تمارين استثنائية .. قصة واقعية قصيرة
د. طه حامد الدليمي
منذ ثلاثة أيام وأنا منهمك بالتفكير في موضوع تاريخي خطير لم أقع له على رأس خيط في كُبّةِ الغزل المعقدة إلا قبل ساعة. حقاً لقد وقعت على كنز! فزاد بالي انشغالاً على انشغال.
فرحة العثور على الخيط المستعصي على الاكتشاف.. والرغبة في استثمار اللحظة قبل أن تتبخر الفكرة التي أخذت خيوطها بالتناسل بعضها من بعض، ويحل بعضها محَلَّ بعض.. والجاذبية التي لا تقاوم في تمثل صورتها النهائية وقد تحولت إلى لوحة فنية، من الحروف والسطور.. ثم… الجلوس على أريكة التأمل اللذيذ واللوحة قد انتصبت أمامي كأنها مجرة حطت لدي فجأة بكل ما فيها من أعاجيب!
على هذه الحالة غارقاً في تأملاتي دخلت المسجد لأداء صلاة العصر!
بعد لحظات.. أفقت من غيبوبة كثيراً ما تعتريني في الصلاة، فوجدت نفسي أقرأ آخر (الفاتحة)، دون أن أفقه من أولها شيئاً! “كيف هذا وأنا في شهر القرآن في أعظم سور القرآن في أعظم عبادة!”. وأعدت تلاوة (الفاتحة) في وسط ميدان أطارد فيه تلك الأفكار، لأتمعن ما استطعت فيما أتلو من الآيات.
شيء ما كالنور أشرق في نفسي، والتفتُّ إلى شيء لا أدري لِمَ التفتّ إليه وأنا ما زال في بداية الشوط.. حركة التكتف واضعاً كفي اليمين على رسغي الشمال. وانتبهت إلى رأسي فوجدته قد انحنى قليلاً دون استئذان. “ولم لا؟ ألستُ في حضرة الله جل في علاه، عبداً يقيد نفسه بنفسه، معلناً خضوعه وأسره!”.
الإشراقة تكبر وتتسع.
وطافت في ذهني بسرعة البرق قبل أن أكمل الآية الأولى أشكال لتماثيل قديمة بالحركة نفسها تصور رجالاً يقفون بخشوع أمام الملك كما يزعمون.. بل أمام الله. سبحان الله! إنها الفطرة، حين تستجيب لنداء (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)!
لم أملك إزاء هذا الجلال عينيّ.. وتركتهما على سجيتهما.
وتوالت الفيوضات وما زلت أتقلب بنظري بين الأغصان السبعة للسورة!
“الفاتحة طلب يتردد بين السماء والأرض دون انقطاع، يرفعه عبد ذليل إلى رب جليل، ضمته كلمة (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) فكانت: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)”.
وانهالت عليّ ثمار الشجرة وأوراقها!
“ما هذا؟! أين جواب الرب من السورة لطلب العبد؟”.
لا تعجل.. حول بصرك إلى الصفحة الثانية.
“الله!
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ). الكتاب العظيم كله جواب عن ذلك السؤال العظيم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)”!!!
وانهمرت الثمار.. شكل متشابه وطعم مختلف!
إلى أي موضع من بستان الكتاب تطلعت فإنما تقطف نموذجاً آخر لجواب متجدد عن سؤال ثابت!
علاقة لا تنفصم بين عبد ورب! عبد يسأل ويكرر، ورب يجيب ويفصل.. ولا يملّ حتى تملّ.
سؤال واحد. والجواب متعدد! يا لله! ما أعظم هذا!
ورفعت رأسي من ركعتي الأولى.
كنت أسبَح في هذه الخواطر محافظاً جهدي ما استطعت على تأمل الآيات والحركات. وحين قمت للركعة الثالثة، برق ذهني بمعنى قديم، إنما بزيادة جديدة، استولى على قلبي، ليعلقه على حبل ممتد بين الغصن الأول والغصن الأخير من شجرة (العلق)!
“هذه السورة بدايتها قراءة وآخرها سجود. وها أنا أقرأ ثم أسجد، وأقرأ ثم أسجد! هكذا حتى تنتهي الصلاة! وما التحيات إلا مرسوم رباني لأدب الخروج من الصلاة”.
وعندما أشرفت على عتبة الخروج وجدتني على وشك الانغمار بين موجتين تتلألآن بالنور. وإذ تجاوزتهما شعرت كأنني كنت في عالم وخرجت لأدخل إلى عالم آخر يسكنه قوم آخرون فأهويت إليهم بالسلام عن يمين وشمال!
بعدها جلست أتأمل ما جرى لي، ودار بيني وبين نفسي حوار ختمته بسؤال: “أهكذا تكون القراءة ربانية؟”. وقبل أن أجيب نظرت فإذا درة تتدحرج ثم تستقر في موضع السجود، ومن أعماقها تنبع حروف ثم تنتشر على سطحها.. تنبع ثم تنتشر، تنبع ثم تنتشر. كأنها قلوب تنبض أو أرواح تحكي: “إذا كانت القراءة ربانية كان سجودها قرباناً”.
9 مايس 2021
ما شاء الله لقد ابحرت بنا في رحلة خاشعة
فتح الله عليك ابواب رحمته امين يا شيخنا 💚
هذا فضل الله تعالى – يا أريج – نسأله التصديق والستر
السلام عليكم طر في سماء العز وخلق عبر التاريخ واطو حقب الزمان وبين الحضارات وميز الدخيل واكشف سرابا خادعا وانهض فقد البستنا عزا وطوقت أعناقنا قلائد من عز عروبة وإسلام وفضحت غريان الشر ومخوت غشاوة كانت سبب مداهمة ومجاملة ووضعت أيدينا على تراث حضاري اختلط بالقول والأعمال والموروث كان يمتد للحضارة اقوام لبسوا العمائم على قلوب محوسية
لك من قلبي سلام لا يحد
جزاك الله خير شيخنا الفاضل…..
للأدب مكانة عالية عند العرب وتعليقهم للقصائد على جدار الكعبة يعطي رؤية لمدى حبهم للأدب،لذا جاء القرآن ليخاطب العرب بلغة بليغة حتى يؤثر بهم،فالإحساس بالكلمة دليل حياة القلب……
وإستخدامك للأدب في هذه القصة يعطي للقارئ دافع للقراءة و ينقل القصة من السرد الجامد الى حيز الأدب حيث الكلمة المشحونة بالمشاعر والأحاسيس ليشعر القارئ ببعض ما يشعر به الكاتب…..
دام مدادك….
ما شاء الله هذه هي جوائز الخشوع والتأمل والربط بين الايات والسور ، حفظك الله وجعلنا ممن افاض الله عيهم بسعة التفكر باياته المسطورة والمنظورة.
جزاك الله شيخنا ، أجمل شي بالصلاة هو التدبر والخشوع .
الصلاة يقين وجاذبية بين العبد والمعبود الاله الواحد – الله – جل جلاله) ويجب علينا نحن كامسلمين ان نؤديها على اكمل وجه وانها دقائق تسمو بك عند ملك الملوك وما أعظم ديننا شكرا الله ان كرمنا بهذا الدين الحمد لله 🙏
جزيتم خير الجزاء وزادكم الله عطاء ورفعكم الى السماء 🌷🌴
الله….
ما أجمل قولك :
“بالله عليك لو مضيت في صلاتك على حالتك الأولى من الانشغال أكنت تحصل على كل هذه الكنوز؟ لا والله!”.
وتفكر في سبب هذا كله. إنه الإحساس بالتقصير حين وجد نفسه يقرأ دون تدبر، فسارع إلى التوبة وإعادة القراءة من جديد. “نعم هكذا يكون عطاء رب العالمين لعباده التائبين! سبحانك ما أعظم شانك!”.
أخيراً تساءل عبد الرحمن: “أهكذا تكون القراءة الربانية؟”.
وقبل أن يجيب نظر فإذا درة تتدحرج ثم تستقر في موضع السجود، مكتوب عليها: “إذا كانت القراءة ربانية كان سجودها اقتراباً”
… كم صلاة اديناها دون خشوع وتدبر.. اللهم يا رب تبنا اليك وتقبل يا رب ضعفنا وقلة حيلتنا.. يا رب اعفو عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فنصرنا على القوم الكافرين.
زادك الله علما ونورا وفقها يا دكتور.
حفظك الله ولا حرمنا الله من مداد علمك وقلمك
تحياتي وقبلاتي على يديك يا غالي.
رفع الله رأسك وشأنك.
ماشاء الله
لقد رأيتني كأني في نفس الموقف وأنا أقرأ فماذا لو كنت أنا القارئ الساجد؟!
كلمات تفيض بالنور والمعاني الربانية وخاتمتها الأروع “إذا كانت القراءة ربانية كان سجودها اقتراباً”.
اللهم اجعلنا من الساجدين والخاشعين والباكين خشية لك وحبًا وتقربًا إليك ، اللهم لا تحرمنا لذة السجود لك.
كلام رائع شعرت وكأنني مكان “عبد الرحمن” وجميعنا عباد الرحمن ، بارك الله فيك.
ما أجمل هذه القصة الواقعيّة التي تجعل من القارئ يتدبر ويتأثر وهوفي صلاته،شكراً للذاكرين ألمذكرين
الفلاح هو لذة الفوز والغنيمة والسعادة التي يبحث عنها المؤمن وهو يقف امام ملك الملوك في لحضة الخشوع وهو يحمدالله ويتوسل بأسمائه وصفاته وينكسر ويتضرع له طالباً من الله عز وجل الإستغفار والتوبة والهداية ،
كلام في غاية الروعة والجمال
والمشاعر الربانية العظيمة تطمئن فيها النفوس والقلوب التي في الصدور الله رب العالمين ، زدك الله من علمه وفضله وكرمه دكتور
قصة أجلت وطهرت قلوبنا بنور الوحي روعة
جزاك الله خيرا وامد في عمرك وبارك مداد كلماتك. تصوير جميل أن تتكامل اللوحة الإيمانية بين الموروث الثقافي والتدبر والخشوع والتفكر الموضوعي المنتج للسجود والخضوع فكانت الصلاة صلاة متعة وراحة وعبادة وسياحة من عالم الدنيا لتدعو لك في عالم الغيب والشهادة… وهذا لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد..
وبهذا تكون لك مع كل صلاة تجدد وارتقاء وترميم وبناء فالمشاعر والأفكار تتجدد كالخلايا الحية التي سلمت من الأمراض واللاسقام.
الله يفتح عليك ياشيخ
لاحرمنا الله من إبداعاتك
أنا ضامنة لمن حافظ على هذه التمارين والزم نفسه بها أن تُخرِجه من غبش الشتات في صلاته إلى صفاء التركيز …
سدد الله قولك شيخي وجزاك عنا خير الجزاء ..