أم اللغات هي العربية .. ولا وجود للغة اسمها ( السامية ) سوى الزعم والإشاعة
د.طه حامد الدليمي
مصطلح السامية .. اسم ديني توراتي، لا اسم علمي تاريخي
إن مصطلح (السامية) لا أصل له خارج كتاب (التوراة) من وثيقة تاريخية، أو أثارة من علم! فهو اسم ديني توراتي، لا اسم علمي تاريخي! بينما أثبتت الدراسات اللغوية والآثارية، فضلاً عن الدينية أن أول انبعاث للحضارة في تاريخ البشرية بعد انتهاء العصر الجليدي الرابع كان من جزيرة العرب، وأن الأقوام التي عرفت بـ(الأكادية والبابلية والآشورية والكلدانية والسريانية والآرامية والكنعانية والفينيقية والقبطية وغيرها) إنما هي فروع للأصل العربي القديم، ولغاتهم فروع للغة العرب الأصلية التي هي اللغة العربية العرباء. وهذا واضح – بلا مواربة – من مفرداتها أو جذورها اللغوية فهي عربية: إما مباشرة من خلال المفردة نفسها، أو غير مباشرة بالعودة إلى جذور المفردات.
لكن المستشرقين والتوراتيين حادوا فأطلقوا على هذه الأقوام اسم (الساميين)؛ لتشتيت النظر عن الأصل العربي الذي تفرعت عنه هذه الأقوام؛ فإن من مقاصد هؤلاء المستشرقين التعمية على ذكر العرب، وتفتيت تراثهم الحضاري الفخم وتوزيعه على أقوام تحدرت من ذلك الأصل الجامع مع إنكار كونهم كذلك، أي إنكار كونهم عرباً. وبهذا يصلون إلى مبتغاهم من تصغير شأن العرب، من جهة. ولكي لا يبدو الحجم الحقيقي الصغير لبعض الشعوب التي انحدر عنها المستشرقون والتوراتيون إزاء الحجم الكبير للعرب عند المقارنة من جهة أخرى.
وهذا هو شأن المصاب بعقدة النقص.. يستهدف الرأس الأكبر للذي يشعر بالنقص إزاءه ليقلل من شأنه، بدل أن يرتقي بنفسه ليعالج نقصه شأن الأصحاء السليمين. يقلل من شأن الآخرين، ويسرق فضائلهم ليتساووا به، لا أن يزيد من شأنه وفضائله ليتساوى بهم.
لقد حاولوا تقزيم العرب – نتيجة هذه العقدة – بشتى الأساليب والطرق، ومنها اختراع مصطلح (السامية) ونسبة الأقوام العربية التي ذكرت معظمها آنفاً إلى هذا الاسم المخترع، الذي لا وجود له على أي أثر تاريخي زائد على (التوراة) التي كتبها كهنة يهود بإشراف الفرس المجوس بعد احتلال بابل. وقد انطلت هذه الحيلة حتى باتت الأجيال تنظر إلى تلك الأقوام العربية على أنها أقوام أخرى لا تمت للعرب – لا نسباً ولا لغةً – بأي صلة. وهذا ما سهل لهم تمرير إشاعتهم الكاذبة بأن العرب أقوام صحراوية متخلفة.
أضاعوا أصلهم العربي فأضاعوا أصلهم اللغوي
وكما فعلوا مع الأقوام المتفرعة عن العرب فنسبوها إلى غيرهم، فعلوا الشيء نفسه مع اللغات أو اللهجات المتفرعة عن العربية! هكذا شهد التاريخ اسماً جديداً للغة هي (السامية) وأخرى هي (الآرامية)، التي هي الأكدية، أقرب لهجة عراقية إلى اللغة العرباء لكون الأكديين أقدم القبائل العربية التي سكنت العراق. وهي السريانية أيضاً. هذا مع قطعها المتعمد عن أصلها العربي.
يقول د. أحمد داود: (إن أفدح عملية تزوير لغوي على صعيد التاريخ البشري كله يتجلى في تلك البدعة التي ابتدعها خيال اللغويين الألمان في مطلع هذا القرن “القرن العشرين”، والتي قسموا بموجبها اللغات كما قسموا الأجناس إلى سامية وهندو جرمانية أو “هندو أوربية” لأغراض سياسية استعمارية مكشوفة. ثم جعلوا اللغة العربية ، بموجب هذا التقسيم، إحدى ما دعوه بـــ”اللغات السامية”)([1]).
ويقول([2]): (إن العربية بلهجتها الشرقية “السريانية”، هي التي يطلق عليها الباحثون اليوم اسم “الأكادية”، ويطلق عليها التوراتيون اسم “الآرامية”. و”الأكادية” هي العربية السريانية، التي تشمل السومرية والأكادية والبابلية والآشورية، وما دعي بالكلدانية([3])… وتشير بعض الآثار التي عثر عليها مؤخراً في بلاد ما بين النهرين إلى أن البدء باستعمال الكتابة الأكادية يعود إلى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد) وذكر عن أندريه إيمار أنه اعترف بهذه الحقيقة الآثارية([4]).
وهذا يلزم منه أن العربية العرباء التي انحدرت منها اللغة/ اللهجة الأكدية أو السريانية. أو ما زعموه من الآرامية تكلم بها الإنسان على وجه الأرض قبل ذلك بآماد طويلة جداً.
ويعود د. داود ليقول: (ولا بد هنا من الإشارة إلى الخطأ الفادح الذي يوقع فيه المؤرخون أنفسهم؛ لا لشيء إلا لمجرد الالتزام بالتسميات التي اخترعوها وزوروها للهروب من ذكر كلمة “العرب”، فلقد أشار المؤلف [أي أندريه إيمار] إلى أن المكتشفات أكدت أن البدء بكتابة هذه اللغة يعود إلى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، وهذا يعني أنها وجدت كلغة محكية قبل ذلك التاريخ أيضاً بآلاف السنين. ثم إنهم هم الذين أجمعوا على أن زمن نوح يعود إلى حوالي 3000 ق.م، أي الزمن الذي حددوه – على حد زعمهم – بدقة، وبالتالي فإن زمن سام بن نوح هو نفس زمن أبيه. وإن تأسيس “أجادا” كعاصمة لدولة سرجون يرجعونه إلى حوالي 2500 ق.م؛ فكيف تكون هذه اللغة الموجودة والمدونة منذ الألف الرابع قبل الميلاد “ساميةً” قبل أن يولد “سام”، و”أكاديةً” قبل أن توجد “أكاد” التي هي أجادا!)([5]).
لا دليل تاريخياً : أثرياً أو مكتوباً على وجود شيء اسمه سامي : نسباً أو لغة
كل ما قيل عن سام والساميين والسامية من حيث النسب أو اللغة، إنما هو زعم استشراقي ويهودي لا أصل له من التاريخ بمكتوبه وآثاره يثبت ما زعموه. لكنهم ثبتوه – ولم يثبتوه – عن طريق الإشاعة والإعلام فحسب حتى علق في ذاكرة الناس كسابقة ذهنية بنوا عليها مزاعمهم. ولهذا تناقضوا فجعلوا اللغة الأكدية (السامية) كانت تكتب قبل ميلاد سام بألف عام! وقبل أن توجد أكد على وجه الأرض! وهكذا اختلفت أقوالهم وتخالفت فيما بينها إلى هذه الدرجة. وهذا دليل بطلانها، كما قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82).
2020/7/24
____________________________________________
[1]– تاريخ سوريا الحضاري القديم (1- المركز)، ص56.
[2]– المصدر نفسه، ص62-63.
[3]– في الهامش: فيليب حتي، تاريخ سوريا، ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق، دار الثقافة، بيروت، 1982، الجزء الأول، ص182.
[4]– في الهامش: أندريه إيمار، تاريخ الحضارات القديم، الجزء 1، ترجمة فريد داغر وفؤاد أموريحان، دار عويدات، بيروت – باريس، 1986، الطبعة الثانية، ص512-514.
[5]– تاريخ سوريا الحضاري القديم (1- المركز)، ص61-63. وذكر في الهامش ثلاثة مصادر:
- فيليب حتي، تاريخ سوريا، ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق، دار الثقافة، بيروت، 1982، الجزء الأول، ص182.
- أندريه إيمار، تاريخ الحضارات العام، الجزء1، ترجمة فريد داغر، وفؤاد أموريحان – دار عويدات، بيروت – باريس1986، الطبعة الثانية، ص512 – 514
- أشتور، التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق الأوسط في العصور الوسطى، ص17.
لم يترك المزورين شيء إلا وغيروه لصالحهم !
من روايات الأحداث التاريخية ،إلى رويات الحديث والشرع والدين وانتهاء ً باللغة وتزوير اسمائها ونشأتها … فضلاً عن سرقة العلوم والمعارف ومصادر الطب وغيرها ونسبها إلى غير اهلها.