سياسةمقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

ساسان كاهن بيت النار وعلاقته بعقيدة الإمامة عند الشيعة

د.طه حامد الدليمي 

دخل كورش الفارسي العاصمة بابل، ليحتل الفرس العراق مدة (1175) سنة – تخللها احتلال يوناني استمر أقل من قرنين – حتى جاء الإسلام فتحرر على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

الفرس الساسانيون

توالت على حكم العراق منذ سقوط بابل سنة 539 ق.م ثلاث سلالات فارسية: الإخمينيون ثم الفرثيون ثم أخيراً الساسانيون (226 – 637 ب.م).

ينتسب الساسانيون إلى جدهم الأعلى (ساسان). وساسان هذا هو الكاهن الأكبر لبيت النار المعروف بمعبد (أناهيتا)، وقيل (نارَهيد) في مدينة (اصطخر) الفارسية. تزوج ساسان من الأميرة (رامبهشت) التي تنتسب إلى حكام مدينة أصطخر أهم مدن إقليم فارس وأكبرها، وكان حكام هذه المدينة يتلقبون بلقب (شاه). ولدت له ابناً سماه (بابك) تولى سدانة بيت النار من بعده. وكان له ولدان: (شابور) و(أردشير). استطاع هذا الكاهن بنفوذه الديني أن يحصل لولديه على مناصب عسكرية وإدارية كبيرة في الامبراطورية الفرثية تمكنا بها من السيطرة على المقاطعات التي حكموها. ثم اختلف شابور وأردشير فيما بينهما. استطاع الأخير أن يحسم الوضع لصالحه، ثم يكوّن جيشاً كبيراً، غزا به عاصمة الفرثيين. ودارت بين الفريقين معركة فاصلة انتهت بقتل (أردوان الخامس) إمبراطور الفرثيين. ونصب أردشير نفسه مكانه، مؤسساً بذلك الإمبراطورية الساسانية التي استمرت في الحكم أكثر من (400) سنة حتى مجيء الإسلام وهروبهم من المدائن سنة 637 ب.م.

متغير عقائدي خطير

في عهد هذه السلالة طرأ على عقيدة الفرس متغير خطير أحدثته السياسة خدمةً للمُلك. استغل الساسانيون كون أبيهم (ساسان) كاهن النار فمنحوا حكمهم صبغة دينية، متخذين من هذه الصبغة مُستنداً شرعياً لحصر الحكم في عائلتهم بمقتضى الدين!

لقد أشاعوا بين الناس أنهم يحكمون باسم الإله، فالحكم بالنسبة إليهم هو حق ديني إلهي. واستمر هذا التثقيف مئات السنين، فصار الملك في عقيدة الإيراني إنساناً مقدساً، يجري في دمه عنصر إلهي. وصار البيت المالك عندهم هو البيت المقدس نفسه. وبيت الملك هو بيت الدين. فلا يجوز أن يخرج الملك عن هذا البيت.

من هنا اختلط الدين بالملك، والملك بالدين عند الفرس. وكلا الأمرين تمثلهما عائلة واحدة تتوارث الملك، وتتوارث التقديس. تغيير عقائدي كبير طرأ ورسخ وثبت إبّان حكم الساسانيين. في هذا المطب كان يكمن سر (الإمامة)، ومن هذا الجذر تفتقت بذرتها فنبعت شجرة زقومها.. من بيت النار وكاهنه ساسان!

أدوار استحالة عقيدة ( الإمامة )

لم يدخل الفرس في الإسلام بالطريقة نفسها التي دخل فيها العرب.

  • العرب لم تكن لديهم هذه العقيدة اللاهوتية في ملوكهم ورؤسائهم.
  • والعرب لم يدخلوا في الإسلام جملة واحدة، إنما استمرت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم قرابة ربع قرن، فكان إسلامهم عن قناعة وطول نظر وتفكير.
  • ساهمت هذه المدة الطويلة في إزالة ما كانوا عليه من رواسب من عقولهم ونفوسهم.
  • والعرب كانت عقائدهم بسيطة، وليست معقدة كعقائد غيرهم من الأُمم.

أما الفرس.. فلم يدخلوا في الإسلام عن طريق الدعوة المتدرجة الطويلة الأمد. لقد دخلوا جملة واحدة، على ما هم عليه من عقائد ولوثات دينية معقدة. وأسأل: كيف تكون العقائد بهذا التعقيد ونطمع أن يتم التغيير المطلوب بهذه السرعة؟!

دخل الفارسي الإسلام وفي اعتقاده أن بيت الدين وبيت الملك واحد. العائلة المالكة هي العائلة المقدسة. العائلة الدينية هي التي ينبغي أن تحكم. ولا يجوز بحال أن يخرج الحكم والملك منها أبداً.

كان حتماً عند الفارسي المجوسي – طبقا إلى هذه العقيدة – أن يتولى الملك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم شخص من عائلته وليس من خارجها. فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الوحيد الذي يستحق أن يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في القيادة. ويتسلسل الملك حصراً في ذريته من بعده.

أضف إلى هذا ما أشيع من أن الحسين رضي الله عنه تزوج ابنة كسرى فولدت له ابنه علي بن الحسين. فكان الشخص الذي اختلط فيه الدم المقدس من الطرفين: طرف أمه، وطرف أبيه. فانتقلت الإمامة إليه، وبقيت في ذريته، دون ذرية الحسن، التي لا تملك هذه المزية.

استغل هذه العقائد الأُسطورية أساطينُ السياسة من العجم. ومن العرب الطامحين إلى الملك أيضاً. هكذا التقى الطرفان، فعزفوا على وتر هذه الأُسطورة، وانطلقوا بها من خراسان حيث الجو الملائم، وسهولة تصديق الناس بها هناك. فدعوا إلى الخروج على الأمويين، وطعنوا في شرعية حكمهم على هذا الأساس الباطل. لقد كان شعار العباسيين – ومعهم العلويون – (إلى الرضا من أهل البيت). واستولوا على الملك بحجة أنهم من أهل بيت النبي، على أساس أنهم من ذرية العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا هو التحول الخطير في العقيدة الذي جاء به ساسان كاهن بيت النار وأهل بيته من بعده. وهذه هي آثاره التي ندفع ثمنها حتى اليوم، خصوصاً نحن سنة العراق، ما لم يظهر جيل جديد ينظر إلى الواقع بمنظار جديد بهوية جديدة.

ذلك هو المنظار السني.. وتلك هي الهوية السنية.

11 آذار (3) 2021

اظهر المزيد

‫14 تعليقات

  1. اذا استخدمنا نفس المنظار السني الذي استخمتَه في النظر الى اصل عقيدة الامامة عند الشيعة ، ونظرنا من خلاله الى الفكرة المتشكلة لدى اهل السنة بالنسبة الى الحاكم او الراعي المسؤول عن رعيته .. نجد ان القائد لديهم يجب ان يكون اقرب الى الهيئة الملائكية منه الى البشر ، وقد ساهم في تشكيل هذا التصور كم الروايات التاريخية المكذبوبة والتي ساهمت في تاسيس تيارات ثورية تنادي بنهوض بطل اسطوري يمتلك مواصفات تعجيزية.. فالقائد العسكري في مخيلتهم لا تكفيه مواصفات الخبرة والشجاعة ما لم يكن متدينا يصوم يوما ويفطر يوما ، والخليفة او الملك ما لم يقضي ليله قائما وساجدا وهو يتلو القران الذي يحفظه ، فهو لا يصلح للرئاسة حتى وان برع في ميدان السياسة وقاد البلاد لاعلى المراتب .. ان مشكلتنا مع هذا الاسلام السياسي الذي زرع في اجيالنا هذه النظرة السقيمة التي لا تستند الى دليل ولا يدعمها علم ، فكانت الفوضى ثمارا لهذه النظرة.
    جزاك الله كل خير دكتور طه على هذه الومضات التي نستدل بها الطريق .. فان العودة الى اصل المشكلة تفسر لنا الكثير مما نعجز عن تفسيره ، ان نشوء اي انحراف يحتاج كي نعيه ونبطله الى تفسير منطقي للاحداث .. بالضبط كما فعلت في هذا المقال الرائع.

  2. ربط تاريخي واقعي لمشكلة العقائد المقدسة منذ زمن ساسان والى الان و دين التشيع قد زرع هذه العقيدة في نفوسهم لكي يقدسوا الاشخاص ذوي الملك والسلطة والنظر لهم وتمييزهم عن بقية البشر ,, ولقد حدث هذ الامر مع نبينا الكريم محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم عندما حاججتة قريش فا قالوا له مابالك وانت رسول الله تأكل الطعام وتقف بالاسوق فعيروه بأكل الطعام لانهم ارادوا ان يكون الرسول ملكا { وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) {سورة الفرقان} …… و قوله تعالى : وما أرسلنا قبلك من المرسلين نزلت جوابا للمشركين حيث قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . وقال ابن عباس : لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة وقالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام الآية احزنت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فنزلت تعزية له ; فقال جبريل عليه السلام : السلام عليك يا رسول الله ! الله ربك يقرئك السلام ويقول لك : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق أي يبتغون المعايش في الدنيا .

    1. هذه النظرة التاريخية العميقة هي التي نحتاجها لتشخيص العقائد الفاسدة التي تسللت لنا وطغت حتى أصبحت وبالا علينا – نحن سنة العراق – نقتل ونهجر ونعتقل بسببها.

  3. سبحان الله الشيعة تحركهم عقدهم النفسية والاسقاطات التي انزلوها على الدين لحد الان لم يغير الاسلام فيهم شي لانه لم يدخل قلوبهم ومهما مر الزمن فهم متقوقعون على عقائدهم وامراضهم صنيعة ساسان

  4. السلام عليكم
    مساء الخير يادكتور
    لقد وفيت وكفيت واوضحت وشرحت فجزاك الله عنا خير الجزاء وبارك الله بك .

  5. الفرس لديهم عقدة النقص
    لذلك يحبون عبودية البشر والشيء الملموس
    لذلك لا يؤمنون بوجود الله وعظمته سبحانه
    دائما يصنعون لهم من يستعبدهم ويحكمهم
    اما العرب لا توجد لديهم هذه الخصال الخبيثه
    فقام الفرس بزرع هذه الأديان الخبيثة وتحريف
    التاريخ ليخدم مصالحهم ولكي يمكنهم من ارض العرب
    ويستعبدون العرب بطريقة مخفية وماكره
    بأذن الله التيار السني يهدم هذه الأديان الخبيثة ومن صنعها وعمل بها في بلادنا السنية العربية

  6. مائسرع الفارسي في تحويلهِ بعد السقوط، وما ئبطئنا في النهوض نحنوالعرب أين المشكله والعله؟،
    العله في أهل الإسلام لما حرمو الفكر والفكرة، التي تدور عليها حركة التغير والنهوض، استطاع أهل بيت النار يكونو في وسط الدار….. جزاكم الله خيراً شيخنا الفاضل على هذا التوضيح وتفضيح لخبايا وخفايا الفرس

  7. ولازالت أثار الساسانيون في مدينه كوريش جنوب بغداد في العراق والحقد علي السنة العرب من قبل الفرس عوأنهم الخونه.

    شكر على هذه المقاله العريقه التي بينة حقيقه الدواله الساسانيه
    بالحقيقه كنتُ أعتقد أن الدواله الساسانيه دواله مسلمه

  8. بسبب عدم اقتناعهم التام في الدين حرفوه من اجل إرضاء نفوسهم و عقولهم المريضة والسبب
    هو نموهم في بيئه تقدس العائله الملكيه مثل الاله اصبحت لديه ثغرات في الدين لن يملائها اي من المعجزات ك القران وغيرها و حرفو الدين وادخلو
    ( على رض) ك امام يساوي الرسول (صلىَ الله عليه وسلم) والى الان يتم دفع ضرائب هذا التفكير المعقد الذي جاؤ به إلى ارض العرب

  9. هناك فرق كبير بين العرب والفرس
    الفرس فيهم العقد النفسية التي طغت على عقولهم وغلفت قلوبهم وترسخت فيهم العداوة الأبدية ضد الإسلام والى يومنا هذا وأفعالهم الوحشية بأهل السنة أما العرب لايوجد فيهم هذه العقد النفسية التي تحجبهم عن تقبل الري والبحث عن الحقيقة ولذلك كان الدخول إلى الاسلام يثمر في مرور الأيام والسنين عندما بعث الله نبي محمد رسول الله للعرب ونزلت بهم الآيات لرفع العذاب عنهم عندما كانت القلوب والافئد تهوا إلى دين الله عز وجل قال تعالى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )

  10. من هذا المقال العميق الفكرة والتركيز فى المعلومة وتشخيص المرض وحل العقدة..
    ذكر أستاذنا الدكتور. تحت عنوان.
    أدوار استحالة الإمامة..
    ١_لم يدخل الفرس في الإسلام بالطريقة نفسها التي دخل فيها العرب.
    ٢_العرب لم تكن لديهم هذه العقيدة اللاهوتية في ملوكهم ورؤسائهم.
    ٣_والعرب لم يدخلوا في الإسلام جملة واحدة، إنما استمرت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم قرابة ربع قرن، فكان إسلامهم عن قناعة وطول نظر وتفكير.
    ساهمت هذه المدة الطويلة في إزالة ما كانوا عليه من رواسب من عقولهم ونفوسهم.
    ٤_والعرب كانت عقائدهم بسيطة، وليست معقدة كعقائد غيرهم من الأمم….
    انتهى كلام أستاذنا جزاه الله خيرا.
    أقول: في هذا اختصر لنا التشخيص والعلاج..
    فلابد للدعاة الواعين أن يكون لديهم فقه في علاج الموروث الثقافي والاجتماعي للشعوب وكيفية التعامل معها لحل المشاكل الداخلة معها والمتراكمة عليها. ووضع الحلول بما يناسب نوع كل مشكلة.
    ولما كانت الوصفات تعطى بنفس الطريقة والأسلوب والمعايير دون النظر بما يناسب وما لايناسب.
    فشلت الأدوية في علاج الادواء حتى ذاب المرضى في التشيع وحلت عندنا ثقافة الانبطاحية والترضوية واستحداث مصطلح أهل البيت والصحابة فشاعت ثقافة تشيع عرب السنة وتزندق شيعة العرب وحصد ثمار ذلك فرس النار ومجوسية التشيع..

  11. من هذا المقال العميق الفكرة والتركيز فى المعلومة وتشخيص المرض وحل العقدة..
    ذكر أستاذنا الدكتور. تحت عنوان.
    أدوار استحالة الإمامة..
    ١_لم يدخل الفرس في الإسلام بالطريقة نفسها التي دخل فيها العرب.
    ٢_العرب لم تكن لديهم هذه العقيدة اللاهوتية في ملوكهم ورؤسائهم.
    ٣_والعرب لم يدخلوا في الإسلام جملة واحدة، إنما استمرت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم قرابة ربع قرن، فكان إسلامهم عن قناعة وطول نظر وتفكير.
    ساهمت هذه المدة الطويلة في إزالة ما كانوا عليه من رواسب من عقولهم ونفوسهم.
    ٤_والعرب كانت عقائدهم بسيطة، وليست معقدة كعقائد غيرهم من الأمم….
    انتهى كلام أستاذنا جزاه الله خيرا.
    أقول: في هذا اختصر لنا التشخيص والعلاج..
    فلابد للدعاة الواعين أن يكون لديهم فقه في علاج الموروث الثقافي والاجتماعي للشعوب وكيفية التعامل معها لحل المشاكل الداخلة معها والمتراكمة عليها. ووضع الحلول بما يناسب نوع كل مشكلة.
    ولما كانت الوصفات تعطى بنفس الطريقة والأسلوب والمعايير دون النظر بما يناسب وما لايناسب.
    فشلت الأدوية في علاج الادواء حتى ذاب المرضى في التشيع وحلت عندنا ثقافة الانبطاحية والترضوية واستحداث مصطلح أهل البيت والصحابة فشاعت ثقافة تشيع عرب السنة وتزندق شيعة العرب وحصد ثمار ذلك فرس النار ومجوسية التشيع..

  12. جزاك الله خيرا على كل ما تقدمه لنا من جهد في معرفة التشيع الحمد لله حقيقة لقد تعلمت منك كيف احمل قضية أهل السنة وادافع عنها .فأسأل الله ان يحفظك دائما وابدا وان يمكن لك كما مكن للشيخ محمد بن عبد الوهاب…أيها الأسد السني

اترك رداً على تصحيح المسار إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى