الشّباب مِداد القضية
الحقوقي عمر سامي
الشباب في أي أمة من الأمم هم عماد حضارتها، وسر نهضتها، لأنهم في سن البذل والعطاء، ولهذا نجد أنه سرعان ما ينهار مجتمع ما وتضيع قيمه إذا ما وهن شبابه وأصابهم داء التيه وفقدان الهوية، فكلما اغتنمت الدول طاقات شبابها في العلم والإنتاج وبناء الحضارة زاد إنتاجها وتحققت أهدافها، وكلما كان بينها وبين شبابها بَون كلما رأينا تدهورها وانحطاطها، بل واضمحلالها.
الشباب في كتاب الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب)[1]
عُني الإسلام بهذه المرحلة من العمر عناية خاصة، ووجهها للبناء والخير، وجنبها الهدم والشر.
فهو يهدف إلى جعل مرحلة الشباب مرحلة إنتاج على مستوى الفرد والجماعة، وإصلاح الفرد إنما هو إصلاح المجتمع، وما تكوين المجتمع الصالح إلا من مجموع الأفراد الصالحين.
وإذا تأملنا القرآن والسُنّة وهما المصدران الأساسيان في التشريع للمسلمين، سنجد فيهما اهتماماً خاصاً بمرحلة الشباب، سواء في الإرشاد والتوجيهات الخاصة بهذه المرحلة، وعملية البناء، أو في الثناء وذكر الإنجازات والتحفيز.
فقد أبرز الله –تعالى– لنا عدة صور لأنبياء شباب، فقال تعالى في قصة إبراهيم –عليه السلام– يحكي ما قال قومه: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: ٦٠).قال ابن كثير: أي شاباً.
وكذلك يُعدّ النبي يوسف –عليه السلام– أحد الأمثلة التي أوردها القرآن الكريم للأنبياء الشباب، فقد أنزل الله رسالته عليه وهو شاب، وتناهشته وحوش الشهوة من كل جانب، حين كادت له امرأة العزيز ، ثم محنة السجن ، فصبر وثبت، وضرب بذلك أروع الأمثلة في طهارة الشباب وعفتهم وقوة مواجهتهم للفتن.
وسيدنا موسى –عليه السلام– كذلك حمل الرسالة لله –تعالى– وهو شاب، ومن آمن له كان جُلهم من الشباب، كما في قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} (يونس:٨٣)، قال المفسرين: هم أولاد الذين أرسل إليهم، ومات آباؤهم.. أي بمعنى جيل الشباب الثاني. والأمثلة في ذلك كثيرة.
الصحابة الشباب.. الفاروق نموذجاً
القائد يبحث عن الخامات ويصنع منها الرجال والنُخب، وعمر بن الخطاب –رضي الله عنه– هو الذي كان يبحث عنه رسول الله، فقد أصابت ابن الخطاب دعوة رسول الله حين دعى ربه: “اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين“
فأسلم عمر ابن الخطاب وهو ابن سبع وعشرين عاماً، نعم “سبع وعشرين” فلقبه رسول الله “بالفاروق” لأنه عندما أسلم أظهر إسلامه في مكة، وأعز الله به الإسلام، ففرَّق الله به بين الكفر والايمان، وبين الحق والباطل.
وأتباع رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم– جُلهم من الشباب، فقد آمن به أبو بكر الصديق –رضي الله عنه– وكان عمره نحواً من ثمان وثلاثين سنة.
وكذلك علي وعبد الله بن مسعود، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شباباً.
وهل تعلمون إخواني أن الأوس والخزرج عندما أسلموا كان جُلهم من الشباب أيضاً، فقد أسلموا بعد يوم بُعاث.. المعركة التي قُتل فيها كبارهم وسادتهم، ولم يبقى منهم إلا الشباب، فأسلموا بعد خمسة أعوام من هذه المعركة، فكانوا الأنصار.. وما أدراك ما الأنصار!
أما من السلف ممن صدق فيهم قول ابن عباس –سابق الذكر– فكان شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي شرع في التأليف والتدريس في سن السابعة عشرة فقط.
الشّباب السُنّي
إن شبابنا هم رجال الغد، وآباء المستقبل، وعليهم مَهمة تربية الأجيال السُنّية القادمة، وإليهم تؤول القيادة في جميع مجالاتها.
ففي نفوس شبابنا السُنّي فورة وحماس، وقوة وطموح وآمال كبيرة خفتت وركدت نتيجة عدم استثمارها، والقائد الحق من يلهب ويلهم ويحرك هذه القوة المكنونة والمخزونة في نفوس الشباب للحق لا الباطل، لحمل الهوية السُّنية لا تمييعها بين الهويات، وهذا ما فعله القادة الأنبياء –عليهم السلام– وما فعله أيضاً القائد العظيم محمد –صلى الله عليه وسلم– مع أصحابه من الشباب.
فلا بد من تغذية عقول شبابنا بالثقافة النافعة لا الثقافة الملغومة المسمومة بالمغالطات، ولا الثقافة الغازية للأفكار والعقول، ولا بد أيضاً من استثمار أن “الشباب هم أقرب الناس إلى اتباع الحق“، فكثير من كبار السن قد تأكسدت عندهم المفاهيم واختلطت.
تَزمُّت بعض الآباء
يضع بعض الآباء قوالب حديدية لأبنائهم وذلك ظناً منهم أنهم يستخدمون الطريقة الأمثل لتربيتهم وإرشادهم، وهذه مغالطة كبيرة في التربية والتعليم، ويكثر بعضهم من عبارة “عندما كنت في مثل سنك” أثناء محاولتهم توضيح وجهة نظر ما لأبنائهم، وكأنهم يصبون في قالب حديدي لا مرونة فيه، وهذا النوع من الآباء يعرفون أن هناك ثوابت لا يجوز الخروج عليها، لكنهم يجهلون أن هنالك متغيرات يجوز التسامح فيها، ومن المهم جدًّا أن نفرِّق بين الثوابت والمتغيرات وخصوصًا في التربية والتعليم.
هذا التَزمُّت لا بد أن ننكره حين نجده، فهو يصنع من الشباب شخصيات ضعيفة هزيلة لا تقوى على إبراز نفسها ولا الدفاع عن ذاتها، فكيف بحمل القضية والدفاع عن الحقوق؟!
والحكمة تقول: “لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم”
أما لإخواني في التيّار السُنّي فأقول: قد رأينا كيف كانت سيرة الأنبياء في شبابهم، ورأينا سويا كيف نصر الشباب رسول الله عند هجرته إليهم في يثرب، وكيف التف حوله بعض شباب مكة قبل ذلك، وهذه رسالة لنفسي أولاً، ولإخواني الشباب في التيّار السُنّي إن واجبنا أن نستثمر هذه السيرة العطرة في فهم واجباتنا في المشروع، وحقوق قائدنا علينا خدمة لقضيتنا، وأن نستلهم الهمة والحماس من سيرة قادتنا.
وأخيراً.. إن في صلاح الشباب –فتيات وفتيان– صلاح المجتمع وفي فسادهم فساد له، فالشباب هم القوة المتحركة في المجتمع.
23/5/2020
[1] – أخرجه الطبراني في الأوسط
نعم ومداد مشروعنا أقلامكم وهممكم أيها الشباب حملة المشروع ورواته وروَّاته….
ولقد هيَّأكم المشروع لأمر يقيني أنكم فطنتم له…
وكل الثمار التي جنتها الأيادي هي من زرع جيل الشباب التي سبقهم..
ولعل التفافة أخرى، وهو حساب العمر الشبابي لا يرتبط بالعمر الحياتي، فما دمت نشطًا نضَّاخًا للأفكار، فأنت في (العمر الانتاجي)، وينسحب هذا على المشاريع، ولقد عشت وعايشت مشاريع شاخت وهي لم تتجاوز مرحلة الرضاعة…
لِمَ؟
لأنها لم تفهم معنى (العمر الانتاجي) فاصابها الملل المباغت وداهمها الكلل.
واليوم نحن نرى مشروعنا شبابيًا ونرجو أن يبقى على هذا الحال وإن وصل ثالث المراحل فيه.
مقال رائع في حق الشباب.الذين دوما يسطرون أمجاد هذه الأمة الخالدة على امتداد العصور، وإن كان يخونهم المسار و الأفكار ؟ اما اليوم فقد بان وأستبان لنا مسار الحق والحقيقة في مفهوم الدين وكيفية التعامل، مع اساسياته وسياساته بمشروع جامع ومنظبط. لتعديل مسار الأمة وشبابها الذين طحنهم التيه وتكالبت عليهم اعتى دول الخراب وأجرم امم الشر…..؟ ليس من قلة ولكننا غثااااااء كغثاء السيل .
جزا الله الأستاذ الحقوقي خيرا على هذا المقال ومن قام على هذا الموقع وعلى رأسهم العقل المدبر الدكتور طه الدليمي …
جيل الشباب العقل الناضج والفكر الراجح .بين مسار الحياة يكون إنتاجي في كل مرحلة من مراحل القوة والعطاء والتنافس والإبداع والتجديد والمواقف. والتاريخ يجسد لنا مراحل عظيمة في الإسلام بعده وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابو بكر الصديق له الحكمة والفطنة والقوة العظيمة بالقول الثابت وخالد بن الوليد (اليد الضاربه) سيف الله المسلول على رؤس المرتدين في وسط الفتن التي أحاطت بالدولة الإسلامية في وقتها،
لكل زمن شباب تعيد الأمة تاريخها ومجدها في ضل الفتن والظلمات والتية والأنعطاف الفكري أمام كل هذه التحديات لينثرو بذور الخير في وسط المجتمع العربي السني بمشروع رباني عظيم ينطلق من القرآن والسنة والواقع بأفكار واسعة البيان ومفاهيم حرة رشيدة .وجزاك الله خير أستاذ عمر سامي
للاستاذ عمر ترفع القبعات على هذه المقالة التي جالت نورانية آيات القران ونفحات سير الصحابة وقراءة للمجتمع العربي الذي يمارس السطوة على الضعيف بسبب عقدة الغلبة ، لقد فتح هذا المقال منافذ يجب ان تبحث ومنها لك الشعوب العربية هي أكثر فتوة من المجتمعات الشرقية والغربية الا انه يعاني التيه ؟!!
ما هي أسباب هذا التسلط الابوي وتعسفه على فئة الشباب ؟!
ما السبب ان يخرج من المجتمع الجاهلي قائدا كعمر الفاروق وبقية الصحابة من مهاجرين وانصار وتخلف الامة منذ سقوط الدولة العثمانية الى اليوم ؟!
هل السبب في طريقة التربية ام الافكار السائدة في التعامل مع الشباب ؟!
واخيرا وليس آخرا هذا المقال لا بد ان نجري بحر مداده ونتدارسه كي لاتأسن عقولنا ولا تجف جهودنا .