المهندس:حسن القزاز
المتدين النمطي
ما إن جلست أتكلم معه عن بلاء التشيع وخطر الشيعة الذي يفوق خطر اليهود، وأن كل المصائب والشرور التي ألمّت بنا منشؤها إيران وشيعتها، حتى بدت عليه علامات التعجب وشعرت بأن كلماتي غريبة عليه.. وعندما سقت له الشواهد والقرائن على كلامي شرد بذهنه قليلا ثم ابتسم مؤيدا لكلامي وكيف أنه كان غافلا عن هذه الحقائق الواضحة.. حمدت الله على هذه البداية وأردت أن أصحح له بعض المفاهيم وبدأت أتكلم معه عن مشروع الخلاص والإنقاذ (المشروع السني)، أهدافه ومراحله واهديته كتاب فقه الهوية للدكتور طه الدليمي وهو اشبه برسالة توضح أهمية الهوية السنية وضرورة رفع شعارها كخطوة أولى في هذا الوقت لأننا بهوياتنا الوطنية والقومية والإسلامية الأخرى تجرعنا الويلات وضاعت حقوقنا وفقدنا مقومات الحياة في مدننا ومناطقنا.. عندها انقلبت الابتسامة إلى تجهم والاقتناع إلى امتناع وكان مما قاله (هذا مشروع فاشل ولقد شبعنا جماعات وأحزاب، ولا أحد يستطيع أن يجمع أهل السنة تحت مظلة واحدة، كيف للسلفي أن يلتقي مع الصوفي وكيف للإخواني أن يلتقي مع جماعة التحرير، وهل تريد أن نحارب الشيعة.. والحل بالتعايش ولا داعي لإثارة هذه المواضيع الطائفية في هذا الوقت).
قلت له رويدك علي يا أبا عبد الله.. لم اذكر الحرب والقتال مع الشيعة في حديثي البتة.. ولم ادعك للدخول في جماعة إسلامية جديدة، كل ما هنالك أنني أردت توضيح وتصحيح مفاهيم ضرورية لنتجاوز أزمتنا نحن السنة، أنت تحاول أن تسقط تصوراتك المسبقة عن موضوع السنة والشيعة على كلامي وتقولني ما لم أقل.. ثم من هو الطائفي.. هل نحن أم الذين يلعنون أمهات المؤمنين في شوارع بغداد.. هل الذين يريدون تحصين أنفسهم بهوية تجمعهم وكيان يمثلهم أم الذين ابتلعوا مدننا ونشروا فيها اللطم والخراب.. للأسف يا صديقي.. إنك عندما أقررت بما ذكرتُه في البداية وجحدت بما انتهيتُ به من برنامج عملي إنما تصرفت وفق مبدأ التصنيف وليس وفق مبدا الانصاف.. حاججني بما هو مكتوب ومنشور في هذا المشروع من حقائق وفندها إن استطعت أو إئتني بخير منها ولا يعنيني من هو قائلها أو كاتبها فالرجال يُعرفون بالحق، وليس الحق يُعرف بالرجال، فلا تُعشِ بصرك عن براهين وعدالة قضيتنا.
عرفت بعد فترة بانه بات يحذر كادر المسجد مني وأضحى لا يسلم عليَّ إلا في المناسبات والاعياد.. كل ذلك لأنني طلبت منه ن يكون (سني الهوية).
المتدين الحركي
ذهبت إليه في احدى الليالي وبعد انتهائنا من حفلة الشاي التي تخللها بعض من اطباق الكعك والحلوى.. دار هذا الحوار بيني وبينه فابتدأ قائلا:
- إن مشروع صديقك الدليمي مشروع لا حاجة لنا به فجماعة الاخوان لديها مشروع أفضل منه.
- كيف أفضل منه وعلى أي أساس اعتمدت في التقييم؟
- تنظيمنا أفضل، اعدادنا أكثر، انتشارنا أوسع..
- هناك فرق بين ما ادعو اليه من مشروع ينطلق من الواقع ويعالج المشكلة ويصف العلاج وبين ما تتفاخر به من تنظيم مستورد لعمل جماعي شاخ ليطعن بالثمانين من عمر مليء بالخيبات والسنين العجاف، أنتم وإن ادعيتم امتلاككم لمشروع فهو لا يعدو أن يكون مشروع بمنهج خاطئ.. وليست العبرة بكثرة العدد والأتباع وإنما في الحقيقة والإتباع.
نحن يا صديقي تيار بفكر رباني جديد واضح المعالم والاهداف للفرد فيه أن يناقش أي فكرة غير واضحة لديه ومنهاجنا قابل للتعديل بحسب الظرف وليس جماعة جامدة تأمر اتباعها بالطاعة كركن من أركان البيعة التي تقدمونها كعربون ولاء لمرشدكم فلا تقارن هذا بذاك.
- التعايش هو خيارنا الوحيد مع الشيعة ونحن لسنا بحاجة إلى منظرين جدد والعبرة بالعمل وكفانا تنظيرا بدون عمل.
عندها استعرت مقولة الدكتور طه الدليمي عندما مر في نفس الموقف وقلت له:
- كفاكم عملا بدون تنظير صحيح.. نعم كفاكم عملا احرق الأخضر واليابس.. ولتنظروا كيف انطلقتم من الحاكمية لتستقروا عند الديمقراطية وكيف بررتم لأنفسكم جميع أنواع الاستخذاء واصبحتم مطية للتركي والفارسي يسخركم لخدمة مصالحه الخبيثة.
ودعته وقد برأت ذمتي من واجب النصيحة له.. بعد أسابيع رأيته في أحد المحلات التجارية فتجاهلني وتظاهر بعدم رؤيته لي.. كل ذلك لأني طلبت منه أن يكون (سني الهوية).
السائق السكير
عندما شاهد التركماني الشيعي هذا المنظر، رطن بجمل وكلمات بذيئة كبذائة عقيدته انتقصت من عفاف بنات أهل السنة في الموصل وكان ملخصها التحسر على الأيام المنصرمة التي كان فيها يصول ويجول في جامعة الموصل وهو يواعد هذه الطالبة ويلتقي مع تلك وأنه قد عاشر 7 طالبات داخل الحرم الجامعي وأن لديه ارقام هواتف العشرات منهن، وبغض النظر عن أن الأشياء التي كان يهذي بها لا تعدو أن تكون (افيالاً طائرة) وخزعبلات ناتجة عن عقدة نقص داخله يريد أن يعوضها بحديثه هذا.. إلا أن كلامه كان مستفزا لنا خصوصا عندما ذكر أنه ذهب إلى مدينة كربلاء في زيارة ولم يجد هناك طالبة شيعية واحدة في جامعة كربلاء تقبل بما قبلت به طالبات الموصل.
أبو محجن يميط لثامه
وقعت السموم التي نفثها هذا الثعبان فورا على مسامع السائق كوقع الصاعقة، فأماط كمامته الزرقاء عن فمه ساحبا إياها الى أسفل ذقنه ورد عليه بجواب ذكي وبطريقة لا يفهمها إلا هذا الصنف من المخلوقات وبلغة لا أستطيع التحدث بمفرداتها التي سأترجمها الى الفصحى فالتفت إليه وكان مما قال:
(اسمع يا ولد.. لقد خدمت في الجيش العراقي سابقا وأنت لا زلت في ظهر ابيك وطفت محافظات العراق خلال القادسية[1] محافظةً محافظةً وتعرفت على كل شبر في عراقك هذا ولم أجد أطهر من نساء محافظات السنة في العراق بشكل عام والموصل بشكل خاص، ولن أجد.. ولقد الفيت ملاهي وشوارع البتاوين[2] الخلفية تكتظ بالمومسات الشروگيات[3] والعاهرات القادمات من المحافظات الجنوبية فضلا عن ساقطات الثورة[4].. وكانت النجفيات[5] صنفي المفضل عند نهاية كل أسبوع انزل فيه مجازاً، عن ماذا تتكلم، وعن أي اخلاق تصف بها جماعتك، لقد كان الجنود الشيعة في المعسكرات يمارسون اللواط فيما بينهم ولقد كانوا يودعون السجن ويعودون لفعلتهم تلك.. وكانوا.. وكانوا..
وهكذا استمر سائق الأجرة ذي الخبرة الطويلة في مجال الاخلاق في تلقين هذا الشقي المستجد الذي لم يتقن إلا السكوت وطأطأة الرأس امام ما يسمعه! لقد ساقته الاقدار للصعود في السيارة الخطأ.. ولقد سرق منا هذا السائق بسيارته الأجرة أجر ثواب ردع هذا العلج كما سرق أبو محجن الثقفي الأضواء من بقية الفرسان وهو يمتطي البلقاء في يوم القادسية.. لقد استبسل بالدفاع عن هويته ولكن بطريقته الخاصة وأشهر بطاقته وأعلن عن حقيقته المطلقة التي تجمعه مع بيئة انتمائه المقابلة للضد النوعي المتمثل بهذا العفري[6].. وايقنت بان جندي القادسية الثانية سيتوب من شرب الخمر إذا دُلَّ على مشروع سني يمثل له طريقا أجدى للدفاع عن هويته في معركة واضحة الخطط والمعالم كما تاب جندي القادسية الأولى على يد سعد بن ابي الوقاص رضي الله عنه في معركته مع الفرس.
لقطات مشحونة بدلالات
تبادر إلى ذهني صديقاي المُتَدينَان.. وضحكت مع نفسي …يا للمفارقة.. كيف للتدين أن يقتل الغيرة لدى صاحبه؟ كيف لهما أن يتعايشا مع من يطعن في عرضيهما.. أفي مخالفة الفطرة والقبول بالإهانة طاعة لله وتطبيق لدينه ؟!.. لقد اضعتُ جهدا ووقتا معهما في أمر استجاب له سائق الأجرة بنداء الفطرة ودافع الغيرة.. تعساً لتدين لا يحفظ للمرء كرامته ويصون أرضه وعرضه.. وتعساً لمتدينين لا يحسنون إلا فن الاصغاء والولاء لجماعاتهم واحزابهم.
إن عملية توجيه الخطاب الخاص بنا ليكون مستهدِفا لمجتمعنا السني بصالحه وفاسده وتقيه وفاجره بات أمرا ضروريا.. ولا بد لنا من أدوات ووسائل مجتمعية توصل رسالتنا الربانية إلى الجميع.. خصوصا وأنك لا تجد متدينا أو ملتزما إلا وولاءه لجماعته التي لا يستطيع التحرك خارج الأطر التي رسمتها له، فالعمل معه مضيعة للوقت لا أكثر.. والعاصي عندما يشده محور الهوية ويدور في فلك قضيتها سيترك معصيته وينجذب نحو غايته الأسمى فنكون قد حققنا هدفين متكاملين يحتاجهما المجتمع في الوقت نفسه.. هدف الإيمان والهداية وهدف النصرة والرعاية، نصرة ورعاية مشروع رائد وجريء يتخطى ويكسر النظام من أجل النظام كما كسرت سلمى زوجة سعد اصفاد ابي محجن..
حينها.. كم من فارس ثقفي سيخرج من بيننا ليضع بصمته في حسم معركتنا مع الهوية؟
2020/8/11
_____________________________________________
[1] الحرب الإيرانية العراقية او حرب الثماني سنوات.. سماها العراقيون بالقادسية الثانية.
[2] منطقة في وسط بغداد تكثر فيها الفنادق والملاهي الليلية.
[3] الشروگ: قوم شيعة سكنوا محافظات الجنوب يعتقد ان نزحوا من الهند وسُموا نسبة الى مكان سكناهم عند الأراضي الواقعة شرقي دجلة في جنوب العراق.
[4] مدينة الصدر حاليا.. أنشأها عبد الكريم قاسم في ستينيات القرن العشرين لتوطين سكان من جنوب العراق في بغداد وكل سكانها شيعة يرجع أصولهم إلى مدينة العمارة وأهوار جنوب العراق.
[5] نسبة الى مدينة النجف.
[6] نسبة الى مدينة تلعفر.