مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

بين إمامة علي وإمامة معاوية

د.طه حامد الدليمي

الإمامة عند الشيعة منصب ديني – كالنبوة – لا يكون إلا بتعيين إلهي. ومنكرها كافر يجب قتله ويستباح ماله وعرضه. وإذا سألتهم ما الدليل؟ واجهوك بشبهات آرائية أو متشابهات نصية،  لن تجد من بينها آية محكمة؛ لأنه حاشى لمحكمات الكتاب أن تكون دليلاً على ما خالف الصواب.

وإذا كانت الإمامة تثبت بهذه الطريقة فإن هذا يفتح الباب لدخول إمامات لا تحصى لأئمة لا تُعد. وتاريخ الشيعة شاهد. لقد أحصيت في كتابي (العصمة في منظور القرآن الكريم) أكثر من خمسين (إماماً) للشيعة! وأكثر من عشرين (مهدياً) لهم خلال القرون الثلاثة الأولى فقط! احتج لهم أصحابهم بمثل ما احتجت به الشيعة الاثني عشرية من حجج، ليست واحدة منها آيةً من الكتاب صريحةً قط ! وهذا من أكبر البهتان وأوضح البيان على بطلان (الإمامة)، بل بطلان المنهج الإمامي برمته في إثبات الأصول.

ليكن مثالنا اليوم معاوية رضي الله عنه. تجربة ممتعة جداً ومسكتة للخصم جداً جداً!

إنه كان منصوراً

يقول تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} (الإسراء:33).

بالنظر إلى الواقع التاريخي، وطبقاً إلى قواعد الشيعة في الاستدلال، يمكننا بكل يسر إثبات (الإمامة) لمعاوية بمفهومها العصموي المقدس كما يفعلون. وذلك بأن نقول: إن الذي (قُتِلَ مَظْلُومًا) هو عثمان بن عفان. وأما (وَلِيه) فابن عمه معاوية بن أبي سفيان. وقد لجأ إليه أهله بمن فيهم زوجه وأولاده يستصرخونه للقصاص من قتلته.

الولي

أما (الولي) فهو الإمام المعصوم. وقد وعد الله هذا (الولي) بالنصرة وجعل له (سلطاناً) وهو النص على (إمامته). وجزم فقال: (إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً): على من ناوأه وقاتله، فلا يسرف في القتل فإن النصر مضمون سلفاً.

وهذا نص في (إمامة) معاوية يشهد له الواقع. فقد وفى الله تعالى بوعده فجعل له الإمامة ومنحه الملك وكساه بسربال الخلافة ونصره نصراً مؤزراً. فكان خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عشرين سنة، ما ناوأه أحد إلا خُذل، ولا عارضه إلا خُصم. فضلاً عن عشرين سنة قبلها كان فيها أميراً على الشام، مبسوط السلطان تام الطاعة.

أخرج معمر بن راشد في (جامعه) بسنده عن زهدم قال: كنا عند ابن عباس يوماً فقال: والله لأحدثنكم بحديث ما هو بسر ولا علانية: ما هو بسر فأكتمكموه ، ولا علانية فأخطب به. وإنه لما وثب على عثمان فقتل قلت لابن أبي طالب: اجتنب هذا الامر فستكفاه. فعصاني، وما أراه يظفر. وأيم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان؛ لأن الله قال: (ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً)([1]).

وقال الرازي: عن ابن عباس أنه قال: قلت لعلي بن أبي طالب وأيم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان؛ لأن الله تعالى يقول: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّه سُلْطَـانًا). وقال الحسن: والله ما نصر معاوية على علي إلا بقول الله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّه سُلْطَـانًا) والله أعلم([2]).

وقال ابن كثير: وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة، وأنه سيملك؛ لأنه كان ولي عثمان، وقد قتل عثمان مظلوماً رضي الله عنه، وكان معاوية يطالب علياً رضي الله عنهما أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم؛ لأنه أموي، وكان علي tيستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك، ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع علياً هو وأهل الشام. ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما تفاءل ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة([3]).

وقال السيوطي: َأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّه لما كَانَ من أَمر هَذَا الرجل مَا كَانَ، يَعْنِي عُثْمَان، قلت لعَلي t اعتزل فَلَو كنت في جُحر طلبت حَتَّى تستخرج فعصاني. وَأيْم الله ليتأمرن عَلَيْكُم مُعَاوِيَة. وَذكر أَن الله تَعَالَى يَقُول: (وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانًا فَلَا يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصوراً)([4]).

لا تنس أن تصرفي بالنصوص الدينية في الاحتجاج إنما على الطريقة الشيعية، لا الطريقة الربانية. فأقول:

إن (الولي) المذكور في آية {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} (الإسراء:33)، هو نفسه المذكور في آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (الأنعام55). والدليل قوله تعالى في الآية بعدها: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}. يشهد له أن الغلب تحقق لمعاوية على خصومه في الداخل والخارج، بمن فيه علي نفسه. إذ غلبه معاوية على سلطانه. فحزب الله هو معاوية وشيعته بدليل غلبه وانتصاره على علي وشيعته. واستمر هذا الحزب غالباً منصوراً بعد وفاة معاوية. فحين خرج الحسين على يزيد كان الغلب ليزيد عليه.

وظل الأمويون منصورين غالبين ففتحوا الأندلس وما جاورها وأسسوا دولة هناك دامت ثمانية قرون، فكان مثلهم {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(إبراهيم:25،24). فالشجرة هي شجرة الأمويين. والدليل على طيبها وعلى أنهم هم المقصودون بهذه الشجرة الطيبة ثبوتها ودوامها. بحيث لم يكتب لدولة قط مثل هذا الثبوت والدوام. حتى دولة العباسين لم تدم أكثر من خمسة قرون ونيّف! أما العلويون فلم يدُم لهم من الملك ما دام للعباسيين فضلاً عن الأمويين.

ولولا الدين وحرمة الصحابي الجليل علي t لمضيت على الطريقة الشيعية أفصل في الكلام مستشهداً بالآيات التالية من سورة (الأنعام). ولكن حاشى وكلا!

دار معاوية لا دار علي

وإلى (إمامة) البيت الأموي عموماً، ومعاوية خصوصاً أشار النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: (من دخل الكعبة فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فساوى صلى الله عليه وسلم بين الكعبة ودار أبي سفيان رضي الله عنه في الحرمة، وجعل لها ما للكعبة من المنزلة. وتلك إشارة جلية لـ(الإمامة) القدسية التي أرادها الله تعالى لهذا البيت الكريم.

لا أريد الاستمرار بمثل هذه الحجج التي رفعنا الله تعالى بمحكمات كتابه عن الاحتياج إلى الاحتاج بمثلها، لكنها – على قواعد الشيعة – في غاية المنطقية والحُجّية! ولو تبادل معاوية وعلي الأدوار لقال الشيعة فيه هذا الذي قلناه وزيادة، ولفصلوا وشققوا ولم يرقبوا في علي إلاً ولا ذمة.

ليس لدي شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان قد قال: (من دخل دار علي فهو آمن)، لقال الشيعة: هذا دليل واضح ونص قاطع في (إمامة) علي؛ فمن دخل داره أي دخل في (إمامته) وآمنَ بها فهو آمن من عذاب الدنيا والآخرة، ولجعلوا لهذا الحديث اسماً رنان، وأضافوا له ما بهر من عنوان كأن يسموه (حديث الدار)! وأُلِّفت فيه الأسفار وتليت الأذكار، وسارت بخبره الركبان وطارت الرخمُ والعُقبان!

27 /مايس (5)/ ٢٠٢١

____________________

[1]- جامع معمر بن راشد، 11/448، معمر بن راشد.

[2]- تفسير الفخر الرازي، 20/336، محمد بن عمر بن الحسين التيمي الرازي المعروف بالفخر الرازي، دار إحياء التراث العربى. الطبعة الثالثة، 1420هـ.

[3]- تفسير القرآن العظيم، 5/73، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 142هـ – 1999م.

[4]- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، 5/284، جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت.

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل….نحن سُنة ولنا عظماء نفخر بهم وهم رموزنا وبالأخص الحكم “الأموي” الذي اغاض الشيعةوالفرس المجوس والذي جعلهم يقدسون علي (رض)بصفته الاله تعالى الله عما يشركون،، نحن السُنة نسير على خطى الربانية وليست العبودية للرموز،،،بينما التشيع يسير على خطى الشرك والعبودية للرمز ،،الربانية هي النور ،والشرك هو الظلام .

  2. سلمت يمينك، وسلم لك قلمك الفيّاض!
    يا الله ؛ ما أروع هذا التفصيل الذي يأخذ الفكر إلى قوالب تجديدية ذكية، لقد وجّهتنا بهذا المقال إلى باقة جديدة من طرائق التفكير، مزوَّدة بذخائر هائلة من الأدوات الناجعة التي تقصم الباطل بضربة قاضية تجعلك عند ختام المقال تردد: الله .. الله ..

  3. الحمد الله ثروه هائلة من الأدلة الواضحة
    عن أمامة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في زمن الفتن والمحن، نعم الامويين أصحاب ريادة وقيادة وسيادة
    قال تعالى ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) بارك الله في فكرك وقلمك دكتور

  4. سبحان الله .. وكأن الله نزه المنهج الرباني -على عظمه واهميته- في الرد على الشيعة ليكون ندا يدحض ما لديهم من خزعبلات و خرافات .. فهؤلاء لا يرقون لمستوى هذا الخطاب في المحاججة ، اذ يمكن نسف دين الشيعة بالمنهج نفسه الذي هم يتبعونه لتفنيد اكاذيبهم .. مع بقاء الكفة راجحة لصالحنا نظرا للكم الهائل النصوص التي يمكن استخدامها لهذا الغرض وكوننا نعتمد على روايات صحيحة في ذلك .. هذا الاسلوب الجديد قد يفيد جمهور السنة ويعزز ثقتهم بسنيتهم اكثر من اثره الماحق على الشيعة انفسهم..
    سلمت لنا دكتورنا الحبيب على هذه الاضاءات التي تبهرنا بها كل حين

  5. ما أدها معاوية رضي الله عنه يحلم و يتأنا ولا يعجل وهذه صفة الحكيم الذي يضع ألاشياء في مواضِعها حتى أصبح ملكاً تهابه الدُنيا وهذاحال من تكون بأهله،((أما حال من أعتمد الشيعة الفرس))
    ما أطاعهم أحد من المسلمين كان مجتهداً أو عامداً إلا خُذل وغُدر، وأول من وقع في هذا الفخ الخبيث، سيدنا علي رضي الله عنه إستدراجاً من قبل البغات، بويع أميراً لهم أصبحوا أمراءً عليه يقاتلون به إخوانه،فلما هزمهم أمرالمؤمنين معاوية رجعوإليه وقتلوه،،وقد قال فيهم علياً لاطاعة لمن لارأيه لهُ، وقال قوماً يملكوننا ولانملكهم،.فملأُ قلبه قيحاً وكان يذكر إخوانه شوقاً…..،
    وفق الله د طه محذراً ومنذراً لأهله الغافلين من خطر الشيعة

  6. رضي الله عن سيدنا معاويه بن أبي سفيان
    مقارنه وادله تغلق كل فاه يفكر بالانتقاص من سيدنا معاوية وولايته
    ولكل من لديه عقل سليم يفكر به.

  7. رزق الله… سيدنا معاوية رضوان الله عنه
    إمارة المسلمين وامامتهم وجعل دولة الإسلام
    تزدهر في حكمه وقيادته وكانت تسمى في زمانه
    العصر الأموي وكان الأمويين أصحاب مكانه عظيمة ومنزلة مرموقة في مكة المكرمة شرفها الله.
    بوركت جهودكم شيخنا الجليل .

اترك رداً على نهاوند محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى