مقالات

العلاقات الشيعية المغولية قبل سقوط بغداد (1-2)

أ. العنود الهلالي

ظهر المغول كقوة عالمية على مسرح التاريخ في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي وقد استطاعوا في فترة وجيزة من عمر الزمن أن يؤسسوا إمبراطوريتهم الواسعة الأرجاء التي امتدت من الجزر اليابانية شرقا إلى قلب القارة الأوروبية غرباً، ومن سيبريا وبحر البلطيق شمالاً إلى الحدود الشمالية للجزيرة العربية وبلاد الشام جنوباً.

انطلق جنكيز خان من اقليم قراقوم ليوسع دائرة نفوذه وسلطانه بعد أن اطمأن إلى قوة بأس جيشه ووحدة قبائل المغول تحت رايته. وقد كانت الشبكة الجاسوسية التي انشأها الخان المغولي لتسهيل عملياته العسكرية محكمة التنظيم، فقد كان عملاؤه القائمون بهذا النوع من الخدمات، غالبا ما يندسون بين القوافل التجارية ويتزيون بزي أصحابها وذلك للقيام بالمهام الجاسوسية على أكمل وجه. وتعد هذه الشبكة من أهم العوامل التي ساعدت الجيش المغولي على الاستيلاء على مساحات شاسعة بهذه السرعة الغريبة!

كانت الصين الهدف الأول لجنكيز خان فتوالت الحملات المغولية على بلاد الصين حتى تمت السيطرة على بكين سنة ٦١٢هـ/١٢١٥م ثم امتدت حملات الخان المغولي غربا حيث الدولة الخوارزمية فسيطر على إقليم ما وراء النهر في عام ٦١٧هـ/١٢٢٠م وسقطت العاصمة الخوارزمية بيد المغول.

اتجه اهتمام المغول إلى أوروبا بعد موت جنكيز خان ، فتمكن اوكتاي خان من غزو روسيا وأوكرانيا وزحفوا إلى بولندا وألمانيا ناشرين الموت والدمار، واستمروا في الاندفاع داخل أوروبا حتى وصلوا إلى فيينا ولم يتوقف هذا الغزو إلا بعد أن وصلت جيوش الغزاة أنباء وفاة الخاقان أوكتاي فتراجعوا إلى المناطق المفتوحة شمال البحر الأسود.

عند تتبع خط سير الزحف المغولي نجد أنه وبعد هزيمتهم للدولة الخورازمية اتجهوا إلى بقية الأقاليم الصينية ثم إلى أوروبا الشرقية، ولم تكن أراضي الخلافة العباسية ضمن خططهم، خاصة وأن الطريق كان مفتوحاً بعد القضاء على الدولة الخوارزمية التي لم يشأ جنكيز خان الدخول في حرب معها بل حرص أول الأمر على مسالمتها وابرام معاهدات تجارية معها، ومبادلتها الرسل والسفراء لما كان من شهرة لفتوحات السلطان محمد خورازمشاه . لكن وكما ورد في كثير من المصادر الإسلامية فإن سوء تقدير السلطان محمد خوارزمشاه للأمور بعد حادثة أترار[1] وعدم اهتمامه بالتحقيق في هذه الكارثة ثم اقدامه على قتل رسل جنكيز خان عجّل بقيام الحرب بين الدولتين. فالسلطان الخوارزمي حتى من وجهة نظر القانون الدولي المعاصر أعطى جنكيز خان الأسباب الكافية لاجتياح دولته والعمل على اسقاطها. إضافة إلى رسائل التحريض التي كانت تصله من الداخل الإسلامي والتي سنبين لاحقاً من أرسلها!

يذكر ابن الفوطي في “الحوادث الجامعة” وهو ممن عاصر الاجتياح المغولي للبلاد الإسلامية وشهد سقوط بغداد ” أنه في عام ٦٣٣هـ/ ١٢٣٥م شهد وصول جيوش المغول أطراف العراق ، حيث أصبحوا على مشارف الموصل ولم تتقدم جيوش المغول أكثر من ذلك”، بل توجهت فتوحاتهم ولمدة عشر سنوات إلى أوروبا.

يرى بعض المؤرخين أن أحد الاسباب التي جعلت المغول يصرفون النظر عن غزو دار الخلافة تلك الهالة الدينية والتاريخية والزعامة الروحية التي كونتها الخلافة العباسية في نفوس المسلمين بفعل تاريخها العريق وانتصاراتها طوال الخمس القرون الماضية. ومما يدعم هذا الرأي ما فعله هولاكو حين أراد دخول بغداد في حملته الأخيرة حيث استشار المنجمين الذين كانوا بصحبته وسألهم عن انسب وقت لدخول العراق ويفسر رنسيمان[2] هذا الموقف بأن هولاكو كان يعيش حالة من التردد والاضطراب والقلق، مما دفعه للاستئناس برأي المنجمين والنظر في أقوالهم.

إذن وبالرغم حالة الضعف التي أصابت الخلافة العباسية، وسوء إدارة البلاد والتدهور الاقتصادي،  والأوضاع السياسية المحيطة بدولة الخلافة، إلا أنها لم تكن هدفاً للمغول!

فلماذا تغيرت خطط التوسع المغولي بعد عشر سنوات، وما الذي أطمعهم بدار الخلافة، وأزال رهبتها من قلوبهم؟ هل كان للشبكة الجاسوسية التي أنشأها خانات المغول لتسهيل فتوحاتهم موطئ قدم في دار الخلافة؟ وما هو الدور الخياني الذي قامت به هذه الشبكة لإنجاح الغزو المغولي وإسقاط الخلافة؟

للمقال صلة..

_____________________

[1] وصلت الى بلدة أترار  – وهي بلدة صغيرة تقع ضمن نفوذ الدولة الخوارمية  يحكمها ينال خان الذي تربطه صلة قرابة بالسلطان الخوارزمي  – قافلة تجارية مغولية نتيجة للاتفاقات التجارية التي ابرمت بين السلطان وجنكيز خان، لكن ينال خان وبدافع الطمع في محتويات القافلة قتل التجار واستولى على امتعتهم بحجة أنهم جواسيس، نجا من القتل رجل فر هاربا يحمل انباء الحادثة لجنكيز خان .

[2] تاريخ الحروب الصليبية 2/519

اظهر المزيد

‫12 تعليقات

  1. احسنت الطرح
    وليس بغريب على الشيعة الخونة ان يقيموا علاقات مع اي عدو للامة فهو ديدنهم منذ الازل

  2. بوركت جهودك لهذا التفصيل والتحليل الرائع
    مؤكد للشيعة دور كبير في تمكين المغول
    لأن تاريخهم الأسود يتكلم عنهم ويفضحهم
    قبحهم الله…….
    نحن بنتظار التكملة 👍

  3. المغول استفادوا جدا من شبكة جواسيسهم التي تسبقهم للارض التي يريدون غزوها.. وهي التي سهلت لهم هذا التمدد السريع في اوروبا والصين .
    اتصال الشيعة بالمغول ربما لنظرتهم التي استبقت الاحداث فظنوا انهم باتصالهم بالمغول وتقديمهم خدمات لهم سيمنحون الامان ولكن المغول لا امان لهم وهم لا يقيمون اي اعتبار للخونة .. لذا دمروا الاسماعيلية واهانوا ابن العلقمي بعد احتلال بغداد.. السؤال هنا عن الطوسي الذي ترقى في مراتب الثقة عندهم!
    هذه الشخصية تستحق الدراسة والبحث

  4. لا يوجد إحتلال إلا وللفرس يد خبيثه، تكون جسراً
    لذالك المحتل الأجنبي،
    حي الله الشيخة العنود الهلالي 🌹🌹🌹

  5. بارك الله مداد الكلمات وامد في عمرك أستاذنا الدكتور.
    كل شعب له طبائع تميزه عن الشعوب الأخرى.. والباحث في علم الاجتماع لن يتفاجأ من خيانة وغدر الفرس كونهم طغى طبعهم وفاح ريحهم بمثل هذه الأخلاق الرذيلة.. ولذا كان تاريخهم وإلى حاضرنا لهم السبق وبلا منازع بتلك السلوكيات العفنة… والمسكين من نام آمنا بجنب فارسي.! فالفارسي لايطهر طبعه وإن تبرقع بالاسلام..! .
    الافاعي السامة لايرّوَضها كرم الطعام ولين الكلام ..

  6. الفترة التي سبقت سقوط بغداد فترة شديدة الحساسية والغموض، ما شاع من خبرها الا ضعف الخلفاء العباسيين وخيانة ابن العلقمي والطوسي!
    الا يوجد تفاصيل اكثر حول هذه الفترة الحرجة من عمر الامة؟
    ارجو ان يكون في الجزء الثاني ما يجيب عن اسئلتنا

  7. الفرس مامن معركة واجهوا بها العرب والمسلمون وجهاً لوجه إلا وخسرو المعركة ولذلك كانت احتلالتهم ودخولهم أرض العرب بالمكر والعمالة والخيانة وفي كل زمن تتغير المسميات والعناوين عندهم… مقال يطرح حقيقة خيوط المؤمرات على الدول الإسلامية
    جزاكم الله خيرا… أستاذه العنود

  8. كشف المقال عن أمر مهم لم أجد – حسب علمي – من لفت النظر إليه، هو هذه العلاقة التخطيطية السابقة للحدث العظيم وهو إسقاط الخلافة العربية الإسلامية على يد المغول.
    وهذا يكشف عن سياسة عميقة للفرس تعتمد التغلغل الناعم في دوائر صنع القرار لاستغلاله لصالحهم في طريقهم للسيطرة عليه. وهو ما يضعف الإدراك العربي عن فهمه أو عن سبر مدى خطره، ويتخلف عنه بما لا يقل عن نصف قرن.
    هكذا يقع العربي ضحية المكر الفارسي ولا يفيق من غفلته الا بعد فوات كثير من الاوان.

    1. سلمت ودمت شيخي ..🌷
      إنما هذا قبس من النور الذي قدحته في مصابيح الوعي التي اضاءت “وستتوالى إلى ما شاء الله”
      شكراً لهذه اللفتة الهامة التي أثرت المقال وشرفت بها✨

  9. اجتياح المغول لِبغداد ودكِّهم معالم الحضارة والعُمران فيها وقتلهم أهلها كارثةً كُبرى للمُسلمين، بل كارثة الكوارث في زمانها. وأحراقهم للكثير من الكتب والمؤلفات القيِّمة والنفيسة في مُختلف مجالات وميادين المعرفه خساره كبيره للوطن العربي، ونرى ان هذه الكارثه والاحداث نفسها تعاود الوقوع في الوقت الحاضر لكن الاختلاف هنا ان الفاعل* “الفرس” “ايران”.
    احسنتـِ اختي العنود ألتفاته تاريخيه جميله 🍁

اترك رداً على العنود الهلالي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى