أ. العنود الهلالي
يعد الوعي التاريخي من أهم الموارد المعرفية لثقافة الأمة، ولا يتشكل هذا الوعي بمعناه الكامل إلا بمعرفة العناصر المساهمة في صنع الأحداث والوقائع التاريخية، والعوامل المؤثرة في تدوين تلك الأحداث.
وكان في كل حلقة من حلقات البناء يهدم قاعدة من قواعد الباطل بضربة قاضية لا تترك له منفذاً.
إن القراءة الناقصة التي اعتاد عليها الجمهور، بل وكثير من المثفقين والنخب إنما كانت نتيجة للافتقار إلى الوعي التاريخي وتجريد الاحداث والوقائع التاريخية بعدم النظر إليها نظرة مترابطة ومتصلة بالواقع. فالحدث التاريخي لا يقرأ بمعزل عن سببه، والعناصر التي يدخل فيها الزمان والمكان وسائر الظروف التي انتجتها البيئة المحيطة.
ولأن المقدمات الخاطئة حصادها نتائج خاطئة، فقد أنتجت لنا هذه القراءة الناقصة رؤى تاريخية خاطئة شوّهت وجه تاريخنا المشرق.
لقد ارشدنا الدكتور – كعادته في طرح المواضيع التاريخية – إلى مفاتيح هامة يجب أن لا نغفل عنها عند قراءة التاريخ والنظر في أحداثه. وقد أجملت في النقاط التالية بعض ما التقطته من مفاتيح في تلك المحاضرات القيمة :
- يجب أولا أن لا نعزل الحدث عن سببه وننظر إليه مجرداً ، فالحوادث لم تولد من العدم.
- وأن لا ننظر للحوادث والوقائع بعيداً عن سياقها التاريخي.
- وأن التنظير والتحليل للحدث ينبغي أن يرتبط بجغرافية الحدث، لأنها المحيط الذي انتجت فيه.
- يجب عدم إغفال الرؤية السنية عند النظر للرواية التاريخية والاحداث المتصلة بها والناتجة عنها.
- أساس النظر في الروايات التاريخية المعتلة المتن؛ الشك والحذر وعدم التسليم.
- وأنه بإمكاننا تفكيك الروايات التاريخية المعتلة بتحليل محتوياتها للجمهور وتسليط الضوء على السياق والعوامل المحيطة للوصول إلى المعنى الحقيقي الذي قصده واضع الرواية المكذوبة.
- وأن لا نكتفي بالتقييم الديني للشخصيات وخاصة تلك التي تعود لقوميات معادية للدعوة الإسلامية أول ظهورها، أو محاربة للعرق العربي؛ لأن الإنسان لا يمكن أن ينعتق من تأثير تلك المشاعر والروابط إلا ما ندر.
أما الجانب الآخر الذي أفادني في هذه السلسلة فهو يختص بـ ” التعليقات وردود الأفعال” تجاه طرح الدكتور الواضح والقوي الذي لا يمالئ فيه أحدا على حساب الحق. فمن خلال متابعتي المستمرة لحقل التعليقات وجدت أن المتابع العربي مؤطر بتراثه؛ مما افقده الحرية النقدية عند النظر إلى ركام التراث الذي بين يديه، وأن عقله مثقل بفكرة القداسة لكل ما انتجه السلف؛ فصار التفكير والنظر عبارة عن عملية تذكّر، ومعيار الحدث هو الرواج والاستفاضة!
لذا فإنه يرى: وجوب عدم تسليط الضوء على الأخطاء الكارثية التي اقترفها السابقون ولا يصح أن تنتقد على الملأ، لأن هذا سيمنح الشيعة وغيرهم من أهل الباطل فرصة للطعن في كتبنا واسقاط علمائنا ، ثم أن هذا الطرح قد يشكك الجمهور في تراثنا .. وغيرها وغيرها من الأسباب والتعليلات الغريبة!
إذن فصل القداسة عن التراث هو أول ما يجب أن نقوم به، وإن كانت خطوة تمهيدية إلا أنها الأهم والقفز على هذه الخطوة لن يجعل باقي الخطوات ذات فائدة تذكر. وقد استخدم الطبيب في هذه السلسة مبضع الجراح في عملية تشريحية دقيقة تصدر عن رؤية واضحة متصلة بالمصدر الأول للتشريع، متخذة من ( القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الخالي من التشيع) قاعدة صلبة تستند إليها .
لقد تجلى الدكتور في هذه السلسلة الرائعة وتألق كعادته في تفعيل النقد الذاتي الداخلي لتراثنا، ليكشف عن الأسباب والعلل التي أدت إلى هذه الأفكار الشعوبية المتجذرة في جسد الثقافة السنية ، والانتقال بنا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم الواثق المعتدل.
2021/11/3