مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

هل في تاريخ الفرس قبل الإسلام عالم أو كتاب!

هكذا فافضحوهم واكشفوا عن ذيولهم .. وعروا مخازيهم !

د.طه حامد الدليمي

حقيقة مذهلة..! مذهلة حقاً.. وغريبة – في الوقت نفسه – حتى لتكاد لا تُصَدق!

لم يحفظ لنا التاريخ اسم عالم واحد من الفرس برز في علم من العلوم، على كثرة ما حفظ من أسماء لعلماء من الأمم الأُخرى! ولم يقف التاريخ عاجزاً عن أن يثبت للفرس أثراً لحضارة أصيلة لهم فحسب، وإنما صمت أيضاً عن ذكر أسماء العلماء الذين يفترض أن يكونوا قد ساهموا في إنشاء تلك الحضارة المزعومة للفرس. وهذه نتيجة طبيعية لمقدمة غير طبيعية؛ فلو وجد العالم لوجد أثره، ولكان دليلاً على وجود من أحدثه. ومن الآثار التي نفتقدها في طريق البحث عن تلك الأُزعومة الكتب التي يفترض أنها ألفت من قبل أولئك العلماء المزعومين!

لا علماء ولا كتب مؤلفة ولا آثار شاهدة.. حضارة مزعومة حقاً.

ومن طريف ما يذكر هنا أن صديقي الأستاذ عبد الله الضحيك([1]) تعوَّد أن يوجه سؤالاً لمن يزعم أن للفرس تراثاً حضارياً: علمياً كان أو أدبياً، لم يجبه عنه أحد حتى الآن، ملخصه: إذا كان ما تقوله صحيحاً اذكر لي كتاباً فارسياً واحداً أو شاعراً أو عالماً في أي فن من فنون العلم، أو اذكر أيَّ أثر يثبت وجود نشاط حضاري لدى الفرس قبل الإسلام واندماجهم في الحضارة العربية؟

وأخبرني أن من ضمن من تحداهم هو الدكتور صلاح الراشد([2])، وذلك على موقع (تويتر)، وقال له: إذا أجبتني سأعتذر لك وأحذف حسابي من الموقع. فلم يجد د. صلاح أمامه سوى أن قال بعد تلكؤ: سلمان الفارسي!

وفي المقطع المرئي المرفق بالمقال مثال فاضح للمزاعم التي يتبناها الشعوبيون ويطلقونها جزافاً دون أي اعتبار للأسس العلمية، أو احترام لعقل المتلقي، وكأنه يعيش في فضاء فارغ لا يخطر في باله أن أحداً فيه يملك شيئاً من العلم يمكن من خلاله أن يتبين له زيف تلك المزاعم الفاقدة ليس للأسس العلمية فحسب، وإنما للأسس التي فطر الله الناس عليها تلك التي تجعل المرء مرتبطاً شعورياً بقومه فتدفعه لأن يطيل النظر في أيشيء يشير بنقص إليهم فلا يقبله حتى يستنفد آخر وسيلة للدفاع عنهم!

وآخر من جرى له تحديهم أستاذ مصري في (الجامعة العربية) بالكويت أثناء ندوة أدبية عن (تأثير الفرس الحضاري في الثقافة العربية)؛ إذ وجّه إليه الأستاذ عبد الله أثناء مداخلته السؤال نفسه أمام الجميع، قائلاً: هل تستطيع أن تذكر لنا عنوان كتاب فارسي أو عالماً أو شاعراً من فارس؟ يقول: فبقي واجماً ولم يرد عليّ بكلمة بعض الوقت، ثم تكلم فتلعثم ثم تدارك نفسه فقال: إن الثعالبي ذكر مجموعة من كتب الفرس تمت ترجمتها للعربية. فقلت له: إن الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) شكك في وجودها من الأصل، وفي كتابه (المحاسن والأضداد) نفى وجود كتاب واحد للفرس. ذهل الحاضرون مما سمعوا، وأجاب الأستاذ المصري بأجوبة لا غَناء فيها. فقلت له: هل تعلم أن تعلم القراءة والكتابة ممنوعة أصلاً في بلاد فارس بشهادة كبار الباحثين؟ والمناهج الدراسية الفارسية تعترف بذلك. فكيف لشعب أمي جاهل لا يحسن كتابة حرف أن يقدم للبشرية كل تلك المؤلفات المزعومة التي لا وجود لها إلا في خيال صاحبها؟

لم يكتب الفرس قبل الإسلام حتى تاريخهم ..!

يقف د. أحمد أمين سليم([3]) حائراً دون أن يقطع بشيء؛ لأن الحقيقة يصعب تخيلها وسط هذا الكم الهائل من الضجيج والعجيج، وهو يصور حيرة غيره من العلماء أيضاً، إزاء صعوبة تصور إمبراطورية في سعة الإمبراطورية الفارسية زماناً ومكاناً قد فشلت في إنجاب رجال أدب ومؤرخين، أو حتى من يقومون بتسجيل الأحداث اليومية لها، فيلجأ أولئك الباحثون إلى فرضية، مجرد فرضية، وجود وفرة من هذه الوثائق التاريخية، لكن هذه الوثائق دمرت جراء ما تعرضت له إيران من الغزو اليوناني ثم الفتح العربي بعد ذلك بحوالي ألف عام. إلا أن هذا الرأي رغم ما يبدو عليه من وجاهة يفتقر إلى أسانيد تؤيده. لهذا يلجأ الباحثون في دراسة تاريخ إيران إلى الاعتماد على ما سجلته المصادر اليونانية والرومانية، وكذلك العراقية والمصرية.

وذكر أن المؤرخ اليوناني كتسياس كان طبيباً في بلاط الملك أردشير الثاني (ت360 ق.م). وأورد اسم (14) مؤرخاً يونانياً ورومانياً مثل: هيكاتيوس الميليتي وإيسخولوس وهيرودوت وديودور الصقلي ولم يستطع أن يذكر اسم مؤرخ واحد فارسي. بل قال: لم تنجب إيران رجال أدب أو مؤرخين او حتى مقيدي مذكرات يومية للامبراطورية.. فكان الاعتماد على المصادر اليونانية والرومانية والعراقية والمصرية في معرفة تاريخ إيران. وحفظت النقوش السومرية والآشورية والبابلية كثيراً من المعلومات عن الأحوال السياسية والحضارية للفرس. وكذلك النصوص المصرية.

وقال: إن الفرس لم يكتب لهم النجاح في كتابة تاريخهم، ولم توجد لديهم بيوت كبيرة لحفظ كنوز الوثائق والسجلات، مثلما وجدت في مصر والعراق. وعلى هذا فإن الجزء الأكبر من تاريخ الفرس يستمد من مصادر الكتاب اليونان وكذلك من الإشارات التي وردت في الوثائق التاريخية الآشورية والبابلية والمصرية.إ.هـ بتصرف([4]).

وقد راجعت (الباب الحادي عشر.. طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم) من كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة، فلم أجد فيه ذكراً لطبيب واحد على عهد دولة الفرس بسلالاتها الثلاث (الإخمينية والفرثية والساسانية) طوال اثني عشر قرناً، سوى (برزويه). وقد تصفحت الكتاب فوجدته يعج بأسماء لا تحصى لأطباء العرب من الجزيريين والعراقيين والمصريين والشاميين وغيرهم (الحارث بن أبي كلدة الثقفي وابنه النضر، وهو ابن خالة النبي e، وابن أبي رمثة التميمي وعبد الملك بن أبجر الكناني وزينب طبيبة بني أود وثابت بن قرة الحراني والفضل بن جرير التكريتي… وغيرهم كثير). وكذلك أطباء اليونان والرومان وغيرهم (أبقراط وجالينوس وإسقليبيوس وغورس وميتس وتيودورس.. وغيرهم ممن يصعب حصرهم)، بصرف النظر عن عروبة معظمهم، ودور الحضارة العربية الفينيقية في صناعتهم. والكتاب يزيد على (700) صفحة، ولم أجد فيه سوى برزويه! وعند التحقيق نكتشف أن هذا الاسم يرجح أنه مختلق، كما يقول الأستاذ الضحيك. وقد حققت في الأمر فوجدته كما قال!

لننظر باختصار في خبر برزويه عند ابن أبي أصيبعة:

  1. بدأ ابن أبي أصيبعة الخبر عنه بصيغة التمريض (قيل)، ولم يجزم به كما فعل عند ذكر العشرات أو المئات من الأطباء الذين وردت أسماؤهم في الكتاب، فقال: (قيل: إنه كان عالماً بصناعة الطب موسوماً بها متميزاً في زمانه فاضلاً في علوم الفرس والهند). وفي هذا إشارة إلى أنه لم يجد تحت يده من الأدلة ما يثبت وجود مثل هذا الشخص. ولا أراه إلا أنه وقف أمام الحقيقة الصادمة وهي عدم ورود اسم طبيب واحد في تاريخ الفرس سوى ذلك الاسم اليتيم (برزويه) إزاء كثرة ما يذكره التاريخ من أطباء لدى باقي الأمم؛ وهذا يجر إلى عدم الاقتناع بوجوده.
  2. ذكر المؤلف (ابن أبي أصيبعة) أن برزويه هذا هو المذكور في أقصوصة الفارسي الشعوبي عبد الله بن المقفع عن كتاب (كليلة ودمنة)، فقال تماماً على قوله السابق: (وأنه هو الذي جلب كتاب كليلة ودمنة من الهند إلى أنوشروان بن قباذ بن فيروز ملك الفرس وترجمه له من اللغة الهندية إلى الفارسية ثم ترجمه في الإسلام عبد الله بن المقفع الخطيب من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية)([5]).

وقد بحثت معمقاً عن هذه الأقصوصة فتبين لي أنها من مختلقات الفارسي الشعوبي عبد الله بن المقفع. وكتبت فيها بحثاً مفصلاً سأنشره بإذن الله على موقع (التيار) ليكون موئلاً للاستفادة. ولا عجب؛ فإن الفرس أشهر من عُرف بالكذب! فقد سبق للجاحظ أن اتهم ابن المقفع بأنه يختلق الحكايات؛ فلا يبعد أن يكون برزويه هذا من مختلقاته.

2020/9/17

__________________________________________

[1]– باحث سعودي يقيم في الكويت.

[2]– د. صلاح الراشد كويتي، متخصص في علم النفس والاجتماع، مغرم بالفرس حد الهوس، يتحدث عنهم بنشوة غامرة، ينسب إليهم كل تراثنا العلمي وإنجازاتنا الحضارية. ويخبط في ذلك خبط عشواء دون أي مسؤولية علمية. ويسيء إلى العرب مصغراً من شأنهم، لاسيما أهل نجد يتحدث عنهم بلهجة تكشف عن عقدة نفسية تجاههم. ويسمي الجميع “عربان”. وهذا الغرام بالفرس والجفاء عن العرب شعوبية قبيحة، تشير إلى أصول مريبة.

[3]– مؤرخ مصري متخصص في تاريخ الشرق القديم.

[4]– إيران منذ أقدم العصور حتى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ص46.

[5]– عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص413، أحمد بن القاسم بن خليفة الخزرجي، ابن أبي أصيبعة (ت:668هـ)، تحقيق الدكتور نزار رضا، دار مكتبة الحياة – بيروت.

اظهر المزيد

‫8 تعليقات

  1. ثلاث تحفظ لفارس قبل الاسلام وبعده النار والدم والظلمة فنافورة الدم لا زالت معلم من معالمهم ولا زالت الحضارات العربية تشكو الظلم زالظلمات حين تغزوها جرذان الشر من عيلام وشاهد اليوم ترى رمز النار في الاحواز وخرائبها حتى أغارت الانهار كالكارون ودجلة والفرات وما عاد لها زهوها بل اصبحت كالصريم لا نخل يعلو ولا زهر ينمو .
    منذ ان انطلق عرب الجزيرة وباديتها ليحكموا العراق والشام ومصر والاندلس وخراسان وبلاد ما وراء النهر كان للعالم رؤية ثانية لقد ودعوا الجهل ورحبوا بالقلم والعلم والاعمار وحين تخلى العرب عن موكب الحضارة لم نرى الا صناعة الدمار والخراب وعودة الجاهلية الى سابق عهد نار و دم وخرائب وجهل .
    وهنا تبرز صورتان متضادتان نرى فيها الغرب والشرق من الاعاجم ينصف العرب كوغستاف لوبون وزغريدة هونكة وصاحب قصة الحضارة وجيل كبير من الكتاب في شرق الارض وغربها يشهد للعرب بقلمهم وان طريق الحضارة بدأ من مكة والمدينة .
    والصورة الثانية عرب يلمزون العرب ويلمعون العجم وما حدث هذا الا لهذه النقاط :-
    1- عقدة النقص بسبب الثقافة الفارسية الشعوبية
    2- عقدة الدخالة وان يكون المثق اصلا تابعا لمؤسسة اعجمية تحمل على التقليل من شأن العرب وخاصة الجزيرة .
    3 – الطواسون الذين يقراون بلا تحقيق وانما يعتمدون غرائب الشعوبية وهؤلاء هم الاخطر .

  2. جزاك الله خيرا // د. طه حامد الدليمي

    مقالة هل في تاريخ الفرس قبل الإسلام عالم أو كاتب
    لا وهذا واضح فا لكل دولة حضارة وتاريخ الا الفرس فهم سراق حضارات ومزورين و كاذبين فا كل ما موجد على ارضهم هو نتاج لحضارات اخرى حتى اللغة الفارسية هي ليست لغتهم فمن أين لهم حضارة حتى تكون لهم لغة يتحدثون بها .
    #شمعة_مضيئة

  3. الله على هذا السؤال (ومن طريف ما يذكر هنا أن صديقي الأستاذ عبد الله الضحيك([1]) تعوَّد أن يوجه سؤالاً لمن يزعم أن للفرس تراثاً حضارياً: علمياً كان أو أدبياً، لم يجبه عنه أحد حتى الآن، ملخصه: إذا كان ما تقوله صحيحاً اذكر لي كتاباً فارسياً واحداً أو شاعراً أو عالماً في أي فن من فنون العلم، أو اذكر أيَّ أثر يثبت وجود نشاط حضاري لدى الفرس قبل الإسلام واندماجهم في الحضارة العربية؟)

  4. إنّ أعظم حضارةٍ عرفتها البشرية بشهادة القرآن الكريم هي «إرَم ذات العماد» وهي حضارة عربيةٌ خالصة وكذلك حضارة سبأ وحمير ومدائن صالح، ولكن ما يحاول الشعوبين و مُزوّرو التاريخ طمس معالم حضارة العرب ووادي الرافدين (لتلميع فارس) الفرس ليس لهم رسالة سماوية ولا تاريخ مشرف ولاحضارة ولا قلم
    الفرس(عبيد النار والقدم)

  5. الفارسي إنسان وقح صفيق ولكن من وراء الكواليس، وهكذا يُعلم أتباعه وذيوله التهكم والتهجم على أنفسهم من دون شعور فيجعل من العربي الذيل،
    منكراً لحضارته العربيه ومعالمها وينسبها إلى فارس؟! هذه الشعوبيه الوقحه التي يندفع إليها صاحبها ليثبت نفسهُ أنه أول المتقدمين في التملق؟ لحماية نفسه الدنيئة، كلكذب والخداع والغدر
    والأعتداء وهو يحمل غاية أكبر من حجمه.. 🐘 كما يصفه الدكتور طه دليمي في كتاب لابد من لعن الظلام!.

    بوركت الأيادي والعقول الراقية شيخي الغالي..

  6. الفرس تاريخهم اسود ومريع
    ليس لديهم حضارة ولاادب
    يسرقون حضارات غيرهم ويتفاخرون
    بها ويأتي من نزعت عروبتهم ويمجدفيهم
    ويصنع لهم تاريخ وحضارة مزيفه.
    ومهمة التيارالسني اليوم بكشف زيغ هؤلاء وينزع اقنعتهم
    امام العالم
    جزاك الله خيرا شيخنا الجليل على هذا البحث العظيم

  7. الفرس تاريخهم اسود
    وملطخ بدماء والقتل والجهل
    ليس لديهم ادب ولا قيم
    مثل الامم التي سمعنا عنها او قرأنا عنها
    ويأتي من يمجد فيهم من نزعتُ عروبتهم
    وتخلوا عن قيمهم الأخلاقية
    ويصنع لهم تاريخ وحضارة مزيفه.
    جزاك الله خيرا شيخنا الجليل
    بحث عظيم ومهم

اترك رداً على نهاوند محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى