقطب الدين ورحاه هو مشروع يقوم بفرض فيه صلاح المجموع، كما فيه صلاح الفرد السُّني وتنميته وترقيته.

أهل المشروع

إنِّي قاصدٌ من كان في المشروع من أهل بيته وعترته فالفرض عليه أن يسابق في مضمار المشروع، وأن يصنع نفسه بنفسه مقتفيًا أثر المنهج، ومسدِّدًا فيه.

فهي المشاريع التي نراها تتوازى مع مشروعنا تقفز عاليًا وتسير سريعًا، لا يُفكِّر فيها فردها بالمشكلة بقدر ما يفكر في الحل، ويميت الفكر الذي يصنع الحلَّ، يتكيء فيها الفرد في تفاصيل العمل على جهود غيره، فأراهم متنافسين، ولَنحن أحق بهذا من غيرنا.

نحن أصحاب فرض الكفاية الذي هو أسمى من الفرض العيني؛ فالفرض العيني لا يرجو كسب ثواب الجماعة والأمة على عكس أصحاب فرض الكفاية.

وما من مشروع إلَّا وله محورية، فإن كنتَ حاملًا عاملاً بفرض الكفاية، فأنت في المشروع داخل فرض كفاية أدق في تنمية نفسك ومنظومتك، وبهذا تفقه دورك الذي تنعم فيه، ثم الوعي بالمسؤولية التي استأمنك عليها المشروع، فمساهمتك في المشروع ليست بالثناء على مقال أو قائد المشروع، مسؤوليتك أن تسعى لتكون قائداً فيما أنت فيه، أو تحاول ذلك إن لم تكن كذلك. أو تتفقه وتنقل وتنشر وتعمل بما تستطيعه منه. فهذه ثلاث مراتب. فاستعد وابنِ نفسك، واصهر تبرك وصُغ منه قلائد العقيان وأساور بهيَّة في فكر سُّني يترجمه عمل سني.

التخمة الفكرية

ومن فرض الكفاية وواجبها أن تتخلص من التخمة الفكرية لتحويلها إلى بروتينات ومعادن سُنية عاملة، فالسَّاحة السُّنية بحاجة لتحويل المادة الفكرية إلى مادة فاعلة.

وما من تجميع للفكر (فحسب) إلَّا وله (ارتداد (المريئي) على واقعهم ولعلَّه سيمرض بالكسل الذي يورثك مرض: النفرة من القراءة والاطلاع والإبحار في عوالم مخر عبابها من سبقنا لأنه لم يقع في (التخمة الفكرية).

واحذر فإنَّ القائد هو الذي يصنع نفسه فيكون مطَّلعًا غير سائم من غيره، متقبِّلًا للمقابل غير متعالٍ عليه، مشاركٌ في العمل غير متعكِّز على جهد أخيه.

فهذه كلها فروض كفايات الفرد والقائد في المشروع يتساويان فيها فيعتضدان.

 

قالوا عليل فابتسمــت ورحت أمعن في المزاحْ

والعزم فوق ذرى النجوم تروده همم صحـاح

أنا في صراع الدهـــر أطلب للعلا ما لا يتـاحْ

أنا للصغير وللكبير إرادة الخير الصراحْ

الصبر ديدن مذهــبي والصبر مفتاح الفلاح

أحدو القوافل لا أبالـي بالعواثر والنـباح

لُبي يهش مدى الحياة فإن رأى شرًا أشـاحْ

………………………………………………………………..

  1. . انظر: المنثور في القواعد الفقهية، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)، 3/33، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة: الثانية، 1405هـ – 1985م.

    وكذلك: ترتيب الفروق واختصارها، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري (المتوفى: 707 هـ)، 1/ 393، تحقيق: الأستاذ عمر ابن عباد، خريج دار الحديث، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1414هـ – 1994م.

  2. . تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)، 355، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1420هـ -2000م.

 

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. جزاكم الله شيخنا الفاضل على هذه النصائح القيمة المتوازنة في المفهوم الفكري
    بين الاشباع المانع والعطاء في الواقع
    مع شحذ الهمم عن التراخي وعدم الاستعجال
    والقفز ،
    يا أهل المشروع العالم ينتضرنا ،
    ( كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ )
    كلٌ ميسر لما خُلق له

  2. جزاك الله خير الجزاء أستاذنا الفاضل على هذه التذكرة والإرشادات الطيفة على شحذ الهمم والتفاعل والعمل و بذل الجهود الحثيثة لنصرة مشروعنا الرباني اللهم أجعلنا من العاملين ومن الناصرين لهذا المشروع العظيم وفقكم الله يا انصار المشروع السني
    ( من دخل لهذا المشروع كان له عمل يناسبه )
    (كن اضفر في مشروع ولا تكن عضو مقطوع)

  3. عندما تكون ضمن هذا المشروع السني الرباني
    وتصبح فرد منه عليك أن تكون صادق ومخلص
    في نصرته والعمل على طرحه الى الجمهور السني
    حتى يتمكن اهل السنة من حكم انفسهم وفق مرضات الله

  4. اعتاد اهل العراق على عادة في رمضان الا وهي المسحراتي وهو رجل يحمل دف كبير يدعى الدمام لايقاظ الناس بالاسحار وهكذا جاءت هذه المقالة تطرق أسماعنا وكأنها تمثلت بقول ابن القيم رحمه الله تعالى وهو يقول :
    قد هيّؤوكَ لأمرٍ لو فطنتَ لهُ *** فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ
    وأنتَ في غفلةٍ عمّا خُلِقتَ لهُ *** وأنتَ في ثقةٍ من وثبةِ الأجلِ
    فزَكّ نفسكَ مما قد يدنّسُها *** واختر لها ماتَرَى من خالصِ العملِ
    أأنتَ في سكرةٍ أم أنتَ منتبهاً *** أم غرّكَ الأمنُ أم أُلهيتَ بالأملِ

  5. الإيمان يكسب صاحبه فراسة يعرف بها الحق من الباطل،
    ﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا﴾

اترك رداً على ابو عبيدة عامر العبيدي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى