سياسةمقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الإخوان المسلمون .. رحلة نحو القاع الحلقة الخامسة / جذور الفشل

د.طه حامد الدليمي 

مرحلة بعد مرحلة.. وسنة بعد سنة.. ويوماً بعد يوم، تطفو على السطح علامات مريبة لسلوك جماعة (الإخوان المسلمين)، ومنها علاقة الجماعة بإيران! في كل مرحلة نكتشف شيئاً أعمق.. وشيئاً أعمق، وباستمرار! ويلح سؤال: ما السر؟ في البدء كنت أراها انحرافاً في المنهج. ثم توالت الأحداث لتنفرج عن أمور تُجبرك على أن تنزل في البحث إلى ما تحت السطح. رياضية السر تفصح عن خطأ في النتيجة لا يكفي الانحراف وحده لتفسيره. المعادلة في حاجة إلى عامل آخر لكي تستقيم. ترى! ما هذا العامل؟ أو ربما كانت هناك عوامل أَخرى، من يدري؟ في خريف 2008 كتب الأستاذ محمد أحمد الراشد – وهو من كبار إخوان العراق – كتابه (نقض المنطق السلمي) في انتقاد من أسماهم (مجموعة العمل السياسي) في (الحزب الإسلامي). قرأت الكتاب فوجدته في حاجة إلى نقد هو أقرب للنقض منه إلى النقد. فكان كتاب أسميته (المنطق السليم) انتهيت منه مطلع 2009. هو محاولة أو رحلة للغوص نحو القاع. في عشر السنوات اللاحقة وقعت أحداث محلية وعالمية وحصلت لي تجارب صادمة جعلتني أنظر إلى كتابي على أنه مسافة انتقالية تمهد للوصول إلى حافة الغوص إلى هناك. لكنها مسافة مهمة لا يستغنى عنها للذين يستهويهم الغوص الهادئ إلى الأعماق. إليكم حصيلتها كما كتبت آنذاك. في إطار مقالات أسبوعية. ومن الله نستمد العون والسداد.

**

 ركز الكتاب كثيراً على مساوئ أصحاب العملية السياسية (الإسلامية) في العراق. وطبقاً للواقع فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى أن المقصود بهؤلاء هم أعضاء (الحزب الإسلامي) دون غيرهم، وإن بذل جهداً مرهقاً في أن يبعد الكرة عن مرمى الحزب كحزب، ويوجهها إلى أفراد أساءوا الأداء، رغم أن الحزب الإسلامي (الإخواني) هو (صاحب العملية السياسية) الوحيد؛ فليس هناك من (أصحاب) سوى الأفراد الذين يمثلونه، ويمارسون العمل السياسي باسمه وحسب أوامره وإرشاداته!

انتقد الكتاب أصحاب العملية السياسية بقسوة، ووصفهم بأوصاف ونعوت بائسة جداً، لو ذكر شخص مثلي شيئاً منها في محضر البعض منهم لاتُّهم بالتحامل، والأغراض والإحن الشخصية. أما وقد صدر النقد من جهة لا يمكن التشكيك في انتسابها، ولها باع طويل في العمل والتنظير داخل الجماعة، فنأمل أن يتفهموا أسبابنا الموضوعية الحاملة على ذلك. وأن يدركوا الفرق بين الخصومة الفكرية والخصومة الشخصية.

من خلال الأوصاف القاسية التالية التي وصم الراشد بها أصحاب العملية السياسية، الذين هم رجال (الحزب الإسلامي) الجناح السياسي لجماعة (الإخوان المسلمين).. ندرك بعض جوانب الحقيقة المرعبة الكامنة وراء الإخفاق والضمور والفشل الذريع الذي آل إليه حال (الإخوان) ليس في العراق فحسب وإنما في كل قطر وجدوا فيه!

 شعور بالصدمة

عبّر أ. الراشد عن شعوره بالصدمة ممن أسماهم (أصحاب المنطق السلمي) – وهو أحد الأسماء التي يروغ وراءها تحاشياً لذكر (الحزب الإسلامي) – قائلاً (ص4): “إن التجربة التي مضت لم تكن بمستوى الأمل الذي انعقد عليها، وظنوننا التي كانت متفائلة متفاعلة أصابتها صدمة فتحت ثغرة دلف منها تعكير للنفوس وتبديد للحماسة الأولى، وما كان ذلك يليق لدعاة قدماء”.

شخصياً، لمست بنفسي آثار هذه الصدمة في لقائي به في آذار/2005. لقد كان شعوره بالإحباط منهم يشيع في عباراته، وأنه انتهى إلى غير ما جاء به من أمل عريض بالتغيير.

 الركون إلى الدنيا

ثم وصفهم (ص4) بالركون إلى الدنيا، واستجابتهم لدغدغات السمعة والرفاهية وبحبوحة المال. وجعله أحد أسباب الضعف وترك الصدع بكلمة الحق، والبعد عن تبني المواقف الجريئة. وكرر هذه النقطة مراراً.

 هجر تدارس القرآن

هذا مع هجر تدارس القرآن (ص58) والالتهاء بالعملية السياسية: “ولو أن الذين ألهتهم السياسة فهجروا تدارس القرآن رجعوا إلى تلاوته لَتَجدّد لهم إيمان وفقه هم بحاجة إليه في يوم الاختلاط هذا، ويوم الارتكاس، ويوم الشبهات، ويوم الشهوات”.

 ارتجالية الأداء واتباع الاجتهادات الآنية

وتحدث (ص5) عن الارتجالية في الأداء واتباع الاجتهادات الآنية السريعة التي يحكمها المزاج وتمتاز بالتقلب وعدم الاستقرار على خط أو حال، مع البعد عن دقائق حيثيات الواقع، وانعدام الدراسات الأولية التي توجه القرار، وعدم التخطيط المسبق.

 الهزيمة النفسية

كما تحدث طويلاً (ص76،65،9،5،4 وغيرها) عن الهزيمة النفسية، التي تعبر عن نفسها – حسب وصفه – بلين الخطاب ومجاملة أهل الباطل والانبطاحية ورخاوة السلوك السياسي وعدم السير في الطريق الرباني الصحيح. والسكوت عن منكرات تنتظر منهم رفع الصوت: “منكر الاستعمار، ومنكر الحكومة الطائفية، ومنكر الميلشيات الحزبية التي أسرفت في القتل، ومنكر التدخل الإيراني، ومنكر الانفصال وتقسيم العراق، ومنكر الاتفاقية الأمنية، ومنكر التلاعب بالامتيازات النفطية. ولكن العملية السياسية مشت على استحياء أمام هذه المنكرات الغليظة، وقال البرلمانيون فيها قولاً ليّناً مختصراً، بل كانوا إلى السكوت أقرب. ولم يؤجّجوها كقضايا ساخنة بما يناسب الإفساد الحاصل منها في عالم الواقع. وإنما حصل تعايش تدريجي معها، واكتفاء بعتاب أو رجاء أو إيماء. وكان الأداء بارداً ومن ثَم كانت خيبة الأمل والنقد التضعيفي وذهاب بعض المجاهدين إلى حِدّة أنكرناها عليهم”. “وكنا ننتظر لَعلَعة فكرية تسند لعلعة الرصاص وتوازيها وترفع وتيرتها، ولكن الحروف كانت هامسة”. (ص20): “إن العملية السلمية اُريدت لتأجيج المطالبات القانونية والإعلامية بجلاء الاستعمار ومساندة مطالب المجاهدين من خلال الوسائل السياسية في البرلمان والوزارات والعمل الحزبي المجاز، ولم توجَد لتضع ختمها أيضاً على اتفاقية تطيل مدة الاحتلال!”. حتى صار يتحسر ويقول (ص49): “نتمنى أن نسمع قائداً من رجال العملية السياسية الإسلامية يخطب في العراقيين بمثل خطبة خطيب الأنبياء شعيب u يضع فيها النقاط على الحروف ويقترف الصراحة في الإشارة إلى أصل الإجرام والانحراف: فلا نجد، ويخيب أملنا. أو مثل خطبة مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه فاستتر خلف الأفكار الإنسانية العامة ولغة الأحرار في النكير على الاستعمار : فلا نسمع”! ويعلل ذلك بعلل لا تليق بأدنى العامة، فكيف بالخاصة والقادة؟! : “لأنّ سَمَر بعد منتصف الليل أدّى إلى تصنيف الجهاد ودعاته وعاشقيه ورواده ومعتقديه ومؤيديه في صنف الممنوعات الخطرة، فلا يقربونه حتى ولا بالإيماء، وإذا سعت اتفاقية أمنية إلى محاربته فإنها لا تحرك فيهم عَصَباً ولا يرتجف منهم الفؤاد، ويميلون إلى التمرير إن لم يكن التوقيع. وهذه كلها أنماط من الانتكاس الروحي وتبعية عتاة الخونة من حيث لا يفطنون”. حتى قال هذه العبارة (ص43) التي يوحي ظاهرها بأن البطولة ليست من شيم من وجه نقده إليهم من رجال العملية السياسة (الإسلامية): “رُبّ وقفة عصماء لسياسي هي أجدى من قتال موسم، لكن هذا في النادر، ومن بطل أكبر من رجال السياق الذي ننتقده”!.

 التعايش مع الحكومة الطائفية

وانتقد (ص64) ما أسماه “سياسة التعايش مع حكومة المالكي الطائفية” “تفتيشاً عن موارد التعويض والإسناد بعد أن فقدت سند المجاهدين… فوقعت في الخطأ مرة أخرى، وصارت أسيرة، تخاف غضبته… ثم صاروا يتعللون بأن المالكي يحتاجهم. ومع ذلك هم يقدمون له سندهم مجاناً دون اشتراط أو تدقيق في التزامه، أو اعتراض علني صريح إذا أخلّ واستنكف، أو تشديد في تنفيذ شرط التوازن، وقد كان مراوغاً منذ البداية، واستمر حتى النهاية، واعترضتم وانسحبتم، في عملية أيدها كل دعاة العزائم، ولكن رجعتم من دون تنفيذه لطلباتكم، فكان رجوعاً بارداً صَدَم الرجاء، وما هكذا تكون المناورات”([1]).

تصورات رخيصة عن الجهاد

وفضح (مثلاً ص43-48) تصورات رخيصة بائسة عن الجهاد والسياسة والدعوة، وسلوكيات شائنة لا تليق لصغار العاملين فكيف لمن تصدى لعمل شائك خطير كالعمل السياسي، وباسم الدين؟! أعرضت عنها – وعن تفاصيل الفقرة التالية – تجنباً للإطالة، مكتفياً بالإحالة إليها. ونقض (مثلاً ص45،15) دعاوى كبيرة يلصقونها بإنجازات وهمية أو صغيرة. مثل ادعاء أن التحسن الأمني هو من إنجازهم.

 عدم الوعي السياسي والفقه الشرعي

لا أستطيع أن أحصر كلام الراشد في هذا الشأن؛ فإن الكتاب كله في انتقاد أصحاب العملية السياسية، حتى وصف الواحد منهم (ص76) بأنه “عارٍ عن الوعي السياسي والفقه الشرعي وروحانية الجهاد” ويريد مع ذلك “أن يستمر في التمتع بشرف العنوان العظيم ولقب (الداعية) الكريم”!.

 مجمل القول

مجمل القول: الكتاب يدور حول فشل العملية السياسية، وفشل أصحابها الذريع في إدارتها نتيجة سوء الأداء بسبب التصورات الساذجة، وضعف الإمكانيات، وعدم تكافؤ القوى مع المنافس الطائفي، حتى صارت سمعتهم في حرج (ص51،50) واحتمال صدود الأجيال الصاعدة عن الدعوة يهدد وجودهم ومستقبلهم. ولكنه يعزوها – كعادته – إلى عوامل ظاهرية بعيداً عن الأسباب الأساسية. منها ضعف الخبرة بسبب التجميد الطويل للعمل التنظيمي على عهد النظام السابق “فضمرت خبرة الدعاة السياسية تدريجاً، وانطلقوا بعد الغزو من مستوى يقرب من الصفر على الرغم من استعداداتهم الفكرية ومحاسنهم الدينية، فكان ذلك من الأسباب القوية في حرمان أهل السُنة من الزعامات يوم حاجتهم لها لمقابلة الأحزاب الطائفية بعد الاحتلال”.

أظنك توافقني الآن تمام الموافقة على ما قلته في بداية حديثي: “من خلال الأوصاف القاسية التالية التي وصم الراشد بها أصحاب العملية السياسية، الذين هم رجال (الحزب الإسلامي) الجناح السياسي لجماعة (الإخوان المسلمين).. ندرك بعض جوانب الحقيقة المرعبة الكامنة وراء الإخفاق والضمور والفشل الذريع الذي آل إليه حال (الإخوان) ليس في العراق فحسب وإنما في كل قطر وجدوا فيه”!

20 شباط (2) 2021

 

___________________________

([1]) كادت حكومة نوري المالكي تسقط؛ فقد انشق الجعفري على حزب الدعوة، وخرج حزب الفضيلة، والصدريون، يؤيدهم الرساليون، وكذلك القائمة العراقية من التشكيل الحكومي. وتفجرت المعارك بين المالكي وبين الصدريين. وحصلت اختلافات كبيرة، منها اختلافه مع مجلس الحكيم والأكراد. لكن الذي ثبتها هو الحزب الإسلامي! فقد دخل وسيطاً بين المالكي والصدريين مقابل أي شيء؟ لا شيء سوى ثلاث وزارات – منها وزارة النقل – أرادوا أخذها من التيار الصدري ولم يفلحوا. كان يمكن لجبهة التوافق (وأساسها الحزب الإسلامي) أن يكون رجوعها للحكومة، مثلاً، مشروطاً بإطلاق سراح المعتقلين، وكان يمكن أن تقيم تحالفاً مع هؤلاء لإسقاط المالكي. على العكس تضامنوا معه بـ(44) صوتاً، ودخلوا كوسطاء. ثم بينما الآخرون يخرجون من الحكومة كانوا هم يرجعون.

اظهر المزيد

‫8 تعليقات

  1. إخوان ومسلمون ذكرني العنوان بالوطنيون الذين يقولون اخوان سنة وشيعة هذا الوطن مانبيعة مصطلح الاخوة بين متناقضين جعل البيع رخيص وقد بيع الوطنيون ومعهم الوطن لإيران ،، فكيف بالإخوان المسلمين الذين خضعو إلى إيران وتنكرون بإسم الإسلام .

    #سنية اموية

  2. “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه” والهوى كما قيل معبود لا يُرى، يغلق السمع ويحجب البصر … وهذا هو حال هذه الجماعة نعوذ بالله من الضلال

  3. هذا هو حال الاخوان
    الذين خدعو اهل السنة طوال هذه السنين حتى تكشفة اوراق الخزي والعار

  4. الأخوان اصبحوا تحت مظلت إيران ينفذون عليهم مطالبهم كيف ما يشاؤون لمصلحتهم الخاصة وهذا خطر وشيك على أهل السنة
    حزب الإخوان عميل لايران والعميل أخطر من العدو علينا.

  5. أطال الله عمرك وعافاك وحماك من كل مكروه ..
    المشوار الذي قطعه الإخوان المسلمون مليء بالمفاجئات والغرائب.. ولعل أثر الصدمات والهزلئم التي منتيت بها تلك الحركة حاد بها عن السكة فانحرفت إلى غير هدى… وربما استعجال النتائج والحرص على قطف الثمار قبل نضوجها دفعها للخروج عن مسارها الصحيح تعللا بالمصلحة وعدم ضياع الفرصة قبل نفاد الوقت…وبهذا أعدمت حظها وانكرها أقرب عشاقها حتى أضحت قاعا صفصفا لاترى فيها نورا ولا بصيرة ولارشدا … بل انقلبت نظيرتها لسياسة المصالح وربح المكاسب بغض النظر عن نوع الوسيلة الموصلة لتحقيق الأمنيات والأحلام البنفسجية ..فصارت كل الآليات مباحة وتحلل مشروع تحكيم الشريعة إلى تحكيم المصلحة الوطنية وصندوق الإنتخابات الديمقراطية… فانتحرت أفكارها في عقر دارها مكتفيا بفتات موائد إيران وفضلات الأتراك..

  6. الحقيقة كلام مؤلم لكنه الواقع مع الأسف خدعونا وتنكروا برداء الدين كما خدعوا كل المسلمين.

اترك رداً على أنس الاندلسي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى