مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الاقتصاد والقومية .. وأثرهما في السياسة الأمريكية تجاه إيران

د.طه حامد الدليمي

ستيييف

أمس (6/12/2020) نشر الدكتور أحمد الفراج (إعلامي سعودي يقيم في أميركا) صورة على موقع التدوينات القصيرة الخاص به، مع سؤال: (هل تعرفونه؟ هذا الذي أطلق عليه منذ 4 سنوات لقب الداهية). ودار ذهني بسرعة مليون دورة/ثا، ليطفو على سطح ذاكرته اسم (ستيف بانون) وكتبت الاسم جواباً على السؤال في حقل التعليق. لقد كتبت عنه في موقع (التيار السني) مقالاً قبل سنتين تتقدمه صورة الرجل – التي مازالت عالقة في ذهني – واقفاً مع الرئيس دونالد ترامب. ثم رأيت أن أعيد نشر المقال؛ ففيه تذكير بالدور الكبير الذي أداه هذا الرجل – ويؤديه اليوم – في استنهاض الشعور بالقومية (أو الشعبوية) الأميركية لدى الشعب، والوقوف في وجه اليسار والتغريب الذي يمارسه (لملوم) الحزب الديمقراطي. ولعل الكثيرين لا يعلمون ذلك، ولا أثره في صناعة الشخصية القومية لدى الرئيس ترامب.

إليكم المقال بنصه وصورته وتاريخه (1/12/2018):

**

قبل أيام حضرت مجلساً فيه بعض النخب السياسية. سألني أحدهم عن رأيي فيما يجري بين أمريكا وإيران: هل ترامب جاد في موقفه من تغيير سلوك النظام أو إزالته؟ قلت: دعونا ننظر أولاً في مسارات ما يجري ثم ننتقل إلى الاستنتاجات. فلكل حدث سياقه، ولكل حركة مسارها؛ فمن أصاب المسار يسر عليه جمع أطراف الأحداث المتشعبة، وإرجاعها إلى نقطة واحدة أو نقاط قليلة محددة، وتمكن من إيجاد تفسير مقارب لها، واستطاع أن يرسم رؤية ما لمآلاتها. ويبقى الأمر كله قيد الاحتمال حتى يثبت أو يزال (قُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (يونس:20).

سأقتصر في هذا المقال على المسارين الاقتصادي والقومي، دون سواهما مما ذكرت.

الولايات الأمريكية المتحدة .. ما الذي يجري هناك ؟

ثمت تحولات في الداخل الأمريكي بعضها في غير صالحها. حين يقول الرئيس ترامب: ليس لدينا مطار مثل مطار دبي، فهذا يعني أن خللاً ما ليس بالقليل أصاب البنية التحتية للدولة، وأن الاقتصاد في حاجة إلى إصلاح كبير. وحين يقول: كل شيء موجود في نيويورك لكن الأمريكي لا يملك شيئاً فيها، فلذلك أكثر من دلالة:

1. استيقاظ العصب القومي تجاه الشعوب الوافدة. وهذا الأمر عميق في نفس ترامب. فهو يتبنى مبدأ “أمريكا أولاً”، ويغلب على خطابه الروح القومية. وقد يكون هذا التوجه شائعاً بين الحزب الجمهوري أكثر من الديمقراطي؛ ربما بسبب غلبة الأقليات الدينية والعرقية على التكوين الذاتي للأخير. وللمفكر القومي ستيف بانون تأثير كبير من هذه الناحية على الرئيس ترامب. وهو الذي ترأس الحملة الانتخابية التي جاءت به رئيساً للبلاد، وكان لخطابه القومي أثره في نجاح الحملة. وقد عينه الرئيس مستشاراً أعلى له في بداية فترة حكمه.

2. إحساس إيجابي مستند إلى الدين والأخلاق تجاه الفقراء، عبر عنه ستيف بانون حين قال بأن ضعف الاهتمام بالفقراء مخالف لتعاليم الإنجيل. وذلك راجع – في رأيي – إلى الصبغة المحافظة للحزب في الجوانب الاجتماعية. فهو يرفض زيادة الضرائب على المواطنين وذوي الدخل المحدود، ويدعو للحفاظ على تماسك الأسرة، ويقف ضد تشريع قوانين تقوض المجتمع مثل زواج المثليين.

لا بد من التهدئة

الهجرة تهدد أوربا وتقض مضاجع أمريكا. وما دامت الحروب والتوترات تسود المنطقة فالهجرة مستمرة؛ فما العمل؟

وأمريكا في حاجة إلى تدعيم اقتصادها، وهذا في حاجة إلى مشاريع استثمارية ضخمة داخل وخارج أمريكا، ومنها الدول العربية كالعراق والسعودية وباقي دول الخليج. ولا يتم ذلك ما دامت المنطقة مشتعلة بالحروب؛ فما العمل؟

ليس سوى التهدئة مساراً لوقف الهجرة وتحريك الاقتصاد. وكل من يتابع الأحداث في منطقتنا يجدها تنخرط تباعاً في مسار التهدئة: سوريا، لبنان، اليمن، العراق.

إيران ترفض

إيران تقف حجر عثرة في هذا المسار. وفي الوقت نفسه تريد أمريكا من إيران أن توقف الحرب وتتخلى عن جميع تدخلاتها في المنطقة. وهذا مطلب عسير بالنسبة لإيران ليس من السهل أن تنصاع له، لا سيما إذا ربطنا الأمر بالعقلية الفارسية التي تكونت وترسخت عبر التاريخ. فقد اتبع الفرس منذ أن ظهروا على مسرح الأحداث قبل أكثر من ألفين وخمسمئة سنة استراتيجية إشغال الشعب عن مطالبه ومشاكله الداخلية بإثارة الحروب الخارجية. وما زال الأمر على ما هو عليه لم يتغير – ولن يتغير – حتى اليوم. والحكومة الحالية تعلم جيداً أنها إذا انتهت عن تدخلاتها في دول الجوار وسحبت مليشياتها وانكفأت على داخلها، فإن في ذلك حتفها!

إذن إما أن تسكت أمريكا على الوضع الراهن الذي لا تريده، وهذا غير ممكن. وإما أن تنصاع إيران للإرادة الأمريكية، وهذا صعب للغاية. في النهاية لا بد من أن تنتصر إحدى الإرادتين وتنكسر الأخرى.

العداء حقيقي

وختمت كلامي بأن قلت للحاضرين: من هذا نستنتج أن ما نراه من توتر شديد في العلاقة بين الطرفين هو شيء حقيقي. لا كما يتصور البعض أن القوم يلعبون أو يمارسون التمثيل على مسرح العالم. ونعلم أن لجوء أمريكا إلى وسيلة فرض العقوبات على إيران والحصار الاقتصادي الخانق لها إنما هو خطوة أولى غايتها تعديل سلوك النظام، قد تؤدي إلى ثورة داخلية تطيح به فنتجاوز الأزمة من الأساس. وإلا فالحرب قادمة كما يبدو. والكرة في ملعب إيران، وعليها أن تختار.

وأضفت: ولا أدري هل عند إيران المعروفة بمكرها ودهائها ورقة أو أوراق تخبئها ستظهرها لاحقاً؟ أم ستدير مؤخرتها لركلات ترامب وتصبر حتى تنتهي فترة رئاسته بعد أكثر من سنتين، كما نصحها صهرها وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري؟ والسؤال: هل هي قادرة على المطاولة والصمود حتى ذلك الحين؟ وهل الرئيس ترامب سيتركهم على حالهم ويمضي إلى حال سبيله؟

الدلائل تشير إلى غير ذلك.

7 كانون الأول (12) 2020

 

اظهر المزيد

‫10 تعليقات

  1. جزاك الله خيرا// د.طه حامد الدليمي
    يبدو أن الرئيس دونالد ترامب لن يترك إيران الماكره على حال سبيلها لأنها هي أصل الإرهاب والتخريب في منطقة الشرق وأن أمريكا لديها المصلحة في المشرق فكيف وإيران تسيطر عليه .

  2. صدقت د.طه الدليمي مقال في غاية الوضوح والأهمية بما يخص أمريكا واقتصادها وقوميتها وكما ذكرت أن ترامب مهمت بامريكا وهي الأول بالنسبة له لذلك هو مصر جدا على تولي الرئاسة في انتخابات ٢٠٢٠، لأنه يعرف ماهي مصلحة أمريكا وهو أعلم كيف يواجه الخصم الماكر إيران فلولا مساعدة ستيف بانون لترامب لربما لم يكن مساره واضح في رئاسة أمريكا، ،جزيت خيرا شيخنا .

  3. في هذا الأسلوب السياسي الذي يراعي الدولة وينميها ويبعدها عن الحروب المدمرة للبلاد ويجعل لها شعور بالحياة من تطور وبناء وتقدم وتوفير سبل الراحة للإنسان في كل الوسائل والمجالات المتعددة لينعم بهذه الدولة التي تقوم على العداله لتوفر لهم سبل الراحة والاستقرار وهذا كله من( سنن الله الكونية)، ولذلك
    أن الله يقيم الدولة العادلة حتى لو كانت كافرة ولايقيم الدولة الظالمة حتى لو كانت مسلمة،
    من يتعامل مع الدولة التي تملك هذه المؤشرات فهو يملك الفكر الواسع والسياسة المنضبطة لمصلحة بلده .

  4. “فمن أصاب المسار يسر عليه جمع أطراف الأحداث المتشعبة، وإرجاعها إلى نقطة واحدة أو نقاط قليلة محددة…”
    عبارة دقيقة جدا .. إن وعاها وأدرك معناها المتابع العربي للاحداث فسينجو من هذا “العك” الاعلامي المتخبط، والعديم الفائدة..

  5. احسنت دكتورنا الغالي وما يحدث اليوم اشبه بثورة ضد حزب اللملوم الديمقراطي ( الماساوني الشيوعي ) وصحوه غير متوقعة من الشعب الامريكي الاصلي بل وحتى بعض من غير الاصول الامريكية بعد ان كشفوا اللعبة التي كادت ان تنهي امريكا ولكن ترامب وفريقه فاجئ الجميع والجمهور المؤيد له الذي ملئ شوارع امريكا هذه الايام

  6. مقال رائع.. لمن يحسن مساره تجاه قضيته بكل اتجاهاتها
    يعرف عدوه وكيف يعالج مشكتله معه.. المسار مهم لكل فرد ومجتمع ودولة سواء كان مسلم او غير مسلم وهذا ما حصل في زمننا وشاهدناه.((جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل))

  7. لم يبق الكثير من الوقت كي يميط اللثام عن الاوهام التي احيطت بـ” بايران وشيعتها ان الفارق بين المرحلة السابقة والان ، هو بروز او ظهور عامل رئيسي، هو تشكيل ادارة جديدة اوسياسة جديدة في الولايات المتحدة الامريكية تخطط باستعادة النفوذ الامريكي في المنطقة، بالعسكرتارية والحد من نفوذ القطب الروسي – الصيني بالوكالة التي تديرها الجمهورية الفارسية في ايران.

  8. اعجبني تفكير ستيف بانون؛ حيث جعل الهوية القومية ( الامريكية) اولاً، والتقيد بتعاليم الانجيل (اجتماعياً) ثانياً؛ لان ذلك يُعد سبب في نهوض امريكا والحفاظ عليها من قبل (لملوم) الحزب الديمقراطي.
    عكست هذا المعادلة الثلاثية بمشروعنا السُني: فنحن ننادي بالهوية السُنيّة، اولاً، وبتعاليم القران الكريم من حيث الثوابت الدينية ثانياً، لنحافظ على انفسنا وديننا واهلنا من قبل لملوم) الاحزاب الشيعية.

اترك رداً على أنس الاندلسي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى