مقالاتمقالات أخرى

الموالي في العهد الأموي .. عقدة نقص أم تهميش وإقصاء!

أ. العنود الهلالي

إن حساسية التعامل مع التاريخ والشطط في ذلك، يعودان كما اعتقد إلى القراءة الانتقائية الغالبة لدى جمهور قرّاء التاريخ وهي قراءة تعتمد على الوثوق بنقول المؤرخين دون التفكير في إمكانية الخبر وواقعيته ولا العناصر المساهمة في صنع الحدث، والعوامل المؤثّرة في التدوين. لأن المعرفة الواضحة بالعناصر المساهمة في صناعة الحدث: جغرافية، وزمانيّة، واجتماعية، وسياسية، بل واقتصادية أيضا، ثمَّ العوامل المؤثرة في تدوين التاريخ، إيجاباً أو سلباً توقفنا على صورة أقرب لحقيقة الخبر التاريخي، وتساعدنا على تفنيد كثير من المزاعم والأكاذيب التي سوّدت صفحات بيضاء في تاريخنا العظيم.

من تلك القراءات الناقصة للتاريخ ما يشاع عن أحوال الموالي وما تعرضوا له من ظلم في الدولة الأموية. فقد نعى كثير من المؤرخين المتأخرين حال الموالي في ظل الدولة الأموية؛ وكيف أنها  كانت دولة القبيلة على حد زعمهم وأن شريحة الموالي فيها كانت من الدرجة الثانية وعانت حجرا وظيفيا سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو القضائي أو الاداري وأن عملهم اقتصر على الصناعات والمهن اليدوية التي كانت محل احتقار العرب في ذلك الزمن، وعزوا أسباب الحجر بالدرجة الأولى إلى النظرة المتعالية للعرب والعنصرية الأموية ضد العجم.

فهل حقا كان هناك عنصرية أموية  تجاه الموالي، وأن تعصبهم للعنصر العربي أدى إلى إقصاء غير العرب والحيف عليهم في دولة بني أمية؟

 الموقف الرسمي والشعبي للدولة الأموية من الموالي

عند الاستقراء التاريخي لأمهات المصادر الإسلامية، والنظر في الشواهد التاريخية سنجد أن الروايات التي اعتمد عليها من زعم هذا الزعم ؛ ليست إلا (أخبار متفرقة وردت في العقد الفريد وبعض الأخبار القليلة المبعثرة في كتاب “الأغاني”، وهي أخبار تسجل حالات فردية لا يمكن أن يستخرج منها قاعدة عامة تصف سياسة الدولة أو الرأي العام، كما أنّ جل الأخبار الواردة هي أخبار تتصل بالبيئات القبلية وبمفاهيمها وهي بيئات لا تحترم الحرف اليدوية أو الفلاحة وتعتز بالفروسية وبفن القتال، وطبيعي أن تكون نظرة هؤلاء إلى الموالي من فلاحين وصناع نظرة لا تتسم بالاحترام، أما الكُتَّاب ورجال العلم من الموالي فمنزلتهم محترمة حتى في الأوساط القبلية)[1] وعليه فإن ما قيل أن هناك تهميش وحجر عن المناصب العليا لا حقيقة له في الواقع التاريخي، ذلك أن هذا الواقع أثبت أن خلفاء وولاة بني أمية بذلوا جهودا متصلة ليكبحوا جماح الاتجاهات العنصرية، وليحلوا محلها الولاء للدولة فوق كل ولاء قبلي أو غير قبلي وهذا ما نلمسه من:

  • خلو الخطابات السياسية للخلفاء الأمويين من أية نظرة دنيا للموالي وللعناصر غير العربية التي انضوت تحت لواء الدولة الأموية.
  • وأيضا خلو الخطاب الأموي من أي تمييز عنصري أو تودد للعرب على حساب العجم فکان خطابهم متوازناً وشامل لعامة المسلمین وهذا ما يعكسه قولهم: أیها الناس ، أیها المسلمون، يا أهل العراق، يا أهل البصرة، يا أهل الشام…ألخ) والمقصود بأهل المصر جمیعهم من المسلمین وغير المسلمین عرباً وعجما.[2]
  • اُستعمل الموالي في أدق المناصب حساسية في الدولة من حارس الخليفة إلى الولاية على الأمصار ولم يكن هناك إقصاءً أو تهميشا لهم. وكتب التاريخ تعج بأسماء الموالي الذين أوكل إليهم وظائف هامة في شتى المناصب العليا والدنيا في الدولة الأموية.

فما حقيقة هذا الزعم ولماذا كان من ضمن ادعاءات ومطالب” حركة التسوية”[3]

إن أحد أسباب رواج هذه التهمة الباطلة هو مزاعم هذه الحركة، اعني حركة التسوية الشعوبية لتحظى مطالبها بالقبول، وتجد لها صدى بين الناس.فبعض حججها لم تكن مقبولة لدى المجتمع كـ ادعاءها أن الاسر والقبائل العربية تحتقر الموالي اجتماعيا وترفض تزويجهم ومخالطتهم ومناسبتهم. وهذه المسألة إضافة إلى كونها غير مقبولة في المجتمع العربي؛ ليست مطلبا منطقيا يصح أن تعادى الدولة الأموية بسببه، فمسألة الزواج والاختلاط لم يكن من شأن الدولة بقدر ما هو عادة أصيلة في  القبائل العربية ذلك أنها لا تزوج بناتها لمن ليسوا عرباً. ثم إن حقيقة هذا المطلب هي فرض تغيير على بنية وشكل المجتمع العربي وثقافته بدعوى أن الناس سواسية في الدين، – وقد يكون أول ظهور لـحديث (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى) في ذلك العهد ثم جرى إعادته وارساله بذكاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم – فعمدوا إلى إضافة مظلومية أخرى وهي أن بني أمية كانوا متعصبين ضد الموالي؛ فأقصوهم من الوظائف والمناصب العليا في الدولة. وبذلك راجت الفكرة الشائعة عن سقوط دولة بني أمية التي نقلها كثير من المؤرخين المتأخرين ورددها قبلهم بعض المستشرقين من أن أحد الاسباب الهامة التي أدت إلى سخط الموالي الذي تولَّد عنه سقوط الدولة الأموية هو اضطهاد وظلم الدولة الأموية لهم بإقصائهم عن الوظائف والمناصب في الدولة والتعصب للعنصر العربي حتى تم تهميشهم في المجتمع.

 

2022/5/19

_________________________________________________________

[1]  نجدة خماش، الموالي في التاريخ الإسلامي

[2] رياض عبدالحسين راضي، الواقع التاريخي للموالي في الدولة الأموية

[3] كان الشعوبيون يسمون حركتهم “حركة التسوية” (التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب).

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. الدولة الأموية الدولة الراشدة تسير على شرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما هذه
    التهم الباطلة التي تنهال عليها من كل جانب من قبل الفرس وعملائهم الغاية منها تشوية تاريخها المشرق . ولهذا كان لها باع كبير لنشر الإسلام في أقصى دول العالم و ساهمت على بناء حضارة عظيمة ولاتزال آثارها باقية إلى يومنا هذا . مقال يعطي الصورة الحقيقية للدولة الأموية جزاكم الله خيرا أستاذه عنود

  2. حي الله العنود الهلالي.
    ياأخي حقيقة أنه خير من مثل الحضارة المدنية الملكية الربانية هم الإمويون،
    لو صنفنا الربانية، بالخولق المهذب،
    ولمدنية بالعمل ولإنتاج المنظم،
    والملكية باطلحاضنة ولأم الراعي والراقي؟
    كيف يترك القرس مثل هذا أو هذه الصفات الجميلة التي تغيضهم

  3. مهمة الموالي ومجيئهم للعراق هدفها التحريض ضد الأسلام وتسقيط العرب و ممن يقف ضد الفرس وتقدمهم
    بين العرب وما فعلته الدولة الأموية ونهضتها في زمانها في تمكين دولة التوحيد وتمكين العرب بين الأمم
    جعل موالي الفرس يصبون حقدهم ويطلقون ألسنتهم
    بطعن ولعن وتأليف القصص الواهية ضدها فهذه غايتهم وهذا هدفهم عند مجيئهم إلى الكوفة
    جزاك الله خيرا أستاذة عنود لما تقدميه من مقالات رائعة وهادفة في نصرة عظمائنا ورموزنا الأمويين رحمهم الله أجمعين

  4. عقدة النقص التي يعاني منها كثير من العجم تجاه العربي تدفعه لاسقاط عقده وامراضه على العرب..
    وهذا ما فعلوه تجاه دولة الخلافة الاموية
    شكرا على هذا المقال المهم

  5. العجم والموالي عقدهم النفسية كثيرة وللأسف كتب التاريخ ممتلئة بكذبهم وعقدهم نحن الان نسلم لكل ما موجود بكتب التاريخ كأنه حقيقة وكأنه كتاب منزل لضعف الامن الثقافي لدينا الحضارة العربية حضارة ابوية عظيمة لم تهمش احد بل رفعت من شأن الجميع

  6. الوقائع والشواهد التاريخية تثبت ان الدارجعت العادات الجاهلية
    والخليفة الوحيد الذي حاول ارجاع الدولة الى نهج النبي والخلفاء هو عمر بن عبد العزيز ولو شاء الله وامد في عمره لنجح في مسعاه
    بني اميه ارادو احياء مجد ابائهم الجاهلي.

اترك رداً على aesha mhmad إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى