مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

عبد الرزاق الصنعاني .. فارسيته وتشيعه وضعفه

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\DR\Desktop\صمم.jpg عبد الرزاق الصنعاني (126 – 211هـ) من علماء الحديث. لُقب بمحدث اليمن، روى عنه البخاري مقروناً بغيره. له (الجامع الكبير) أو (المصنف) في الحديث، وكتاب في (تفسير القرآن).

اختلفت قاعدة البيانات في كتب (الجرح والتعديل) بشأنه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ فهو “راوية الإسلام” هنا، وهو “أكذب من الواقدي” هناك. وهذه إحدى معضلات الحديث؛ والسبب أن القواعد التي وضعت للتعامل معه قاصرة عن استيعاب مشكلاته. لهذا تجد عالم الحديث أو الباحث كثيراً ما يلجأ إلى عبور حقل الألغام قفزة واحدة ليعطي حكماً مبتسراً في حق أحد الرواة أو صحة إحدى الروايات، مستعملاً قاعدة مغضياً عن قاعدة أُخرى يعاير بها عالم آخر يمارس القفزة نفسها ليصل إلى حكم مغاير.

في نهاية المطاف أمسى الصنعاني مقبولاً عند جمهور المشتغلين بالحديث، عابرين حقل الألغام بطريقة ليس من السهل قبولها دون إصابات قاتلة.

لا يهمني كثيراً إن كان عبد الرزاق الصنعاني في طرف اليمين أو طرف اليسار. بل ما أتمناه أن يكون حقاً “راوية الإسلام” – كما وصفه الإمام الذهبي – لولا أن هذا الوصف التعويمي ينام على قائمة مطوية من التجريح من قبل طائفة من جهابذة علماء الحديث، تسبب الإغضاء عن قراءتها جيداً بعقل حر منضبط في جعله قنطرة لأحاديث تحفر تحت جدار السنة وتؤسس لجدار الشيعة وتشيعهم السخيف.

ما يهمنا في المشروع السني هو روايات الصنعاني التي شاركت في صناعة التشيع، وتكوين ثقافة سنية هجينة تقبل الوجود التشيعي في ديارهم وصفوفهم ومصادرهم.

إننا في (التيار السني) نؤمن بعمق أن (المعيار السني) للأشياء هو الذي يحفظ الأمة المسلمة، ويُكسبها المناعة الذاتية التي تحصنها وتجعلها لا في مأمن من خطر الشيعة فحسب، وإنما تحولها من أمة خاملة مدافعة إلى أمة مواجهة ذات رسالة ربانية فاعلة، تَنهدُ لمشروع عظيم يقوض صرح التشيع في عقر داره، ويفتت دولة الشيطان في إيران فلا تقوم لها قائمة أبد الدهر.

تشيع الصنعاني وتضعيفه

عبد الرزاق مولى فارسي من موالي حمير. وتشيعه معروف عنه لا ينكره أحد.

روى البغدادي (الكفاية في علم الرواية، ص130) قال: أخبرني القاضي أبو عبد الله الصيمري ثنا علي بن الحسن الرازي ثنا محمد بن الحسين الزعفراني ثنا أحمد بن زهير قال: سمعت يحيى بن معين وقيل له: إن أحمد بن حنبل قال: إن عبيد الله بن موسى يُرَد حديثه للتشيع. فقال: كان – والله الذي لا إله إلا هو – عبد الرزاق أغلى في ذلك منه مئة ضعف. ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف أضعاف ما سمعت من عبيد الله”.

وممن ضعفه من العلماء أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي تلميذ البخاري؛ فقد أورد اسمه مع طائفة الضعفاء في كتابه (الضعفاء الكبير3/107) برقم (1082)، ونقل عن علماء (الجرح والتعديل) من الطعن في صدقه، وأخباره أعاجيب.

قال العقيلي: حدثنا أحمد بن محمود أبو الحسن الهروي قال: حدثنا أبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم قال: حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: ودعت ابن عيينة قلت: أريد عبد الرزاق قال: أخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا.

وقال: حدثنا محمد بن أحمد بن حماد، سمعت محمد بن عثمان الثقفي البصري قال: لما قدم العباس بن عبد العظيم من صنعاء من عند عبد الرزاق، وكان رحل إليه للحديث، أتيناه نسلم عليه فقال لنا ونحن جماعة عنده في البيت: ألستُ قد تجشمت الخروج إلى عبد الرزاق فدخلت إليه وأقمت عنده حتى سمعت منه ما أردت؟ والله الذي لا إله إلا هو إن عبد الرزاق كذاب ومحمد بن عمر الواقدي أصدق منه.

وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع؟ قال: فأما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً يعجبه أخبار الناس.

وقال الذهبي (تاريخ الإسلام، 5/374): “عبد الرزاق راوية الإسلام، وهو صدوق في نفسه. وحديثه محتج به في الصحاح. ولكن ما هو ممن إذا تفرد بشيء عُد صحيحاً غريباً. بل إذا تفرد بشيء عد منكراً”.

وقد مر بنا قريباً قول يحيى بن معين وقيل له: إن أحمد بن حنبل قال: إن عبيد الله بن موسى يُرَد حديثه للتشيع. فقال: كان والله الذي لا إله إلا هو عبد الرزاق أغلى في ذلك منه مائة ضعف. ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف أضعاف ما سمعت من عبيد الله”.

بمعنى أن الإمام أحمد خفي عليه من أمر عبد الرزاق ما لم يكن خافياً على يحيى بن معين، كما أن ابن معين خفي عليه من أمر عبيد الله بن موسى ما لم يكن خافياً على الإمام أحمد. ومن هنا يختلف الباحثون في التوثيق، فنحتاج إلى ضوابط أُخرى للأخذ والرد. لكن بعض الضوابط لا وجود لها في القواعد التي وضعت من قبل علماء الجرح والتعديل. وهي في حاجة إلى بحث من قبل مجمع علمي يعي المؤامرة الفارسية الشيعية ودور الموالي في نصرة قوميتهم أو تشيعهم، لتثبيتها وإضافتها. وإذ لم نجد حتى الآن مثل هذا المجمع فقد أخذنا – نحن مؤسسة التيار السني في العراق – هذه المهمة الثقيلة على عاتقنا أملاً بأن تخرج إلى الوجود لاحقاً إن شاء الله منظومة (الفقيه القائد) التي يكون هذا من أُولى مهامها.

15 مايس 2020

اظهر المزيد

‫12 تعليقات

  1. كيف أجازوا لأنفسهم القفز فوق تلك الألغام ..!!
    وما فائدة القواعد التي وضعوها في هذا العلم إن لم يتم تطبيقها!!
    ويقال عنه راوية الإسلام !!!!
    والله لقد أحسنتم الوصف حين قلتم “شقوق في جدار السنة”

  2. اثار انتباهي قولكم( مستعملا قاعدة مغضيا عن قاعدة أخرى …)
    أذن قواعد علم الحديث ليست وحيا منزلا ومهما كانت دقيقة إلا أنها كما يبدو مخترقة وبعضها معطل .. وهذا يدعو إلى اعادة كتابة وضبط هذه القواعد بل والكتابة من جديد في علم الجرح والتعديل .. وقد يعذرون العلماء في ذلك الزمان لصعوبة الحصول على المعلومة.. أما اليوم فلا عذر أبدا لعلماء هذا العصر وقد سهلت التقنية كل شيء.!!!

    1. لعل قول الذهبي فيه اعدل الاقوال رحمهم الله تعالى ..
      ثم العبرة بالنظر فيما يروي فان انفرد بما يوافق عقيدته المتهم بها لم نقبل منه الا ان يعتضد برواية غيره …
      والسلام

  3. لا بد من النظر الى شيء مهم في نقد الرواة وقراءة احوال نشأتهم قبل الخوض في ذلك فالصنعاني نشأ في ظل اضمحلال دولة العرب وابراز قوة الموالي وتسنمهم السياسة والعلم .

  4. لا بد من استحضار امر مهم في قراءة علم الرجال وخاصة الموالي منهم هو دراسة المحرك السياسي وأثره في المجتمع العلمي فلا يمكن قطع الحركة العلمية عن الواقع السياسي والذي يهمنا أمر الصنعاني وعلو صيته كيف ارتقى هذا المرتقى العالي لابد من قراءة الجذور كي لا تختلط علينا الاوراق .
    ولد الصنعاني في ضعف الحكم العربي الاموي وتعالي الموالي وتسنمهم قيادة العسكر للدولة العباسية ودخول اهل الاهواء للقيادة والسياسة كالمرجئة والمعتزلة والراوندية وتفرعنت حركة الموالي في مسك زمام القيادة في القوة العسكرية والقيادة العلمية ونشرت الارهاب في كل من يكذبهم او يخالفهم من اهل العلم من العرب وبدأ التشيع ينشط بقوة بأحاديث المهدي والتبشير به وتبديل القران الذي آياته لا تنفع الزائغين وتعظيم الرواية التي تسلل بها الموالي لامرار أهوائهم وخاصة في عهدالمهدي والرشيد و الامين والمأمون الذين تنظمت للموالي في عهودهم مدارس للموالي محمية بالسياسة والعسكر وما فتنة الامام احمد في مواجهتهم الا دليل .

    1. عفوا وما فتنة الامام احمد في مواجهتهم الادليل لسطوة الموالي وقوة شوكتهم في نشر بدعهم وخرافاتهم .

    1. تعلم من ابن عمك (ابن عكاب)؛ فها هو قد كتب تعليقا طويلا نسبيا ذا معلومات قيمة، واستقبلها الموقع بصدر رحب.
      تحياتي لكم جميعا

اترك رداً على ابن عكاب الجنابي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى