مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

العربية أصل لغات العالم/ 2

شيوع مفردات اللغة العربية في لغات الشعوب المعاصرة

د.طه حامد الدليمي

ثانياً : شيوع مفردات اللغة العربية في لغات الشعوب المعاصرة

عندما كثرت ذرية أبينا آدم، عرضت لهم أسباب، كضيق الأرض بهم والفيضانات والبراكين، اضطرتهم للخروج من جزيرتهم، فخرجوا ومعهم لغتهم الأصلية. ولا يبعد أن يكون قد طرأ عليها شيء من التغيير قبل الخروج لدى الذين انتشروا في الجزيرة قبل الخروج منها. وهذا لا بد منه. ومع مرور الزمن واختلاف البيئة، وانسياقاً مع الفطرة التي تضيق بالتعقيد وتجنح إلى التبسيط، صار البشر يتخففون شيئاً فشيئاً من القواعد والحروف. وهكذا ولدت لهجات جديدة، لكن بقي أصل اللغة، كما عليه حال العرب اليوم، تجمعهم لغة واحدة في أصلها الجامع، مختلفة في لهجاتها الخاصة.

وبتباعد المسافات عن البيئة الأولى وتقادم الزمن تغيرت لغات البشر النازحين من الوطن الأصلي لوجودهم، وهو جزيرة العرب، تغيراً شديداً حتى ما عادت الأذن تستشعر أن ثمة رابطاً أو شبهاً بين اللغات الحادثة واللغة الأصلية. وبتغير اللغة والبيئة والعوائد والمصالح والأشكال والمظاهر، تغير متكلموها وانقطع بعضهم عن بعض حتى صار أصحاب كل لغة شعباً قائماً بحاله. وبانقطاعهم عن لغة العرب بلهجاتها الحادثة انقطعوا عن الأصل العربي، وتحولوا من عرب إلى أعاجم ومجاميع بشرية، كل مجموعة تعود إلى عرق خاص، يقطن قطراً من الأقطار، أو أقل أو أكثر.

العجمة إذن هي عجمة اللسان. والعربية هي عربية اللسان. وقد ورد في ذلك حديث ضعيف لكن معناه صحيح من بعض الوجوه كما قال شيخ الإسلام. والحديث: (يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي). قال ابن تيمية: هذا الحديث ضعيف، وكأنه مركب على مالك (أي منسوب إليه)، لكن معناه ليس ببعيد، بل هو صحيح من بعض الوجوه([1]).

شيء طبيعي أن يتكلم الأولاد لغة أبيهم. فحمل أبناء آدم معهم لغته إلى مناطقهم الجديدة. وبمرور الزمان وتباعد المكان تحولت اللغة الأصلية إلى لهجات محلية. كان من أولها اللغة السريانية الشرقية والفينيقية الغربية، وذلك باستغناء اللهجتين الأخيرتين عن إعراب أواخر الكلمات، وبقيت العربية الأصلية على الأصل من فصاحتها بحركاتها الثلاث: الضم والفتح والكسر مع التنوين، لتثبت الأولى على الضم، والثانية على الفتح دون تنوين كما في البيان التالي:

 

اللغة الرفع النصب الجر التنوين
الفصحى كتابٌ كتاباً كتابٍ
السريانية/الآرامية كتابو كتابو كتابو ×
الفينيقية كتابا كتابا كتابا ×

ولأن السريان والفينيق قريبو عهد: زماناً ومكاناً باللغة الفصحى كان التغيير بسيطاً فكان إرجاع مفرداتهم إلى أصلها أيسر من سواها. وهذا يعني أنه كلما كان الابتعاد الزماني والمكاني أكثر كان التغيير أكثر، حتى يصل إلى فقدان الصلة في كثير من المفردات، عدا المفردات الجديدة الحادثة بفعل الحاجات المستجدة، وضعف القدرة على استنسال الألفاظ المتبقية من اللغة الأصلية التي تمتاز بمرونتها وقدرتها على الاشتقاق. وهذا يفسر قلة الاشتقاق عند اللغات العالمية المعاصرة كالإجليزية والفرنسية والروسية. انظر إلى الجدول التالي:

العربية

الإنجليزية

كتاب Book
كاتبٌ Writer
مكتبٌ Desk

معظم مفردات اللغات العالمية وغيرها مشتقة من العربية

ما سبق بيانه يعني أن لغة واحدة كانت في الحقُب الأولى من التاريخ تهيمن على لسان سكان الأرض. فما هي تلك اللغة؟ أي اللغة الوحيدة التي لها في كل اللغات العالمية جذور تمثلها؛ لتكون هذه اللغة هي اللغة الأصلية التي نطق بها أبونا آدم وأبناؤه وذريته من بعده.

لقد دل الدين، وعلم التاريخ والآثار والميقاتية (الكرونولوجيا) التي يحدد بموجبها عمر الأثر وزمانه، كما دلت البحوث والدراسات الحديثة[2]، ودل الدليل الواقعي الاستقرائي للغات العالم اليوم أن هذه اللغة هي العربية.

إن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة من بين اللغات التي تنتشر جذورها في كل لغات الكون. وأولها اللاتينية، التي يزعم الأوربيون أن لغاتهم اشتقت منها. ويتناسون اللغة الأصل التي اشتقت منها وتشهد جذورها عليها. إن أكثر من 60% من مفردات اللغة اللاتينية عربية الأصل. وكذلك الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وغيرها كاللغة اليونانية والمالطية والفارسية والتركية.

وبالعودة العكسية من آخر الخيط إلى أوله للكشف عن تلك اللغة الأصلية، نجد جذور لغات أوربا تعود إلى اللغة العربية الغربية أي الفينيقية، والفينيقية تعود إلى العربية الفصحى. ومهد الفصحى هو جزيرة العرب. وهذا يضع أيدينا على حقائق جوهرية منها:

  1. أن اللغة العربية الفصحى/العرباء هي لغة أبي البشر آدم عليه السلام.
  2. وأن جزيرة العرب هي مهبط أبينا آدم.
  3. وأن اللغة العربية أصل لغات العالم.
  4. وأن لغتنا العربية – لم تمر كبقية اللغات – بمرحلة طفولة ونمو ثم شباب ثم كهولة. ولن يؤول أمرها بمرحلة شيخوخة ثم موت. وهي تشبه في هذه الخصيصة كتاب الله تعالى. فكتابنا العربي وضع رباني، ولغتنا العربية وضع رباني. وأنهما باقيان خالدان ولن يموتا أبد الآبدين؛ فكتابنا محفوظ بحفظ الله جل في علاه. ولغتنا محفوظة بحفظ كتاب الله!

أخيراً أقول: إن كتاب الله مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة العرب بما فيها من قواعد وضوابط. لا يعقل البتة أن مجموعة من البشر اتفقت فوضعت لغة معينة فجاءت تلك اللغة مطابقةً في ألفاظها وقواعدها لما كتبه الله تعالى في لوحه المحفوظ منذ الأزل! إن هذا دليل لا يُرد، يضاف إلى ما سبق طرحه من أدلة على أن لغة العرب إلهام وتوقيف رباني، لا وضع واصطلاح بشري. وأنها أصل لغات العالم، بل لغات الكون أجمعين.

2020/7/5

……………………………………………………

[1]– اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص461، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق  ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت – لبنان، الطبعة السابعة، 1419هـ – 1999م. ومعنى (مركب على مالك) أي: مكذوب عليه. والحديث قال عنه الألباني (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، 2/325): ضعيف جداً.

[2]– انظر مثلاً: معجم الفردوس قاموس الكلمات الإنجليزية ذوات الأصول العربية، الدكتور مهند عبد الرزاق الفلوجي. اللغة الفرنسية لغة عروبية، محمود عبد الرؤوف القاسم. موسوعة تاريخ سوريا الحضاري، د. أحمد داود.

اظهر المزيد

‫5 تعليقات

  1. ووما أثارني هو البحوث التي تسارع لها العالم وما يسمى باسم ( علم اللغة الكوني ) وكيف تقدمت اللغة العربية على اللغات الا ان مكابرة الغرب ان يجحدوا حقها بعدما أثبتت دراساتهم ان اللغة العربية هي اللغة الام للغات .

  2. (إن أفدح عملية تزوير لغوي على صعيد التاريخ البشري كله يتجلى في تلك البدعة التي ابتدعها خيال اللغويين الألمان في مطلع هذا القرن (القرن العشرين)، والتي قسموا بموجبها اللغات كما قسموا الأجناس إلى سامية وهندو جرمانية “أو هندو أوربية” لأغراض سياسية استعمارية مكشوفة. ثم جعلوا اللغة العربية ، بموجب هذا التقسيم، إحدى ما دعوه بـــ”اللغات السامية”)( ).
    ويقول: (إن العربية بلهجتها الشرقية “السريانية”، هي التي يطلق عليها الباحثون اليوم اسم “الأكادية”، ويطلق عليها التوراتيون اسم “الآرامية”. و”الأكادية” هي العربية السريانية، التي تشمل السومرية والأكادية والبابلية والآشورية، وما دعي بالكلدانية… وتشير بعض الآثار التي عثر عليها مؤخراً في بلاد ما بين النهرين إلى أن البدء باستعمال الكتابة الأكادية يعود إلى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد) ويذكر عن أندريه إيمار أنه اعترف بهذه الحقيقة الآثارية. ثم يقول عن المؤرخين الغربيين: (إنهم هم الذين أجمعوا على أن زمن نوح يعود إلى حوالي 3000 ق.م، وبالتالي فإن زمن سام بن نوح هو نفس زمن أبيه. وإن تأسيس “أجادا” كعاصمة لدولة سرجون يرجعونه إلى حوالي 2500 ق.م؛ فكيف تكون هذه اللغة الموجودة والمدونة منذ الألف الرابع قبل الميلاد “ساميةً” قبل أن يولد “سام”، و”أكاديةً” قبل أن توجد “أكاد” التي هي أجادا!)( ).
    من كتاب هكذا نكتب التاريخ

  3. معظم مفردات اللغات العالمية وغيرها مشتقة من العربية.. وهذه الحقيقة تنسف أركان “دعوى أن اليونانية والعبرية أسبق” من القواعد..
    وكما قال العقاد (الايمان بهذه الحقيقة التاريخية لا يحتاج إلى أكثر من الاطلاع على الابجدية اليونانية وعلى السفرين الأولين من التوارة التي في أيدي الناس اليوم…..)

  4. يكفي اللغة العربية كرامة انها لغة القرآن.
    وأنها لغة اهل الجنة ان صح قوله صلى الله عليه وسلم ( أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ) .
    كما بينت لنا وكشفت زيف وحجم المؤامرة بجعل علماء اللغة من الفرس في مقالات سابقة عن عروبة العلماء انت اليوم تنير بصيرتنا بأصل اللغة العربية وأهميتها رغم محاولات الغرب والفرس التقليل من أهمية لغة العرب وهذا لما يجدوه من نقص أمام هذه اللغة المصانة المتكاملة.
    حتى أنهم رفضوا تخصيص يوم للغة العربية أسوة باللغات الأخرى ولم يعترفوا بها ليوافقوا بعدها مكرهين على جعل يوم ١٨ كانون الأول يوم عالمي للغة العربية بعد اقتراح قدمته السعودية للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو. وهذا الطرح التجديدي يشهد لك بالأسبقية فجزاك الله عنا كل خير شيخنا.

  5. عندما قرأت في أصل اللغة استوقفني الجدل السائد حول أصل اللغة وحينها قلت في نفسي: أليست اللغة في أصلها واحد؟ وأن أبانا آدم عليه السلام أول من تكلم بها من البشر؟ وأن اللغات تفرعت عنها؟
    لكن لم يدر في بالي أن اللغة العربية هي التي تكلم بها لأن أكذوبة اللغة السامية وغيرها كنت أظنها من المسلمات، لتأتي هذه المقالات بالجواب المنطقي لتلك التساؤلات التي تنسجم مع الحقائق، والتي عمل الغرب والشرق على طمسها.
    بارك الله فيك شيخنا الفاضل وزادك علماً.

اترك رداً على حسنين عبدالله الأموي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى