سحر الكلمة .. وسر المعادلة (01)
د. طه حامد الدليمي
دعوني هذه المرة أبين لكم سراً عظيماً من أسرار الاستقرار العائلي الذي لا يكون بيت الزوجية هادئاً هانئاً إلا به.
1. سحر الكلمة
المرأة ذات طبيعة عاطفية. وكثير من الرجال كذلك. أليس كذلك؟
من العبث إذن – في معظم الأحيان – أن نحاول حل المشاكل معها بما يخالف طبيعتها. فليس من الصواب اللجوء إلى المنطق الجاف كأساس لحل المشاكل الزوجية. إن النقاش والجدال وإيراد الحجج المنطقية – متى ما طغى على أجواء الخلاف الزوجي – أخطر عامل من عوامل خراب البيوت. وخير من ذلك الجنوح إلى شيء بسيط الكلفة عظيم الثمرة، هو أرخص شيء في الثمن المبذول لكنه أغلى ما يكون في الناتج المحصول.
ذلك هو الكلمة!
الكلمة أنجع مرهم للجرح، وأثمن جوهرة في عين المرأة. استعملها موشاة بالعاطفة النبيلة واللفظة الجميلة ترَ العجب. لم أجد كالكلمة شيئاً بالمجّان تشتريه المرأة بأغلى الأثمان! بل تبقى الكلمة فاعلة حتى مع الرجال؛ ولذلك قال النبي : (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه. بل قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة:83).
وقال أحد القراء معلقاً على هذه الالتفاتة وقد نشرتها في مقالة على موقع (القادسية) قبل سنين: “رغم كل الذي تعلمناه عن علاقة الرجل بالمرأة فإن مقالتك هذه قد أغنتنا عن قراءة العديد من الكتب التي تعالج هذا الموضوع. لقد أعدت قراءتها مرات عديدة كي أستمتع بهذه الكلمات. وانا أقرأ تأملت مع نفسي وراجعت علاقتي بزوجتي فوجدتها ضرباً من ضروب الجاهلية أو أشد. كم نحن في حاجة إذن لإصلاح علاقتنا مع أزواجنا! إن عدم فهم طبيعة المرأة يؤدي – بطبيعة الحال – إلى تفكك الأُسرة التي بتفككها تزود المجتمع بأفراد غير صالحين، فتعم الفوضى في المجتمع. ويبدو أن هذا هو جزء مهم من مشاكلنا التي نعاني منها”.
ويروي البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد سأله ابن عباس رضي الله عنهما عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتين قال الله لهما: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار. فصحت على امرأتي فراجعتني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ولمَ تنكرُ أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل). وهذا يعني أن الحياة الزوجية فيها من التعقيد أبعد مما يتصوره الكثيرون. وأن المشاكل لا تحل بطريقة محاولة كل من الطرفين إثبات (من المخطئ ومن المصيب؟). وهي طريقة، في الغالب، تعقد المشكلة ولا تحلها. ولو كان الأمر يُحل بمعرفة المخطئ من المصيب؟ ولمن الحق وعلى من؟ ما كانت أزواجه صلى الله عليه وسلم تهجره إحداهن اليوم حتى الليل؛ فإنه لا يتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ، ولا أزواجه يتصورن ذلك.
2. معادلة (01)
معادلة من أحكم وأروع معادلات العلاقة الزوجية.. تلك معادلة (01 = صفر واحد)! وهي تصلح كذلك في العلاقات الاجتماعية.
أقول للزوج: قد تنفعل الزوجة عند الخلاف فتنحسر طاقتها الاستيعابية إلى حد الصفر (0)؛ فكن أنت الرقم الذي يحتوي صفريتها العاطفية. على الأقل كن الرقم (1)، فتكون المعادلة (01). وإياك أن تترك العنان لعداد طاقتك حتى يصل إلى نقطة التصفير، وتكون المعادلة الكلية (00). إياك إياك!
وأقول للزوجة الشيء نفسه، وأعيده؛ فإنه أوقع في النفس: قد ينفعل الزوج عند الخلاف فتنحسر طاقته الاستيعابية إلى حد الصفر (0) فكوني أنت الرقم الذي يحتوي صفريته العاطفية، على الأقل كوني الرقم (1)، فتكون المعادلة (01). وإياك أن تتركي العنان لعداد طاقتك حتى يصل إلى نقطة التصفير، وتكون المعادلة الكلية (00). إياك إياك!
جربوا هذه المعادلة، ودربوا أنفسكم عليها. لن تحتاجوا إلى أكثر من شيء من الصبر في البديئة حتى تجدوها قد صارت جزءاً من حياتكم في البيت وخارجه، وسترون كيف تخف همومكم، وتخلد إلى راحة، لها مذاقها المتفرد، نفوسكم.
تأملوا هذه الآيات فإن أحق الناس بها أهلونا، وأولهم الزوج ذكراً كان أم أنثى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:34-36). وقال جل جلاله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء:36). والصاحب بالجنب: هو الرفيق في البيت والعمل والسفر.
كان هذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، فإذا استغلق الأمر ووصلت الدرجة بهن أو إحداهن إلى الصفر، حافظ هو على توازن المعادلة، وبقي الرقم الأصعب.. الرقم الذي لا تؤثر فيه كل عوامل التصفير وجميع رياح التعرية، ولو اضطرته إلى الانسحاب بهدوء. المهم أن لا يكسر قلباً طالما منح قلبه الراحة ونبضه التوازن.
بقي أن أقول: في نهاية حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه السابق جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج إحدى مشكلاته مع نسائه بأن اعتزلهن شهراً خارج بيته! يقول عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أدَم، حشوها ليف، فسلمت عليه… إلخ ما جاء في حديثه. وهو في (الصحيحين). ما كل مشكلة تنحل بالنقاش والمنطق ومعرفة صاحب الحق من صاحب الخطأ. للمشاكل حلول أُخرى. ومن أرقاها الضغط شيئاً على النفس، ولجمها عن أن تري ما فيها، والخروج من الجو المكهرب ففي الهواء الطلق فرصة لمراجعة النفس واكتشاف الحلول والله تعالى يقول: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:237).
2021/8/12
القراءة عوالم و لكل عالم نسيمة الخاص الذي يحتل النفس ويروي الذاكرة ويغذي الروح ويجعلك تبصر الطريق الصحيح بمفاهيم واضحة فكل فرد منا هو أساس المجتمع ، مقال في غاية الأهمية ، بوركتم 🌿
جميل جدا
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل على هذه الكلمات الراقية التي تسهم باستقرار الحياة الزوجية وتوطيد العلاقة بين الزوجين بوسائل بسيطة ولكنها ناجحة وناجعة.
من أروع المقالات التي قرئتها عن حل المشاكل الأسرية فعلا الكلمة الطيبة هي مفتاح كل شيء .
فعلًا قد اختصرت علينا الكثير من الكتب بمقال كهذا بارك الله بك على هذه الكلمات النافعة ، جعلنا الله وإياكم من المتّقين.
كلمات جميلة جداً
شكراً لكم دكتور على هذا الطرح الرائع.
ارشادات طيبة وكلمات نافعة ومفيدة في سيرة الحياة الزوجية والعلاقة بينهما … هذا ما أعتدنا عليه من فكرك الرائع جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
اسرفت في الجمال يا دكتور .. ومنحت اولي القلوب والابصار وصفة هيّنة، سهلة، لا تكلّف فيها ولا مشقة -بارك ربي قلمك-
لكنها من ذاك السهل الممتنع.. فما كل سهل يمكن وروده.. وهل كل أحد يسطيع وزن المعادلة وبذل اللطف ومنح نصفه الآخر الكلمة الأرق في اللحظة الادق!
أحسنت وسلمت الانامل وزادك الله علما أستاذنا الفاضل..
دور المرأة في عمارة الحياة وبناء المجتمع مكمل وساند ومساعد للرجل وهي الروضة الندية والحنو الحاني حين يعز عليك الحنان، وتحيطك مصائب الزمان… فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر زوجاته فيذهب عنه مايلاقيه من ضيق الصدر وكدر الخاطر… وتسليه الكلمة الطيبة والمشورة الرشيدة من زوجته أم سلمة فياخذ بما قالت ويفعل بما شارت..
ولعمري نحن في نعمة ناعمة وسعادة سعيدة. حين نجد من يطرز لنا هذه المقالات والإرشادات فاحتار بم أستمتع بجمال الكلمات أم بصيغة العبارات أم بحسن الموضوعات.
مقاله جميله ومفيده ونرجو من الله ان يلهمنا الصبر وطولة البال لتجاوز مشاكلنا وحلها برويه وهدوء شكرا شكرا 🌹🌷
أسأل الله أن يطيل في عمرك وينفعنا في علمك وتصحيح مسارك،. د.
مفهوم روعة في تعامل الزوجين في مابينهما
مقاله قيمه وإرشادات جميله يجهلها الكثير من الأزواج
استمر دكتور نسأل الله أن يزيدك علم فوق علم 🌹🌹
مقال اكثر من رائع سلمت الانامل التي كتبت.
(الم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبه اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون)
بارك الله لنا بعلمك شيخنا
نجدك مبدع دوما وفي كل مجال تتناول الكلام فيه.
الجانب الأسري من أهم جوانب الحياة التي تعتمد عليها في بناء أسرة سليمة تكون لبنة سليمة قوية في مجتمع متماسك.
لا أدري من أين أبدا !
حقيقة عندما قرأتُ العنوان أولاً جذبني شئ غريب وهو : سحر الكلمة … وصورة البيت الضاحك … جعلني هذا العنوان أن انظر له بعين واحدة وحاجبها مرفوع بينما عيني الأخرى قد اغمضت للاستغراب وهي تقول : ما العلاقة ؟
ثم فتحت عيني الثانية ودخلت للمقال مبصر العينين كي أرى ماذا أجد …. الله…. الله…. جمال مطرز وزهور تموج، ونصائح طبيب حاذق .. خَبُر الحياة بجميع صنوفها .
لكن .. اريد أن أعلق على مفردتين فقط … نعم وباختصار كي لا اطيل .
الا وهما : ( الاسم ، والرسم ) .
اسم المقال (سحر الكلمة .. وسر المعادلة (01) ) حقيقة بعد ما تقرأ المقال تشعر بمعنى الاسم المختار بطعم آخر .كانها كلمات مضغوطة وهي اسم المقال ومقدمة للمقال في نفس الوقت .
ثم رفعت بصري مرة أخرى على كلمة
( سحر الكلمة)
وذهب بي الخيال فقلت : مساكين اكثر العوائل تذهب إلى السحار أو المنجم ليجلبوا لهم سحرا بحلوا به مشاكلهم فما تعود عليهم إلا بخراب البيوت وغضب رب العالمين وما يدرون أن
( للكلمة ) سحرا ًً وطاقة ربانية وسرا كونيا اودعها فيه اعظم مما تفعله مردة الشياطين … ولذلك جعل معجزة اعظم الأنبياء كلامه سبحانه.
هذا الاسم ،وأما الرسم … الله .. الله .. اللهم اعني على غزل مشاعري التي تزدحم في قلبي ..
رسمت بيتا قد لا ينتبه له الكثير . لكن هذا الرسام وهذه الرسمه متطابقة تماماً مع المقال …. فكأنك تقول : الكلمة الساحرة تقلب البيوت إلى بيت ضاحك وسعادة وسكينة ويسوده الفرح … وتجعل حديقتهُ خضراءَ غضة … وليس هذا وحتى سنا دخانه قد انقلبتْ بسبب حرارة الحب فلا يخرج منه دخان بل قلوب متحابه ومشابكة باحلام وردية ..
أنا هكذا قراءة ( العنوان والرسم )
ولولا الإطالة لاكملت لكم قراءة المقال .
شكرا لك يا دكتور على هذه الحروف النورانية التي نطلب مثلها المزيد . جزاك الله خير .
بارك الله بك وجزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
نصائح مفيدة عسى الله ان ينفع بها المسلمين
عفوا دكتور ..
هذا الكلام الحكيم جدا، والذي أرى أنه ميزان رائع يضبط معادلة العلاقات ، ليس في بيت الزوجية فقط بل و العلاقات الاجتماعية بصفة عامة ..
لكنه وعند النظر في الواقع نجد كم هو عسير التطبيق إلا ما ندر .. عسير ع الرجال طبعا!
-وهذا الحكم ليس انحيازا مني – لكن الرجل بطبيعته الصلبة و اقحامه كبريائه في كل شيء حتى في المشاعر العاطفية التي يجب ان لا يكون لها مكان فيه تجعله صلب مترفع عن بذل ذاك التنازل ومنح الصفر الذي قد يحدث من الطرف الاخر واحدا..
نظرتنا كنساء لهذا المقال تدفعنا لأن نصفق له ونباركه لأنه يلامس طبيعتنا اللينة تجاه الآخر .. ونتمنى أن يجد له طريقا إلى عقل الرجل قبل قلبه.. ليدرك سحر الكلمة!
الخلل اذن في ذلك الصلب القاسي اما الضلع الآسي فلطالما بذل وحن وتنازل ومنح كل ما يملك في سبيل اسعاد الشريك.
صدقت كل الصدق!